لعل أغلب العامة يعرف حميدان الشويعر؛ ذلكم الشاعر الشعبي المفوه؛ فقد كان لسانه حادا جدا الى درجة مزعجة؛ فهل كل ما نسمعه من شعر مقذع نسب اليه هو له حقاً؟ حتماً.. لا.. فقد نسبت اليه أشعار وألصقت به بعد وفاته؛ كما نسب الى غيره عبر العصور شعر؛ وهذا العمل الذي نراه اليوم مدوناً باسم الشاعر حميدان الشويعر قد لا يكون له كله أو جلّه؛ لأن في تلك الأشعار ما ينافي الزمن والفكر والحياة الاجتماعية يومها؛ ولا يمكن لفلاح قروي بسيط دون هيبة اجتماعية أن يتجرأ ويقول مثل تلك الأشعار التي تنسب زوراً وبهتانا إليه.
ومدخلي هنا هو أن بعض ما ينسب الى حميدان الشويعر ليس له؛ وكمثال على ذلك قصيدته المشهورة التي تناولت عدداً من قرى نجد بالذات؛ والتي يصف فيها أهل تلك القرى بشيء من السخرية أو الهجاء المقذع والمخيف حقاً؛ وحينما طاف الشويعر عبر وادي الفقي (وادي سدير) ووصف أغلب القرى التي تقع على ضفافه مثل المجمعة وحرمة والتويم وجلاجل والعطار والروضة والحوطة وعشيرة؛ وكذا بعض قرى الوشم كأشيقر وشقراء ديرة بني زيد؛ ثم وصفه لأهل القصب والحريق.. الخ؛ فهل يعقل أن يصف أهل تلك القرى بتلك الصفات التي قد لا يوافق أغلبهم عليها ولا يرضى بعضهم بها؟ ثم أن الزمن الفكري والحالة الاجتماعية لا تناسب أو لا توافق أن يبرز حميدان بهذا الشكل الصارخ ويتحدى مشاعر الناس بهذا العمل الابداعي المزعج والذي بقي ملتصقابه الى اليوم؛ لأن ذلك الزمن الذي عاش فيه كان زمن فوضى اجتماعية؛ وباستطاعة أي مهجو أن يقتل الشاعر بكل سهولة؛ بسبب أن قصائده قالها قبل أن يستتب الحكم السعودي في الدولة السعودية الأولى؛ وإذا قال قائل أنه قال ذلك أثناء بداية الدولة السعودية الأولى فنقول أيضا: من المستحيل أن يحصل ذلك؛ لأن الدولة يومها قد طبقت الشريعة الاسلامية ونفذت الحدود فيمن يتجاوزها؛ فلابد إذن أن يقام عليه حد القذف في حق من قذفهم لو أنه هو القائل؛ لكن لم يثبت أن أقيم عليه الحد أبداً؛ ولم يثبت أن اعتدى عليه أحد بضرب أو قتل؛ مما يعني أن تلك القصائد قد قيلت بعد وفاته ونسبت اليه؛ تماما مثل القصائد التي نسبت الى الشاعر بديوي الوقداني حينما أوصى ابنه عبدالعزيز؛ بينما الصحة أن تلك القصيدة ليست لبديوي أبداً؛ لأن بديوياً هو نفسه من الذين حذر ابنه منهم؛ فكيف يحرّش ابنه بالابتعاد عن قوم هو منهم؛ والصحة أن القصيدة التي يقولون إنها لبديوي ليست له وإنما هي لشاعر من أهل البرّة ألصقها ببديوي الوقداني مثلما ألصقت بحميدان الشويعر تلك السلسلة من شعره عن القرى الواقعة في وادي الفقي.أنا أستبعد أن تكون تلك القصيدة لحميدان الشويعر نفسه؛ وأكثر الحدس عندي أنها مقوّلة على لسانه هو؛ وأن الشاعر الذي قالها نسبها له خوفا من انتقام الناس منه.ومثله كثيرون من الشعراء الشعبيين الذين يتخفى خلفهم شعراء بقصائد لا يريدون أن يظهروا في صورتها؛ لكنهم يريدون أن تظهر القصيدة ذاتها لسبب يريدونه لها؛ ثم هم يستغلون وقت وفاة الشاعر ويقولون القصائد بعد وفاته مباشرة وينسبونها إليه؛ ومثل ذلك في الشعر العربي الفصيح؛ وهو باب معروف من أبواب تلفيق الشعر ونسبه الى الشاعر.
فاكس: 2372911 |