Thursday 5th February,200411452العددالخميس 14 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

صور من حقوق الأطفال الضائعة تحت الاحتلال صور من حقوق الأطفال الضائعة تحت الاحتلال
د. فوزية عبدالله أبو خالد

ماذا عساه أن يكون على قائمة جدول أعمال القمة العربية المقرر عقدها الشهر القادم من القضايا (السياسية) الساخنة والأزمات (السياسية) المزمنة والتعقيدات (السياسية) المستديمة والمستجدة أهم من التوقف ولو لحظة واحدة أمام قضية ذبح حقوق الأطفال العلني في العراق؟
هل يا ترى سيسمح ذلك الجدول المكتظ بالجدل في مصائر الساسة وفي سياسات التسكين الداخلي وسياسات الاتقاء -ان لم يكن الاسترضاء الخارجي- بقليل من الوقت للتوقف عند تلك الصور المقشعرة لحالة تضييع أطفال العراق بيد الاحتلال الأمريكي - الإنجليزي والتي لا تقل في بشاعتها عن صور تقتيل أطفال فلسطين بيد العدوان الإسرائيلي والتي لا يقل ايضا السكوت عنها شراسة وتواطأً؟.
هل من أولئك القادة وهم يستعدون لمهرجان اللقاء العتيد المزمع من استعد بغير الخطب في الخطب السياسي العام أو القطري لوضع تصور مبدئي لحل قضية إنسانية وحقوقية عاجلة وغير قابلة لمزيد من التأجيل مثل قضية حقوق أطفال العراق تحت قبضة الاحتلال وفوضى غياب سلطة وطنية؟.
هل منهم من رأى صور سحل الطفولة وسحق ابسط حقوقها بأسلحة مرحة ذكية على شاشة الإعلانات الإلكترونية المكبرة المعلقة فوق رؤوسنا من ظلمة الصبح الى حلكة الليل.. تلك التي تعلن برباطة جأش ومعنويات عالية عن محاسن الاحتلال وعدالة توزيع الرعب على أطفال العراق دون تمييز بين سنة وشيعة, ذكور أو إناث، فترينا باللقطات الحية وبالنيون الملون تموجات الهلع في عيون الصغار تهليلا بجولات الجنود في شوارع العراق مدججين بالمتفجرات في حالة رعب الصغار بمشاهدة احد أفلام هوليود لرعاة البقر يبث حيا على الهواء.
وهل من اولئك المسؤولين إن كان قد وجد الوقت ليرى غير ما يؤرقه من شؤونه الداخلية في اشتباكها مع مخاوفه ورجاءاته الخارجية من يكون قد فكر ان بمقدوره أن يقدم شيئاً يذكر غير المشاركة في صياغة تلك البيانات الختامية البائتة المكررة, عله بمخالفة عادات القمة في قصر اهتمامها على القضايا (السياسية الكبيرة) ينقذ أطفال العراق من ذلك المصير الدموي الذي سبقهم اليه أطفال فلسطين؟.
انهم يتهموننا باسم حقوق الإنسان ويقايضوننا باسم حقوق الإنسان ويلاحقون حضارة بأكملها ويهددونها بالمحو لأن بضع نفر لم تثبت على وجه الدقة إدانتهم قد اعتدوا على عدد من المدنيين وحرموهم حق الحياة. فلماذا باسم حقوق الإنسان لا تواتينا الجرأة لنقول لهم انهم ينتهكون حقوق أطفالنا باسم المحافظة على حقوق الانسان لديهم؟!. مع أن مبدأ حقوق الإنسان يجب التعامل معه في حق كل الشعوب على قدم المساواة بغض النظر عن الهرم غير العادل في توزيع السلطة الدولية.
والسؤال البديهي في هذا السياق هو ما الذي يمنعنا من ان نتحدث باسم هذه الحقوق لنوقف على الأقل انتهاك حقوق أطفال العراق وفلسطين, إلا إذا كنا نحن أنفسنا (حساسين) حيال إثارة مسألة الحقوق من أصلها؟. وهذه الحساسية لا يزيلها تجنب طرح الموضوع بل الانصاف فيه من أنفسنا لنكون قادرين على مواجهة الغير فيه ومطالبتهم بكف اذاهم عنا فيه. وهنا نحن لا نجادل في أهمية حقوق الإنسان للجميع في الغرب والشرق كما في الشمال والجنوب بل إننا انطلاقا من الإيمان المطلق بهذه الحقوق نرى ان علينا واجب إثارتها مع أنفسنا ومع غيرنا وألا نتغاضى عنهم علهم يتغاضون عنا. فهم لن يفعلوا ولن يكون من تبعات ذلك إلا التفريط في حقوقنا وحقوق اطفالنا مرة بأيدينا ومرة بأيدي الغير. وفي هذا لا حاجة بنا الى ترديد تلك العبارة الفلسفية لجرامشي بصيغة مدرسية مكررة تقول بأن المسألة لا تحل إلا بالمواجهة الشجاعة.
إن صور أطفال العراق العزل بثيابهم الرثة وبهيئاتهم المطحونة وهم يلعبون الكرة مع جنود الاحتلال المسلحين حيث يركلون الكرة بأقدامهم دون ان يتخلوا عن خوذتهم الفولاذية وعن البنادق في أيديهم في شوارع بغداد أو البصرة او اربل المزروعة بالمجنزرات والدبابات الحربية لا تستطيع مهما بالغت الصحف في الترويج لعذوبتها ورحمة الاحتلال ان تخفي عذابات الاطفال من ويلات الحرب ومن تحولها الى احتلال لا يقل مرارة ومذلة وترويعاً.
إذ تكشف عدد من التقارير المبدئية الحديثة عن عدد من شهود العيان وعن ممثلين لمنظمات وجمعيات أهلية داخلية وخارجية ان عددا لا يستهان به من أطفال الشعب العراقي اليوم يعانون من متاعب مركبة تتراوح في درجاتها بين الإعاقات الشديدة (نتيجة قصف الحرب) غير القابلة لإعادة التأهيل هذا إن توفر بأريحية احدى الدول المجاورة او الدول الأجنبية, وبين الأمراض المعقدة وخاصة الورمي منها, والأمراض النفسية المرتبطة (بساندروم) الحرب وبالانفلات الأمني, وبين الفقر والجوع والتسرب من المدارس والاستغلال متعدد الاوجه مع عدم وجود رعاية حقوقية أو صحية, هذا مع افتقاد الرعاية الأسرية في حالات متعددة منها إما لموت الأهل في الحرب أو تردي أوضاعهم الإنسانية وفقد قدرتهم التربوية نتيجة لها ولاستمرار الاحتلال والفوضى.
وبالإضافة الى ذلك هناك تعرض الأطفال للضرب والإهانة والتعذيب والتشغيل وتحويلهم الى أطفال قابلين للتسييس والتجييش وللتوظيف التجسسي. وتعرض أعداد منهم للقتل العمد او الخطأ والى الإيقاف والاستجواب بدون تهمة محددة وبدون حق الحصول بالطبع على أي ضمانات حقوقية. وهي انتهاكات يفوق معدلها اليوم في العراق أي معدل دولي آخر بمقياس الأمم المتحدة لكوارث الحروب.
وربما يعتبر وضع أطفال فلسطين في ظل الإرهاب المنظم لدولة الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي هو المنافس الوحيد للوضع الكارثي لأطفال العراق. فعدا عن انصهار أجساد الأطفال بين فجوات الجدار الذي تقيمه إسرائيل لمزيد من التشتيت الأسري والتفتيت النفسي والعزلة لأطفال فلسطين داخل مخالب الاحتلال هناك من التقارير الدولية ما ينص على ان أطفال فلسطين غالبا ما يتعرضون للقنص المتعمد كما حدث في حالة محمد الدرة كما يتعرضون للتعذيب والضرب حتى الموت أو الشلل الذي يهدف الى إصابتهم بإعاقات مستديمة مدى الحياة. وكل ذلك ولم نتوقف طويلا عند ما تشير إليه تلك التقارير من معاناة أطفال فلسطين المضاعفة من حالة التردي الاقتصادي التي تؤدي بهم الى الإصابة بسوء التغذية والإسهال والجفاف والأمراض العصبية نتيجة حالة الرعب الإسرائيلي اليومي الذي يعيشونه وكذلك التقطع ان لم يكن الانقطاع الدراسي في عمر مبكر هو العمر الإلزامي للتعليم حسب وثيقة حقوق الطفل للأمم المتحدة.
إن هذه الصور ليست بحاجة الى مزيد من التوضيح ولكن أليس بإمكان وزراء الخارجية العرب في طور اعدادهم لمؤتمر القمة أن يعملوا على إعداد تقرير عن حالة أطفال العراق؟.
هل بامكان الجامعة العربية ان تجد بعضا من دورها المجمد أو الضائع بأن تلتمس على الارض العراقية بعضا من معاناة أطفال العراق وتضعها بالأرقام والصور على مائدة قمة القادة العرب؟.
هل لبعض جمعيات أو منظمات العمل الأهلي الحقوقي في مختلف أنحاء الوطن العربي ان تسند الموقف بوقفة حقوقية واضحة وتزود القمة العربية المقبلة ببعض التصور الحقوقي للوضع؟.
إن الوضع الإنساني المتردي لأطفال العراق وفلسطين يشكل خرقاً علنياً متعمداً لحقوق الإنسان، وعدم تناوله لا يعتبر تعففاً عن التدخل في الشأن الداخلي لهذه الدولة أو تلك، فهل حقا ليس بالإمكان فعل شيء لإعادة الاعتبار لحقوق الأطفال؟!. ليكن لنا إذن شرف المحاولة بدل الصمت.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved