* الرياض - الجزيرة:
أكد فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان عضو هيئة كبار العلماء على ضرورة أن يرمي الحاج جمرات العقبة بسكينة ووقار كما يؤدي بقية المناسك، وأرجع فضيلته الحوادث التي تحدث عند رمي الجمرات إلى تصرفات الناس حال الرمي والذي - كما ذكر فضيلته - إحالة بعض الحجاج وكأنه حلبة مصارعة يظهرون فيها قوتهم ويجربون عضلاتهم في دفع إخوانهم والتغلب عليهم ليرمون الجمرة مهما كلفهم من ثمن.. حيث قال فضيلته في مقال بعثه للجزيرة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن رمي الجمرات منسك من مناسك الحج، يقوم به المسلمون اقتداء بالخليلين: إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وذكراً لله عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمرات لذكر الله عزَّ وجل).
وإن الواجب على الحجاج أن يرموا الجمرات كما يؤدون بقية المناسك بسكينة ووقار، لكن في السنين الأخيرة مع تزايد أعداد الحجاج بسبب سهولة الوصول إلى البيت بسبب وسائل النقل الحديثة: برية وبحرية وجوية، مما طوى المسافات البعيدة وبسبب ما يجده الحجاج من سهولة التحرك بين المشاعر بسبب التسهيلات التي أقامتها الدولة- وفقها الله- من شق الأنفاق وتعبيد الطرق الكثيرة وإقامة الجسور التي تربط بينها، وأعظم من ذلك كله توفر الأمن تحت ظل تحكيم الشريعة الإسلامية في هذه البلاد المباركة وإن هذه الأعداد الهائلة لا بد أن يترتب على تحركاتها بعض الصعوبات والسلبيات ومن ذلك ما يحصل حول رمي الجمرات من دعس بالأقدام ووفيات وجراحات من جراء ذلك، وقد كثرت الآراء حول التماس الحلول لتفادي تلك الحوادث، ومن تلك الآراء القول بأن ما يحدث راجع إلى ضيق الزمان للرمي وضيق المكان حول المرمى.. وأقول: ليس هذا هو السبب، فالمكان واسع والزمان ممتد، حيث إن رمي جمرة العقبة يوم العيد يبدأ من منتصف الليل ليلة العاشر ويمتد إلى آخر الليل ليلة الحادي عشر بما يزيد على أربع وعشرين ساعة، ورمي الجمرات الثلاث في أيام التشريق يبدأ من زوال الشمس وقت الظهر ويمتد إلى آخر الليل من ليلة الثاني عشر والثالث عشر لمن لم يتعجل.. إذاً فما يحصل من الحوادث إنما هو بسبب تصرفات الناس حال الرمي، حيث شاهدنا الكثير منهم يدخل المرمى وكأنه حلبة مصارعة فيظهر قوته ويجرب عضلاته في دفع إخوانه والتغلب عليهم ليرمي الجمرة مهما كلفه الثمن، وتأتي جماعات متماسكة تشكل كتلاً بشريةً تحطم ما في وجهها من الناس.
إذاً فليست المشكلة في ضيق المكان والزمان، وإنما هي من تصرف الإنسان.
والذي أراه حلاً لهذه المشكلة يتكون من عدة نقاط:
أولاً : التقيد بالأعداد المقررة للحجاج من كل دولة ومنع التلاعب في التطبيق، وأن يربط الحجاج بمطوفين وحملات تضبطهم، ويكون هؤلاء المطوفون ورؤساء تلك الحملات الجميع مسؤولين عن تحركات منسوبيهم في مواضع سكناهم وتنقلاتهم في مكة والمشاعر، ولا يسمح لأيِّ متسلل أو متخلف أو عمالة بالحج إلا تحت مسؤولية هؤلاء المطوفين وتلك الحملات، ولا يسمح كذلك بتكرار الحج في وقت متقارب بالنسبة لمن أدى فرضه حتى تخف تلك الأعداد.
ثانياً: أن يفوَّج الحجاج بالنسبة لرمي الجمرات ويعلن ذلك لهم بواسطة المسؤولين عنهم من المطوفين والحملات، ويكون ذلك من خلال برنامج ينظم بدقة يحاسب من لم يتقيَّد به ويلزم به مسؤولوه.
ثالثاً: أن يعمل بالرخص الشرعية في الرمي فمن لم يستطع الرمي أو يشق عليه من المرضى وكبار السن والنساء والأطفال فإنه يوكل من يرمي عنه، كما أنه يجوز تأخير رمي كل يوم إلى اليوم الذي بعده خلال أيام التشريق، فبإمكان الحاج أن يؤخر رمي اليوم الأول إلى رمي اليوم الثاني ورمي اليوم الثاني إلى اليوم الثالث أو تأخير رمي جميع الأيام ورميها في اليوم الأخير بشرط الترتيب، فيرمي الجمار كاملة عن اليوم الأول ثم يعود ويرمي الجمار كاملة عن اليوم الذي بعده، ثم يعود ويرمي الجمار كاملة عن اليوم الحاضر لما في ذلك من توفير الوقت والظفر بسعة المكان، وبهذه الحلول سيزول إن شاء الله كثير من المشكلات.
رابعاً: أن يرتب السير إلى الجمرات في الذهاب إلى الجمرات والعودة منها بحيث يذهبون من طريق ويعودون من طريق آخر فلا تحصل مواجهات بين الذاهبين والعائدين، وتكون هناك توعية بذلك وقوات أمن تمنع من الإخلال بنظام السير في الذهاب والعودة، حيث إن التوجه الواحد في السير لا تحصل فيه حوادث كما في المطاف والمسعى وإنْ كثرت الأعداد.. ولو ألغي نظام العمرة في رمضان لكان أحسن، لأن كثيراً من المعتمرين يتخلفون إلى الحج.
خامساً: أن تكون هناك توعية للحجاج في حال ذهابهم للرمي باستعمال الرفق والسكينة لأنهم في عبادة، وما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا تجوز أذية المسلمين والإضرار بهم، لأن المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، (والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).. {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (58) سورة الأحزاب..وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
|