* القاهرة - مكتب الجزيرة - عتمان أنور:
أثار إعلان ارييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي اعتزامه تفكيك 17 مستوطنة في قطاع غزة ردود أفعال متباينة سواء داخل إسرائيل وخارجها ففي الداخل الإسرائيلي رفضت الأحزاب اليمينية واليسار ما أعلنه شارون فيما ساندة حزب العمل واعلن شيمون بيريز رئيس الحزب ترحيبه بهذه الخطوة وانه يساندها في حال تنفيذها اما بالخارج فقد قوبل خطة شارون بترحيب أمريكي وبتحفظ فلسطيني فقد وصفتها الإدارة الإمريكية بالخطوة المبدئية مؤكدة في الوقت نفسه ضرورة تنفيذ خارطة الطريق. وأعرب أحمد قريع رئيس الوزراء الفلسطيني عن موافقته عليها محذراً من مقاطعة ذلك بنقل الفلسطينيين وحصارهم وبقدر ما اثارت خطة شارون بإخلاء مستوطنات غزة ردود الفعل الا أن المحللين السياسيين وخبراء الإستراتيجية يرون أن هذه الخطة تحمل أبعاداً وأهدافاً شارونية بحتة وليس فيها أي مسعى نحو السلام.
الجزيرة التقت نخبة من المحللين وخبراء الإستراتيجية لإلقاء الضوء على أبعاد خطة شارون ومراميها بشأن تفكيك المستعمرات وما تحمله من مخاطر يرى الدكتور مصطفى علوى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن إعلان شارون تفكيك المستوطنات اليهودية في قطاع غزة لا تنفصل عن سياق خطته الاحادية الجانب لعزل الفلسطينيين فرغم أن الخطة التي أعلنها بتفكيك 17 مستوطنة في غزة أثارت ردود فعل أكثرها غاضبة داخل إسرائيل الا انها تهدف بالاساس الى تخفيف العبء على الجنود الاسرائيليين حيث تتضمن الخطة مقايضة فلسطين يقيمون بأرض تقع شرقة حيث يرغب شارون في حبس الفلسطيني في قطاع غزة الضيق حتى يستطيع شارون بسهوله حصارهم وهذا يقلل من فاعلية مقاومة حركة حماس وحركة الجهاد المتمركزتين في غزة وبهذا ينجح في شل فاعليتهم وعدم امتداد عملياتهم غرب الخط الاخضر ويخفف العبء على الجنود الاسرائيليين وكذا يخفف العبء على المستوطنات التي تعيش في حال استنفار دائم وتضطر لان تقوم وحدات من الجيش الاسرائيلي بحراستها. ويصف علوى بأن هذه الخطة ما هى الا مراوغة حيث يظهر شارون أمام العالم والمجتمع الدولي انه الذي يقوم بتفكيك المستوطنات لكن واقع الحال هو يعمل على توسيع المستوطنات بمصادرة المزيد من الاراضي الفلسطينية لدعم الاحتلال حيث يهدف الخطة الى التخلص من عشرات الآلاف من الفلسطينيين بالداخل وقد أصبحوا يشكلون هاجساً أمنياً لإسرائيل إضافة الى تضيق الخناق عليهم وبتنفيذ هذه الخطة يكون شارون قد نجح في دمج ما يسمى بحرب الدفاع عن الامن في حرب التوسع الاستيطانى لان شارون مازال يؤمن بالاستيطان ولم يتخل يوماً عن حلمه الصهيوني وقد قام بخطوات مماثلة لذلك من قبل كان هدفها الخفي عكس الظاهر وعلى سبيل المثال الجدارالفاصل فقد كان يعارضه في البداية خوفاً من اتهامه بتحديد الحدود السياسية لإسرائيل ولكنه سرعان ما استغل التواطؤ الامريكي والسكوت الفلسطيني لتحويل الجدار الفاصل من مساره على تخوم المدن في إسرائيل الى جدار عمق في الاراضي والقرى الفلسطينية. ويرى الدكتور أحمد يوسف أحمد مدير مركز الدراسات العربية التابع للجامعة العربية أن خطة شارون الجديدة اثارت غضباً عارماً في داخل إسرائيل ورغم ترحيب حزب العمل بها وإعلان شيمون بيريز رئيس حزب العمل مساعدته لشارون على تنفيذ خطته القاضية بتفكيك مستوطنات في غزة الا أن حزب الليكود يرفضها ويرى أنها ستؤدي الى سقوط الحكومة وفي رأيي أن شارون يسعى بهذه الخطة الى تثبيت مكونات الاحتلال ويؤكد الفصل السياسي بشكل أمني كم أحدث في الجدار الفاصل والعمل على منع قيام أي استقلالية سياسية للفلسطينيين كما يسعى لفرض الحل الاسرائيلي من