مثلما تاجر الانقلابيون وأنظمة الليل بقضية فلسطين حتى أوصلوها وأوصلونا معها، الى الكارثة الحالية.. كذلك فهم تاجروا بقضية الوحدة العربية حتى جعلوا من هذا المطمح العربي حلما شبه مستحيل. ولذلك فقد طلبوا الوحدة عن طريقها المستحيلة وابتعدوا عن طريقها المنطقية والممكنة. لدرجة أنهم مثلا، فكروا بالوحدة بين سورية وليبيا وتجاهلوا وحدة سورية مع العراق أو الأردن أو أي بلد ملاصق للآخر.
ثم إنهم حطموا المنطق وسلطوا على المشاريع أو الدعوات الوحدوية ارهاب اللا منطق وفشله المحتم.
وكانوا يتهمون الأنظمة الرجعية بعرقلة الوحدة العربية، علما بأن العراقيل التي اقامتها هذه الأنظمة ظلت على الدوام بسيطة وسطحية وترتبط في معظمها بالكراسي أو النزوات والمصالح الخصوصية.
بينما هم، عن عمد ودهاء، جاؤوا فشطروا العرب الى شطرين.. بل انهم، ولأول مرة في التاريخ الحديث، وضعوا الأسلحة العربية في صدر العربي الآخر، قاتلوه ثم قالوا بوحدة الهدف.. ثم قفزوا فوق الطبيعة والجغرافيا متجاهلين - وهذا لا يمكن لأحد مخلص أن يتجاهله - الترسبات التي طرأت خلال نصف قرن من الكيانية وانعكاساتها الاقليمية وتفرعاتها الاقتصادية والنفسية.
ولهذا أقاموا مشاريع وحدات حملت، منذ البداية، بذرة فشلها في صلبها. ثم ثالثة الاثافي وهي أن الأنظمة الثورية الانقلابية، ووفق المقولة الماركسية الشهيرة، باشرت في الحال اقامة اقتصاد وتصنيع اقليميين يتنافيان كليا مع أي تفكير مخلص للوحدة.
عند العرب مطلوب أن يقام التكامل الاقتصادي، بحيث يتم التنسيق بين الصناعات العربية حسب الامكانات والموارد الطبيعية والبشرية. هذا يعني ان وجود مصانع للأقمشة والحرائر في لبنان يفرض ألا تقوم صناعة مماثلة في سورية.. وكذلك بين مصر والسودان وليبيا.. وهكذا، ذلك أن المنطقة لا تتحمل وجود صناعات متماثلة في كل بلد.. وهذا في الواقع ما يجعل الصناعة العربية وبالتالي التجارة قاصرة ومحدودة وفاشلة وغير قادرة في النهاية على الانتشار والمزاحمة الدولية ثم إن التركيز الصناعي المتكامل في أي كيان عربي سيؤدي حتما الى تضاد مع الكيان الآخر. الاقتصاد يفهم بالأرقام لا بالعواطف،وحينما يحدث مثل هذا التركيز يستحيل على بلدين شقيقين أن يتحدا.. لأن المصالح الاقتصادية ستقف حاجزاً. وهذا ما فعله الثوريون، وخارج أدراج الجامعة العربية لم يكن هنالك قط تنفيذ لأي محاولة فعلية للتكامل الاقتصادي الذي ينسجم مع النمطق القومي ويجعل الوحدة ميسورة متى توفرت النوايا والأعمال الحسنة.غداً سوف يرى الناس ان الذين يتشدقون بالوحدة، ويتهمون الاستعمار تارة، والرجعية طوراً، بافشالها، وهم الذين وضعوا في طريقها العقبات الحقيقية الباعثة على اليأس، ذلك هو الوجه الآخر من مأساة العرب. هم بأظلافهم، يسعون الى حتفهم، وهل هنالك حتف أكثر من الهزيمة وأكثر من التمزق الراهن؟!.
(عن الرأي العام) |