*إن الإيقاع البطىء لا ينجز، ولا يحقق الطموحات، لذلك تظل المشروعات التي تدفع النمو عبر خدمات حيّة - راكدة، لأنه ينظر إليها كأي مشروع لا يستلزم السرعة في إنجازه، غير أن القاعدة في العقليات المواكبة للحياة، تقرر الأولويات، فتعني وتدفع بها إلى ساحة التنفيذ، لتعطي نمواً هو رافد في حياة الشعوب التي تركض في مسارها، والتي لا تركن إلى البطء والجمود المعطلين.!.
* ومشروع السكة الحديدية، الذي استنفد الكثير من الكلام والأحبار التي سكبت في المناداة بإنجازه لأنه شريان حياة، مازال يحظى بالإيقاع النائم إن صح التعبير، ولعله في الحسبان أنه مشروع ثانوي، وأن الطائرة والشاحنات تؤديان خدمة، ويركن إلى مقولة: (كل آت قريب)، هذا إذا كان هناك آت، لكنه لا يأتي تلقائياً، ولكنه يحتاج إلى محرك وروافد عقلية واثقة من تحقيق مشروعات تخدم البلاد والعباد، ويظل الروتين الجاثم على الرؤية يحول بينها وبين الأبصار السليم، لذلك تظل المشروعات التنموية راكدة، مثل السفن الراكدة على ظهور البحار.!.
* إننا ننفق المليارات كل عام في استيراد وسائل النقل من الشاحنات ومثل ذلك للنقل وتترك أمامنا وسيلة آمنة بإذن الله، تنقل السلع والناس، غير مكلفة وباقية، إذا قدرنا ما ننفق على تعبيد الطرق وتزفيتها الذي يكلف المليارات تجديداً أو صيانةً لأنها أعمال موقوتة وستظل كذلك إلى ما لا ناهية.!.
* إن الأمم الحيَّة الواعية، شرعت منذ وقت مبكر في الاعتماد على السكة الحديدية، فأقامت شبكات في بلادها قدمت خدمات جُلى، ثم طورت مشروعاتها، فعبرت القاطرات البلاد المجاورة، بل تجاوزتها إلى عبور القارات، بين أوروبا وآسيا كمثل.. وأنا أدعو إلى إنشاء شبكة للسكة الحديدية تربط بلادنا- القارة-، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، تمخر في الفيافي وعلى الشطوط والسهول، ولها خدمات لا تحد، وتؤدي أضعاف ما تؤديه الشاحنات والطائرات، إذا أحسن استعمالها وانطلقت من القيود، لتسير ليل نهار، كما نرى في الغرب.!.
* في تقدير العقلاء إن شبكة السكة الحديدية، كان يفترض أن تنطلق في بلادنا مع الخط المحدود الذي يربط الرياض بالمنطقة الشرقية، الذي انطلق في أواخر حياة صقر الجزيرة رحمه الله، غير أن عجلة الزمن توقفت هناك، فاكتفى بذلك الخط البري بنقل ما تحتاجه العاصمة عبر ميناء الدمام البحري، وبقيت بقية القارة خاوية من هذه الوسيلة غير المكلفة والتي تقدم خدمات شتى، وقد تطورت إلى أبعاد مذهلة في اليابان، وأوروبا، وأمريكا وغيرها، وفي بريطانيا قبل عشرات العقود، بنتها من ريع المستعمرات، ونحن في مكاننا لا نريم.! ولو أرادت الحكومة أن تتفق مع شركات كبرى في اليابان أو أوروبا، دون أن تدفع تكاليف ولكن من ريع دخول الشبكة تسدد التكاليف، غير أننا ظللنا نحلم ونتمنى، والقناعة تجللنا بغطاء لا نرى من ورائه الضوء، نمنا والعالم من حولنا يركض ويغذ المسير، ونقول ونردد إننا نريد أن نحقق مشروعات كغيرنا، ولكنه قول بلا عمل فلا قيمة له.!.
* وأردد ما قلت عبر نصف قرن إن هيئة وكلاء شركات السيارات التي تستورد من شتى أقطار الأرض، لا تريد أن يتحقق في البلاد شبكة للسكة الحديدية، لأنه لا داعي لها، وربما رأوها ترفا، وأنها سابقة لأوانها، وأنها مكلفة ليس فيها جدوى اقتصادية، وهي اسطوانة مشروخة، طفقت تتردد منذ توقف الخط الحجازي الحديدي الآتي من الشمال، قبل أكثر من قرن.!.
* قلت مرات: إنه لا يعنينا خط حديدي يمتد إلى خارج بلادنا، لكن الذي يعنينا شبكة في هذه القارة المترامية الأطراف، لأن هذه الشبكة حياة، لا يؤديها أسطولنا الجوي المدني، ولا هذه الشاحنات التي تستنزف ثروات البلاد وتفرز ضحايا كل يوم، وننفق على شبكات الطرق أضعاف أضعاف ما يمكن أن نقيم به شبكة للسكة الحديدية متطورة، تغطي مساحات بلادنا الشاسعة في كل أبعادها.!.
* أكبر الظن أنني أحلم وسأظل كذلك، غير أن بعض الأحلام يتحقق بتوفيق الله، ثم بعزم الرجال المصحلين العاملين للوطن ذوي الإرادة.. وإنني كلما تصفحت مجلة: (النقل والمواصلات) الشهرية التي تصدر في بلادنا، ويفضل أخي رئيس تحريرها الأستاذ محمد عمر العامودي بمدّي بها بانتظام، وأرى هاجس السكة الحديدية، يتجدد الحلم عندي، وأخذ في كتابة سطور كأنني صحوت من حلم إلى حقيقة، لكن أي حقيقة أعني!؟ وعنوان هذه الكلمة، أخذته من غلاف تلك المجلة، لشهر ذي القعدة 1424هـ، يناير 2004م، ولكنه في الدول العربية وليس عندنا.! وأردد في كل مرة مع القائل:
منىْ إن تكن حقاً تكن أحسن المنى
وإلا فقد عشنا بها زمناً رغدا |
|