طرف واحد ليبقى الفلسطينيون تحت رحمة إسرائيل كما أن هذه الخطوة تأتي لصرف الانظار عن المجازر التي ترتكبها إسرائيل والتي تؤدي لفشل اى جهد دولي أو إقليمي لتحريك عملية السلام لانه مع استمرار إسرائيل في سياسة القتل والاغتيالات لا يمكن أن يتحقق أي سلام فكيف نتقبل وسط هذه المذابح إعلان شارون اعتزامه تفكيك المستوطنات في قطاع غزه لذا أراها تصريحات دعائية لن تجد طريقها الى التنفيذ وقد تعودنا على مثل هذه التصريحات التي تهدف الى التغطية على جرائم الاحتلال واعتقد أن إقدام شارون على إعلان ذلك لانه في موقف حرج فهو يقابل بمعارضة شديدة لتصرفاته من قبل المجتمع الدولي كما انه يواجه تهم الرشوة والفساد ويظهر نفسه أمام أمريكا في صورة البادئ بخطوات عملية على الارض لذا رأينا واشنطن أشادت بخطته وأعلنت أنها تأتي لتخفيف التوتر مع الفلسطينيين ولكن كل هذا غير صحيح وإذا كان شارون عازماً على تنفيذ ما أعلنه فان ذلك يأتي لاعتبارات سياسية وأمنية لخدمة أهداف إسرائيل لا أكثر أما الدكتور عبد الله الاشعل فيرى أن إعلان شارون بتفكيك 17 مستوطنة إسرائيلية في قطاع غزة لا تخرج عن كونها مجرد تصريحات لصرف انتباه الشعب الإسرائيلي عن أزماته الاقتصادية وذلك بإعلاء الهاجس الأمني وقد سبق لشارون أن صرح أمام العالم والمجتمع الدولي وفي قمة شرم الشيخ انه مع خريطة الطريق واعادة ترتيب البؤر الاستيطانية غير القانونية ولم يفعل شيئا فشارون يجيد سياسة التكتيك وقد تمرس في هذه السياسة منذ ان كان جنديا وجاء شارون هذه المرة بخدمة المستوطنات وحتى لو قام بتنفيذ ما أعلن عنه فان ذلك يصب في صالح الاستراتيجية الاسرائيلية وتحديدا الامنية وعلى الرغم من الزوبعة التي اثيرت في وجه شارون في داخل إسرائيل الا ان الهدف الاول لديهم في النهاية ما يتحقق على ارض الواقع وشارون يلعب على وتر الامن واذا نجح شارون في ابعاد الهاجس الامني فقد نجح امام الداخل الاسرائيلي وان ما يقال حاليا سواء الاحزاب اليمينية والمستوطنين التي ترفض فكرة التخلي عن اراض محتلة وان الاعلان عن تفكيك المستوطنات في غزة هو مكافأة لحماس سوف يكتشفون ان شارون لا يكافئ احدا ولا يعمل حساما للفلسطينيين الذي يريد خنقهم وحصارهم فقط في قطاع غزة وهو القطاع الذي يقلق إسرائيل ويتمنى شارون إلقائه في البحر. ومن جهتة يؤكد الدكتور رشاد الشامي أستاذ اللغة العبرية بجامعة عين شمس ان خطة شارون الخاصة بتفكيك المستوطنات فى غزة لا تنفصل عن خطته الاحادية لعزل وحصار الفلسطينيين وهي الخطة المرفوضة نظرا لانفراد إسرائيل بكل شيء فيها ويضيف أن أمر تفكيك المستوطنات أثار القلق داخل إسرائيل وخاصة الاحزاب اليمينية واليسار والمستوطنين لأنها ترى فى تفكيك المستوطنات تنازلاً عن الأرض ومكافاة لحركات المقاومة خاصة حماس والجهاد وذلك على غرار ما حدث مع حزب الله اللبناني فى قضية تبادل الأسرى والتي رأت فيها أيضاً تنازلاً ومكافأة لحزب الله ، غير أن العقلية الاسرائيلية تتسم بالخداع الدائم وما تظهره غير ما تبطنه والاعلان عن تفكيك المستوطنات في غزة يصب فى مصلحة إسرائيل لأن هذه العملية أشبه بعملية المقايضة فيتم تفكيك المستوطنات مقابل خنق وحصار الفلسطينيين فيها وبهذا يتخلص شارون من أعباء كثيرة ويبقى الفلسطينيون تحت نظر ومراقبة الاسرائيليين كما أنها تخفف من وطأة الهاجس الأمني الذي يقلق الاسرائيليين ولذا فإن المعارضة الداخلية لشارون ليست معارضة على المصلحة الاستراتيجية لإسرائيل ولكن في التكتيكات وهم يعلمون جيداً أن شارون بارع في التكتيك والمخادعة وأنه في حال تنفيذ خطته لا يضر بالإسرائيليين بل بالفلسطينيين وهذا أمر معروف تماماً.
|