Wednesday 4th February,200411451العددالاربعاء 13 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

جهاد الخوارج وأهل البغي في الإسلام جهاد الخوارج وأهل البغي في الإسلام
عبدالله بن ثاني

عبد الله بن حسين البقمي أربعة وثلاثون عاماً، عبد الله صنات براك الرشيدي سبعة وعشرون عاماً, يحيى عوض القحطاني أربعة وثلاثون عاماً، عبد الله خلوف آل فهد الأحمري ثمانية وعشرون عاماً، حمود بن جوير الفراج اثنان وخمسون عاماً, والد أحد المطلوبين أمنياً خالد عبد العزيز الحميدان ثلاثون عاماً، نايف بن لشعي بن ماطر المطيري أربعة وثلاثون عاماً.. أولئك هم إخواننا الشهداء نحتسبهم عند الله في هذه الأيام العشرة التي هي أفضل عند الله ممن سواها حتى أنه أقسم بها جلّ وعلا في قوله تعالى: (والفجر وليالٍ عشر)، وما أعظم أن يقدم المسلم فيها روحه في سبيل الله حماية لدولة الإسلام وأهلها من المعتدين والمارقين الذين يرون الخروج والبغي والسيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم متجاهلين النصوص الشرعية التي تحرم ذلك، والمسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً، وأي جُرم والمصاب مسلم هو أعظم حرمة عند الله من الكعبة المشرفة، والطامة الكبرى أن ينسى هؤلاء المارقون المُدَّعُون في هذه الأيام خطبة الوداع التي قالها المصطفى صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الأيام إذ قال: (أيها الناس إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغّت... اللهم اشهد).
والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده وبذلك يكون قتال هؤلاء المارقين جهاداً في سبيل الله وواجباً شرعياً على من استنفره الإمام حماية للإسلام وأعراض المسلمين وحرماتهم من البغاة، والباغي في اصطلاح الفقهاء المخالف للإمام العادل، الخارج عن طاعته بالامتناع عن أداء ما وجب عليه، وسُمي باغياً لمجاوزته الحد المرسوم له.
يقال بغى الجرح إذا ترامى إلى الفساد، وبغت المرأة إذا فجرت، وقيل لطلبه الاستعلاء على الإمام من قولهم بَغَى الشيء إذا طلبه، وقيل لأنه ظالم بذلك، فالبغي الظلم والتعدي بالقوة إلى طلب ما ليس بمستحق، قال تعالى: (ثم بُغي عليه) أي ظُلم.
وقد استدل الشافعي رحمه الله بقوله تعالى: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) على أن هذه الآية أصل ما ورد في قتال أهل البغي، وذكر العلماء رحمهم الله، في الآية وجهين: أحدهما: تبغي تلك الفئة بالتعدي في القتال، والآخر تبغي بالعدول عن الصلح، وهذان الوجهان متوفران فيمن حمل السلاح علينا وبغى بغير وجه حق في قتل رجال الأمن والمواطنين، وهذا الأمر بالقتال مخاطب به الولاة دون غيرهم.
وأما السنة النبوية فروى سلمة بن الأكوع وأبو هريرة رضي الله عنهما في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حمل علينا السلاح فليس منا)، وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من فارق الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه)، وفي رواية البخاري واللفظ لمسلم (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة جاهلية، وقد حكى الشافعي رحمه الله قائلاً: أخذ المسلمون السيرة في قتال المشركين من الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذوا السيرة في قتال المرتدين من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأخذوا السيرة في قتال البغاة من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد قال في الخوارج :(لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)، وأما الإجماع الدال على إباحة قتالهم فهو منعقد عن فعل إمامين من الخلفاء الراشدين وهما أبوبكر الصديق رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في قتال من خلع طاعته، وقد يقول قائل إن هؤلاء القتلة متأولون والجواب أن أبا بكر رضي الله عنه قد قاتل طائفتين، هما طائفة ارتدت عن الإسلام مع مسيلمة وطليحة والعنسي فلم يختلف عليه من الصحابة في قتالهم أحد، وطائفة أقاموا على الإسلام ومنعوا الزكاة بتأويل وشبه، فخالفه أكثر الصحابة في الابتداء، ثم رجعوا إلى رأيه ووافقوه على القتال في الانتهاء حين وضح لهم الصواب وزالت عنهم الشبهة، وأما علي بن أبي طالب فإنه قاتل من بغى عليه في معركة الجمل بالبصرة مع عائشة، وثنى بقتال أهل الشام بصفين مع معاوية، وثلّث بقتال أهل النهروان من الخوارج وقد وضع العلماء ثلاثة شروط معتبرة متفق عليها ورابعاً مختلفاً فيه لقتالهم:
1- أن يكونوا في منعة بكثرة عددهم، ولا يمكن تفريق جمعهم إلا بالقتال، وهذا متوفر في هؤلاء القتلة الذين حملوا السلاح وقتلوا المسلمين وهم يخططون من خلال خلايا سرية تملك أسلحة فتاكة، وأكدت التحقيقات مع المقبوض عليهم تلك الخلايا واستراحاتها، على أن الباغي يقتص منه ولو كان فرداً، وتستوفى منه الحقوق ولا يشفع له تأويله والدليل على ذلك قول الشافعي - رحمه الله - :(قتل عبدالرحمن بن ملجم علياً رضي الله عنه متأولاً، فأقيد به) وابن ملجم كان من أشد الفرسان، قرأ على معاذ بن جبل، وكان من القراء والفقه والعبادة، هاجر في خلافة عمر بن الخطاب وشهد فتح مِصر وسكنها ،كان من شيعة علي بن أبي طالب، ثم خرج عليه فقتله وأقيد به، وهذا الفقه وهذه العبادة لا تعني ان ما فعله صحيح وأن تأويله مساغ بإجماع أهل السنة والجماعة.
2- أن يعتزلوا عن دار أهل العدل بدار ينحازون إليها، ويتميزون بها كأهل الجمل وصِفين، وقد قال بعض أهل العلم :إن كانوا على اختلاطهم بأهل العدل ولم ينفردوا عنهم لم يقاتلوا وفي هذا إغفال لخطورة هؤلاء الذين يدعون لبدعتهم بشرط عدم حمل السلاح، فإن حملوا السلاح فجهادهم على أهل العدل واجب، وفي هذا الزمن قد يؤدي المختفي بين أهل العدل خطراً أكثر من أي زمن سابق، نظراً لتطور وسائل الاتصال والاختفاء، بل إن وجودهم بين الناس أخطر من نزولهم في دارٍ يجتمعون فيها بعيداً عن المسلمين، وهؤلاء المختفون تعرف السلطات الأمنية نشاطهم وتراقبهم ولما حملوا السلاح ولم يتعاونوا مع الجهات الأمنية خرجوا بذلك عن قول بعض أهل العلم السالف متجاهلين فرصة حسنة لإصلاح ذات البين انطلاقاً من تصرف الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه معهم فقد روي أنه كان يخطب، فسمع رجلاً منهم يقول لا حكم إلا لله تعريضاً بالرد عليه فيما كان من تحكيمه، فقال علي: كلمة حقّ أريد بها باطل، لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مَساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا، لا نبدؤكم بقتال).
3- أن يخالفوه بتأويل محتمل كالذي تأوله أهل الجمل وصفين من المطالبة بدم عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكل تأويل يناقش وكل شبهة تكشف على يد العلماء الربانيين بالنصوص الشرعية والأدلة القاطعة، لأنهم وحدهم من يعرف جمع الأدلة في المسألة والناسخ والمنسوخ، ومعرفة الخاص والعام والتفصيل والاجمال، لأن الله تعالى أمرنا بالإصلاح أولاً وبالقتال أخيراً، وإن لم يكن لهم تأويل أجري عليهم حكم الحرابة وقطاع الطريق، وقد بين العلماء أنه متى أمل رجوعهم إلى الطاعة ودخولهم في الجماعة بالقول والمناظرة لم يتجاوزه إلى القتال وإن يئس من رجوعهم بعد كشف ما اشتبه عليهم وحملوا السلاح جاز لإمام أهل العدل حينئذ قتالهم ومحاربتهم، ويجب قتالهم بواحد من خمسة أمور، منها أن يتعرضوا لحريم أهل العدل بإفساد سبيلهم ومنها أن يتظاهروا علىخلع الإمام الذي انعقدت بيعته ولزمت طاعته، روى عبدالله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :من خلع يده من طاعة الإمام جاء يوم القيامة لا حجة له عند الله، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلة، وهذان متوفران فيمن حمل السلاح علينا وقتل إخواننا الشهداء رحمهم الله تعالى.
وأمام قوله تعالى: (حتى تفيء إلى أمر الله) فهو الغاية في إباحة قتالهم وأما الفيئة في كلامهم فهي الرجوع إلى طاعة الإمام والانقياد له، وقد خرجوا من البغي اسماً وحكماً، وصاروا داخلين في أحكام أهل العدل أو أن يلقوا سلاحهم مستسلمين والواجب الكف عنهم، لأن الله تعالى أمر بقتالهم لا بقتلهم، لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم كفّ عن المنافقين مع علمه بمعتقدهم لتظاهرهم بطاعته مع استبطان معصيته، وإن صرح الخوارج بسب الإمام وسب أهل العدل من العلماء وطلبة العلم عُزروا للأذى وذباً عن منصب الإمامة، وإن لم يصرحوا ففي تعزيرهم وجهان وإن قتلوا عامل الإمام أو غيره من أعوان الإمام كرجال الأمن والدولة أجري عليهم القصاص ولم يسقط عنهم برجوعهم، فإن سلّموا القاتل وإلا جاز قتال جميعهم وحلّ قتلهم شرعاً وأما أحكام من قتل من أهل العدل ففيها قولان:
أحدهما: أنه كالشهيد، فلا يغسل ولا يصلى عليه قال الإمام الشربيني: صحح هذا القول الإمام السبكي، والآخر يغسل ويصلى عليه، لأن عمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم قُتلوا شهداء فغسلوا وصلي عليهم، لأنهم لم يقتلوا في معركة المشركين، وقُتل عمار بن ياسر بصفين فغسله علي رضي الله عنه وصلَّى عليه، وهذا رأي الغزالي والرملي وصححه الإمام النووي وأخيراً، قال تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لزوال الدنيا بأسرها أهون عند الله من قتل مسلم) أو كما قال، وبهذا يتبين أن ما يفعله هؤلاء القتلة من إرهاب واستحلال لدماء المسلمين لا يقرّه الشرع ولا يأمر به الإسلام الذي يسعى إلى تحقيق الأمن والاستقرار للإنسان، وأنهم أشبه في عبادتهم بالخوارج الذين قال الرسول فيهم :تحتقرون صلاتكم إلى صلاتهم ولكنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، نسأل الله العافية والله من وراء القصد.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved