حوى السِفر العظيم الذي سكب فيه اللواء الدكتور إبراهيم بن محمد المالك مديرعام إدارة الشؤون العامة للقوات المسلحة عرقاً وروحاً ومداداً كثيفاً في محاولة خيرة لإبراز الدور الكبير الذي كان وما يزال وسيظل إن شاء الله يخط معالمه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، فقد أتى الكتاب الذي حمل عنوان (سلطان سبعة وثلاثون عاماً من العطاء) ليشرح في طبعته الأولى سيرة خير، ومناقب جليلة لقائد فذ تحمل بشرف ورجولة أعباء مسؤولية بناء القوات المسلحة تكللت بالعطاء المتواصل والسعي الحثيث لتقديم كل الدعم والتطوير والعناية الشاملة بالمؤسسة العسكرية الشامخة التي أضحت اليوم وبحمد الله قوة مدافعة وحامية وضاربة في مختلف صنوف أسلحتها وفرقها ورجالها.
وقد أطلعنا واتحفنا اللواء الدكتور المالك جزاه الله عنا كل خير، وفي ستمائة صفحة من الكتاب على كثر أمور كانت غائبة عن الكثير من الناس ممن كانوا يعتقدون بأن الجيش السعودي حديث عهد ولم يكونوا يعلمون أن النشأة الأولى للقوات المسلحة كانت منذ عاد صقر الجزيرة عبد العزيز (الملك المؤسس الذي كان معجزة فوق الرمال) منتصراً ودخل مع رجاله مدينة الرياض، واقتحم بقوة الإيمان والإصرار والعزيمة وبأربعين فارساً من رجاله الأشداء قصر (المصمك) واسترد الملك الذي انتزعته الدولة العثمانية، إذ من هؤلاء الصفوة الأوائل تشكلت نواة القوات العسكرية، نعم من صفوف المجاهدين الأوائل شكل الملك عبدالعزيز (طيب الله ثراه) أول جيش عربي مسلم نقي الدم والسريرة، محباً للأرض ومخلصاً لقيادته وشعبه، صادقاً في انتمائه لعروبته وتاريخه، قدم المثل الأعلى في التضحية والفداء، وقد كان استرداد الرياض إيذاناً ببدء تأسيس هذه المملكة العظيمة، وبناء هذا الكيان الشامخ، وإعلان الدولة السعودية القائمة على توحيد الله ولم شمل شتات الجزيرة العربية التي مزقتها الخلافات والحروب، ثم عودة الأمن الشامل لبلاد الحرمين الشريفين التي كانت لفترة من الزمان نهباً لقطاع الطرق واللصوص الذين كانوا يتربصون لحجاج وزوار ومعتمري بيت الله الحرام في ذلك الزمان الغابر. ويحوي السِفر الضخم بين دفتيه معلومات وفيرة عن انجازات الأمير سلطان منذ توليه وزارة الدفاع والطيران ودوره في بناء القوات المسلحة على أسس حديثة ومتطورة وبما يتلاءم مع موقع ومكانة وثقل المملكة الحضاري في المنطقة، ومكانتها البارزة بين الدول العربية والإسلامية، لذا عمل الأمير سلطان لإعادة تنظيم القوات المسلحة على أسس علمية وعصرية، ولم تفتر همة سموه في دعمها بأفضل التجهيزات والمعدات والأسلحة، ويعطيها نصيباً وافراً من الاهتمام والتحديث، ليقود خطاها عبر معارج التقدم والرقي والازدهار، حتى أصبحت قوات قادرة وعلى درجة عالية من الكفاءة وحسن الجاهزية ودقة التنظيم وسداد التأهيل، لتكون بحق وجدارة حصناً حصيناً ودرعاً أميناً لسلامة الوطن والذود عن ترابه الطاهر وصون أمنه وحماية منجزاته ومكتسباته. وقد حرص الأمير سلطان على أن يكون محور تطوير القوات المسلحة هو بناء الجندي المسلم ديناً وفكراً وبدناً مزوداً بأحدث الأسلحة والتقنيات وملماً بشتى فنون العلوم العسكرية الحديثة، لخدمة الدين ورفع رآية التوحيد وأداء الواجب المقدس، وكان النجاح حليفاً للأمير سلطان في تعزيز هيبة بلاده في مختلف المحافل الدولية بمقدرة وحكمة بتوفيق من الله لثقته بقوة القوات المسلحة الباسلة ومنعتها وقدرتها الكاملة في الدفاع عن حياض الوطن، ولما كان وراء الأكمة ما وراءها ونشبت أزمة الخليج نهض الأمير سلطان بن عبد العزيز ومن ورائه رجال الجيش الأبطال الأفذاذ والقوات المسلحة الأشاوس الغطاريف من أبناء الجزيرة وأبطالها للدفاع عن الوطن ضد كل معتد تسول له نفسه النيل من أرض الحرمين الطاهرة، أو انتهاك حرمة ترابها المقدس ليحققوا انتصارات مشرفة وبطولات خارقة في تحرير الكويت بقيادة وتوجيه وإدارة قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات آنذاك الفريق أول متقاعد صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز مساعد سمو وزير الدفاع والطيران حالياً وكان نصر الله المؤزر الذي أبقى المملكة العربية السعودية شامخة على الذرى مرفوعة الرايات.
