Sunday 8th February,200411455العددالأحد 17 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أعرَض.. وعَرَّض.. واعتَرَض..؟!! أعرَض.. وعَرَّض.. واعتَرَض..؟!!
حمّاد بن حامد السالمي

* كيف يمكن وصف - أو تسمية - الحالة التي يمر بها الحوار (السعودي - السعودي) اليوم..؟
* كنت أظن - وبعض الظن ليس بإثم - أننا كمجتمع وكأفراد؛ يمكن - إذا أردنا - أن نستفيد من مخاضات الأزمات التي عصفت بنا؛ وأن نفهم الكثير من الدروس التي (أهديت) إلينا، وأن نتعلم من التجارب التي عشناها ونعيشها..!
* نحن.. إذا أردنا قياس درجات الاستفادة والفهم والتعلم، فلن نذهب بعيداً على كل حال، ولن نحتاج الى كبير عناء؛ لأن ساحة الحوار نفسها، تقيس لنا ساعة بساعة؛ ذلك النبض (الحواري)؛ الذي كنا نحلم أن يرتفع أكثر فأكر؛ فإذا هو على أقل تقدير (مني)؛ يراوح مكانه..!
* التهليل الذي صاحب أجواء الانفتاح الاجتماعي في الأشهر الماضية؛ كأنه راح يصطدم بجُدُر الخفت الاجتماعي، والتبشير الذي ساق الينا بريق الآمال العراض، هاهو وكأنه؛ يرتطم بعقبات كأداء في الطريق.. فهل يتمكن المجتمع السعودي- في هذا الخضم المتلاطم- من الانتصار على نفسه لنفسه..؟!
* هناك حقائق لا ينكرها أحد في هذا المجتمع، وهي أن النور ينبثق من الحوار، وأن رأي الجماعة قبل رأي الفرد، وأن الاحترام بين المتكلمين؛ هو سيد الموقف. حسناً. ولكن (بعض) هؤلاء الذين يعرفون بهذه الحقائق؛ سرعان ما يرمونها وراء أظهرهم؛ ساعة حميتهم لأنفسهم؛ ورغبتهم في الانتصار للذات الواحدة؛ وليس لكل الذوات، وخير شاهد على ذلك؛ ما نراه ونسمعه ونقرؤه صباح مساء؛ من خلال وسائل الإعلام وشبكة الانترنت؛ فالسباب والشتائم، تبدو وكأنها مفردات لا غنى عنها في قاموس (بعض) المتحاورين، أما القذف والطعن في الأديان والأنساب؛ فهو ديدن (البعض) الآخر منهم، وهذه لا تعدو كونها وسائل عنف قمعية؛ يلجأ اليها أهل التعصب والتطرف، حتى أصبحت جزءاً من المشكل الثقافي العام، الذي لا يمكن بحال من الأحوال؛ أن يبرَّأ من تهمة التأزم الفكري؛ الذي تلبس بعض رجالنا وشبابنا؛ حتى تاه بعدد غير قليل منهم؛ فأصبح يشكل خطراً على المجتمع بكله.
* وغني عن القول في هذه المسألة؛ أن سياسات (التزمت والانغلاق)؛ لا تثبت - عوضاً عن أن تولد - إذا لم يدعمها إرهاب فكري، وقمع متعمد لفكر آخر مضاد لهذا التوجه؛ الذي عادة ما يقوم على قطب واحد؛ ويتخذ مساراً واحداً، ثم ينشأ محارباً ومقاتلاً ومقصياً كل من عداه وعاداه، من أجل أن يحمي كيانه، ويدافع عن جبروته، فيصل بالمجتمع في نهاية الأمر؛ الى مرحلة بئيسة؛ من التشرذم والتفكك.
* ربما كنا في حاجة ماسة هنا؛ الى الفصل بين مرحلتين؛ مرحلة الأمس؛ ومرحلة اليوم. مرحلة قادت الى أزمة، ومرحلة للخروج من أزمة. وأن نعد أنفسنا في محطة بين مرحلتين، وأمامنا تجربة مرة قاسية؛ لا لننساها أو نرميها وراء ظهورنا؛ ولكن.. لنستخلص منها الدروس، ونستمخض منها العبر، ونبني من حطام ذاك الأمس الذي ولى؛ جسوراً قوية آمنة، نتوصل بها الى غد آمن مشرق ومطمئن.. ولكن.. في هذا الوقت العصيب، هانحن؛ وجهاً لوجه؛ أمام (بعض) منا؛ ما زال يعيش في أجواء ذاك الأمس الذي لا يسر؛ فلما يخرج منه بعد، وهو يصر رغم حجم الكارثة؛ على ممارسة هوايته القديمة؛ في العبث بعقول الناس، وتسفيه آرائهم، ومصادرة حقوقهم في التعبير عن وجهات نظرهم، بل يتمادى الى أكثر من ذلك؛ فيحرض على اقصائهم ونفيهم، وكأن الكون لم يخلق إلا لهذا أو ذاك، أو ان الحق وأخذه والبوح بأسراره؛ ظل وسوف يظل؛ وقفاً على فلان وفلان من الناس لا غير..!!
