يقال :إن الشرقيين لا يبالون بهدر الوقت والجهد على أشياء يمكن اختصارها أو الاستغناء عنها، على أن دولاً شرقية آسيوية جاهدت للتخلص من هذه التهمة كدولة ماليزيا إن لم نقل كوريا واليابان، وإن أدعى أحدنا أن هذه الصفة قد التصقت بالعرب على وجه الخصوص وهي ليست من طباعهم، فإني لا أجد مبرراً لمتحدث في حفل يعلن أنه سيفتتح المناسبة بكلمة موجزة ,وهو يحمل بيده اليسرى ثلاث عشرة ورقة ,يبدأ بقراءتها وكلما انجز صفحة بلّ إبهام يده اليمنى بلسانه وفتح الصفحة الثانية وفي ثنايا كل صفحة يذكرنا بقوله: (وفي هذه العجالة فإني أود أن أختصر واذكركم بإنجازات ادارتنا)، أوأن يقول: (وإني إن كنت لا أريد أن أطيل عليكم فإني سأتلو عليكم تفاصيل ستة عشر مشروعاً أنجزناها خلال السنوات الأخيرة)، فالرجل يكرر التأكيد أنه في عجالة من أمره وانه يحترم وقته ووقت الحضور ولذلك طبق مفهوم (ما قلّ ودلّ) هذا في رأيه والدليل عدد صفحات الخطاب وعدد المشروعات التي فصلها بدقة، ولم يكن عذره في الايجاز إلا لأنه سيكسب الوقت لإعداد خطاب جديد للحفل القادم سيبدع في إنشائه ,وذكر ما لم يذكر من تفاصيل مشاريعه وانجازاته وكأنه شيدها وبناها بذراعه لا بأيدي المنفذين الحقيقيين الذين يعملون فيما كان يسطر كلماته وخطاباته ويعقد الاجتماعات المتتالية استعداداً للمناسبة الاحتفالية القادمة، ولاقتراح عدد من المناسبات والاحتفالات التي تليق بسمعة ادارته أو مؤسسته، ويبدو لي أن الكثير من هذا الصنف لا زالوا (في عجالة) من أمرهم لإضاعة مزيد من الوقت للتنافس على عدد صفحات الخطب والحفلات.
|