ودعوني استشهد ببعض ما قاله صاحب السمو الأمير العظيم سلطان بن عبدالعزيز في أحد أحاديثه وخطبه: (كل أمة تهتم بتطوير جيشها وقواتها المسلحة لهي أمة عظيمة بعيدة النظر تستحق الإعجاب والثناء والتكريم والتقدير والحياة والخلود والبقاء فتهتم بتسليحها وتقويتها وتدريبها وإعدادها الإعداد الممتاز لأيام اللقاء والدفاع عن حياض الإسلام والوطن والجهاد في سبيل الله فنحن في أواخر القرن العشرين قرن القوة فلا حياة لدولة ضعيفة ولا مكان لوجودها)، ومن هذه المبادىء الشامخة نهض الأمير سلطان ليأخذ رآية الجيش السعودي بيده الكريمة ويرفعها عالية خفاقة، معطرة ببيارق النصر والجلال دائماً، ومن تلك المعاني السامية انطلق سموه بتقديم الرعاية والاهتمام لبناء قوات سعودية تمسك بأسباب التطور كي تشارك في بناء وتطوير هذه الدولة الفتية بما يتوافق مع استمرار البناء الحضاري لهذا الوطن ويتفق مع توجيهات القائد الأعلى لكافة القطاعات العسكرية خادم الحرمين الشريفين يعاضده في ذلك ولي عهده الأمين. وفي هذا المقام الكريم انتهز الفرصة لأوجه تهنئتي وتقديري إلى أفراد القوات المسلحة الأبطال العظماء من أبناء ورجال وأشبال سمو الأمير سلطان الذين شرفت بهم العسكرية بعلومها وفروعها وأغصانها الباذخة ممن عايشوها واقعاً ملموساً محسوساً منذ لحظة انتسابهم لقلاع العسكرية الشامخة، كيف لا وهم عاشوا في كنف فارس العسكرية وشيخها وأستاذها وخبير دروبها ومطبقها على أرض الواقع قولاً وفعلاً وعملاً سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز الطراز الفريد وقائد سفينة الإدارة العسكرية التي استوت على جودي العدالة والدقة والنظام المتين بمهارة وانتظمت في اقاصي البلاد ودانيها حتى عاش الجميع تحت مظلة الأمن والعدالة وإنصاف الحقوق ونظامية القوات المسلحة ورجالها البواسل الذين يتشوقون لخطوات الأمير سلطان أن تدب في مسيرتهم إذ تزدان دروبهم استعداداً لاستقباله وتزهو كل لحظة من أوقاتهم تأهباً لسماع نبراته الدافئة، رجال آمنوا بربهم وحملوا المملكة في قلوبهم رافعين أشرف وأقدس رآية رفرفت على وجه البسيطة.
ورغم تعذر الحصر والشمول في القراطيس والأوراق مهما بلغت النفس في جهدها لحصر ما امتدت به أيادي الأمير سلطان بالخير إلى القوات المسلحة ومنتسبيها، تبقى اللمحات الخاطفة عن تاريخ وتطور مؤسسة القوات المسلحة سعادة وسلوى لأولئك الذين لا يعرفون خبايا وأسرار ومكنونات الدعم الكبير الذي قدمه الأمير سلطان في السر والعلن لمؤسسة جرى حبها في عروقه وثبتت محبتها في قلبه كما ثبتت في الراحتين الأصابع، ولتبقى هذه الشذرات التي جمعها اللواء المالك توثيقاً لمسيرة طويلة من الجهد والتعب والمثابرة بذلها سموه الكريم لأجل الارتقاء بمؤسسة حماية الوطن وحارسة ثغوره وباسطة الطمأنينة في نفوس أهله محققة طموح الأمير سلطان ذاك القائد العظيم والرجل الكريم والبطل المقدام والباسل الهمام والشخصية العربية والإسلامية والعالمية وصاحب الانجازات العملاقة والمشاريع العسكرية الكبيرة والكثيرة ورجل المهمات الرائدة والمواقف الحاسمة والأعمال العظيمة والأمجاد الخالدة الباسلة التي جعلته من صانعي التاريخ الحديث للمملكة، ولتبقى الوثيقة كذلك عربون تقدير ومحبة وولاء من هذه القوات لأميرها وقائدها المحبوب ولتبقى جهود اللواء الدكتور المالك في ميزان حسناته ونسأل الله أن يجزيه الأجر والثواب على كل كلمة في بطن هذا السِفر الذي لا غنى عنه لأي فرد من أفراد القوات المسلحة على وجه الخصوص والمواطن على وجه العموم. عذراً سيدي سلطان فقد احترت من أي بوابات عظمتك أدخل وبأي ثوب في رحاب أمجادك أرفل فهاهي ذي سطوري تندفع نحوك حاملة ألف رسالة ثناء مقرونة بولاء طاهر فقد نمت بك يا سيدي سنابل العطاء في مشاتل اللقاء وتألقت بك ساحات الفرح في ازدهار ينعش وريقات الحلم، وأنت تقف شامخاً في موكب البناء والتطوير واحداً من رجال كتبوا التاريخ وحملوا مسؤولياتهم بجدارة واقتدار في بناء متعدد العطاء، الراسخ المتين الضارب جذوره في أعماق التاريخ، وسنذكر ما حيينا ما قدمته للوطن أرضاً وشعباً من خدمات عظيمة.. فلك التحية يا سيدي سلطان فبك تتزين الحياة وبك تعتز المملكة ويسعد التاريخ، نرجو الله أن يجزل لك مثوبة الأبرار في الدنيا والآخرة وأن يجزيك على أعمالك وأفعالك خير الجزاء، جزاء وفاقاً لما قدمته وتقدمه من أعمال الخير والإصلاح والصلاح وأن يديم الله لك العز والمجد والفضل والتوفيق والسداد والسعادة وأن ينعم عليك بالصحة والسرور والعافية.. وكل عام وأنت بألف خير.
|