* من حق كل إنسان في هذا الوجود؛ أن يقول ما يريد؛ إذا لم يكن في قوله مساس بدين أو مذهب أو أشخاص بأعيانهم، ومن حق الآخرين في هذه الحالة؛ أن يردوا عليه ويناقشوه؛ إما مؤيدين أو غير مؤيدين؛ بنفس الدرجة من احترام الأديان والأخلاق؛ واحترام الأشخاص، ولكن ليس من حق فرد أو جماعة، شتم فلان من الناس؛ أو الانتقاص منه، أو اقصائه وتهميشه، أو الطعن في دينه أو مذهبه أو خلقه أو أصله، لمجرد أنه قال مالا يتفق مع ما نعتقد، أو قال شيئا يخالف الحقيقة التي نعرف؛ هذا إذا أردنا حواراً ايجابياً منتجاً، وخطاباً مجدداً.
* انظروا الى ردود ومداخلات تعرض وتنشر هنا وهناك؛ وأخرى تصدت لوجهات نظر نشرت في الصحافة؛ نادت بتطوير المناهج على سبيل المثال.لقد كانت الذاتية طاغية عند (بعضنا)؛ أقل ما يقال عنها؛ أنها قمع صريح؛ مرة باسم الوطن، ومرة باسم العلم، وباسم التاريخ والجغرافيا والقبيلة، ومرات باسم الدين..!
إذا أردنا (بعضنا) إسكات (بعضنا) الى الأبد؛ لجأ الى الدين؛ فرمى خصومه من حصونه؛ حتى ولو كان في الأمر سعة، أو فيه خلاف، أو فيه أكثر من رأي، أو أن هناك من يرى غير رأي الرامي..!
* عكفت في بعض أيام العيد؛ على متابعة ومطالعة مقالات؛ وكلمات وردود وصلتني أو قيلت لي بالهاتف، هناك كثير من المنصفين الذين تلمس في مداخلاتهم عدلاً وفائدة، عسى الله أن يكثر من أمثالهم. وهناك أيضا كثير غيرهم؛ هم بين (مُعرِض؛ أو مُعَرِّض، أو مُعتَرِض)، وهذا الصنف من الناس؛ هو الذي لا يرى في الغالب إلا نفسه، وهو الذي يسير ونظره الى الخلف؛ فلا يرى أمامه أبداً، ولذلك فمثل هؤلاء الناس؛ هم في حقيقتهم؛ يعملون بما في وسعهم؛ على مقاومة ومناهضة كل مفيد؛ حتى قبل المعرفة به.
* تصوروا.. ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين، ونعيش أزمات ما بعد 11 سبتمبر؛ ثم يظهر فينا من (يعتقد)؛ أن رأيه فيه الفصل دون بقية الآراء، وأنه وحده يفهم في الدين والسياسة والاقتصاد والحياة وفي كافة العلوم؛ وأن غيره عالة عليه، لا يصح لغيره القول إلا بإذنه، ولا يجوز لأحد؛ النظر في النصوص القرآنية والحديثية وغيرها بعده..!
* كان ينبغي لنا أن نتذكر؛ وأن نظل نتذكر؛ أن الفكر المنحرف؛ الذي قاد شرذمة ضالة من بيننا؛ الى خلق أزمة أمنية ونفسية حادة في المجتمع؛ إنما هو نتاج طبيعي؛ لزرع (التزمُّت والتطرُّف والانغلاق)، ولأن تلك أخطاء جسيمة ارتكبناها في حق أنفسنا، ولكي نخرج من أزمة عاصفة كهذه، فهل يصح لنا؛ أن نكرر أخطاءنا، وأن نظل ندور في حلقة مفرغة؛ أم نجعل هذه الأخطاء؛ أمام أنظارنا؛ حذر تكرارها والوقوع فيها من جديد؛ ونجهد في البحث عن مخارج تقودنا الى الأمام؛ بدل العودة الى الخلف.
* الواقع.. أن (بعضنا) في هذا اليوم؛ ربما لا يرى حلا للمشكل؛ إلا في أسباب المشكل نفسه، على طريقة: (وداوني بالتي كانت هي الداء)..!
وإلا كيف نفسر هجوم (بعضهم)؛ على الطروحات الاصلاحية؛ بل والشراسة في نقد نظرات الاصلاح دون مبرر، واستهداف أشخاص بأعيانهم؛ وكأن المنادين بالاصلاح والتحديث والتجديد؛ شياطين حلَّو علينا من عوالم أخرى..؟!
* إني أرى في بعض طروحات (المُغرِضين والمُعَرِّضين والمُعتَرضين) على الساحة اليوم؛ ما يذكر بالخطاب الظلامي إياه، ذاك الذي عهدناه في سنوات خلت، ويبدو أن لهذا الخطاب الكارثي البائس؛ ثمالات باقية؛ ما زالت جاهزة للتحريك واللغوصة؛ إذا تطلب الأمر ذلك.

fax: 027361552


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved