Wednesday 4th February,200411451العددالاربعاء 13 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لبيك اللهم لبيك لبيك اللهم لبيك
د. عبد الرحمن بن سليمان الدايل

احترت كثيراً عندما أردت الكتابة عن الحج فلا هو أقل من أن يكتب عنه ولا هو أصغر من أن يغفل، بل هو أكبر بكثير وأن أردت الكتابة فهو فوق الكلام والنقد، وان لم أكتب عن الحج مع عظم شأنه فما الذي أكتب عنه إذن.. حيرة استشعرتها أمام هذه العبارة الكبيرة وقد وقفت أمامها مشدوهاً كغيرها من بقية الشعائر الدينية الإسلامية.
فهل نتكلم عن الحج كأركان وعبادة وشروط وواجبات؟ هل نتكلم عن الحج كآداب وسلوك؟ هل نتكلم عن الحج كمظهر اسلامي فريد؟ هل.. وهل؟ وأول ملمح في هذه الشعيرة هو تلبية النداء نداء الله تعالى للبشر (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) فالتلبية اقرار من البشر بالعبودية لله، وهي في ذات الوقت اقرار لله بالألوهية فهو وحده الإله الواحد المهيمن على الكون، فالتلبية للنداء استجابة واقرار ولا جزاء لها إلا العفو والغفران، وكما كانت الاستجابة صادقة كان الغفران أشمل فالحج تلبية لنداء الأعلى يترك الإنسان في سبيله المال والولد والبيت والأهل يترك كل شيء ويتجه لله بتجرد من كل شيء.. ويلبي.. يتجرد من ملابسه إلا ما يستر عورته..ويلبي.. لا يهدف لشيء دنيوي ولا مصلحة خاصة إلا ويلبي. كل هدفه هو رضا ربه. والمعنى اللغوي للتلبية ليس بعيداً عن المعنى الشرعي، فالحج معناه القصد. ولبيك معناها لزوماً لطاعتك، والمعنى الكلي هو اتجاهي إليك وقصدي واقبالي على أمرك وحدك. الناس في الحج يرتدون لباساً موحداً أبيض مبسطاً للغاية وهو شبيه بكفن الموت، وهو يختلف عنه لأن الحاج يرتديه طواعية وبكامل ارادته، غير الكفن إذ هو يلبسه رغم عنه ولا ارادة له فيه والحجاج في هذا اللباس يتخلون عن فاخر الألبسة وتنوعها إذ هم أمام الله سواء، فالموقف الروحي لا يدعو إلى الاهتمام بأعراض الدنيا، وكذلك حتى لا يشغل الحاج عمّا هو فيه من خشوع وخضوع وصفاء ونقاء فيؤدي الفريضة وقلبه كله بل وجوارحه كلها متجهة إلى الله فيصبح داخله كخارجه وظاهره كباطنه.. قلبه أبيض لم يدنسه شيء كظاهر الثوب الأبيض رمزاً للطهر.
ولا شك أن هذا الجمع الكبير (أكثر من مليوني حاج) لهم متطلباتهم من ماء للغسل والوضوء ومن طعام ومن وسائل نقل واتصالات مع توفير الأمن والأمان كل هذا يدعونا للدهشة والتعجب، لله ما أروعها من منظومة متكاملة تتم في توافق وسلاسة ويسر فعناية الله تظللها، وجهود المسؤولين تدفعها، ودعوات المسلمين تحوطها، إذ كيف تتحرك هذه الجموع في مواقيت محددة لأماكن محددة دون تقصير أو ابطاء؟ وتزداد دهشتنا إذا ما عرفنا أن قادة الجيوش في مختلف بلدان العالم المعنيون بتحريك الجيوش مبهورون بتحرك جموع الحجاج بهذا الانتظام في هذه الأماكن، وهذه المواقيت المحددة، وأن هذا يؤكد بلا شك سماوية هذا الدين، وانسانية هؤلاء المسلمين، وعناية الله للمؤمنين، ورشد واعتدال أهل هذا الدين وليس كما يدعي الآخرون ان المسلمين أهل ارهاب وخراب بل هم أهل عمارة وبناء.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved