أحياناً تتشابه الجغرافيات وتتحد أعرافها في بعض الأمور المتعلقة بالإنسان كإنسان، ويصبح اختلافها امراً غير خاضع لحسابات البعد والقرب والجنسية والقوانين أو أية اعتبارات اخرى قد ينحاز إليها رأي ويعارضها آخر، ومن هذه الأمور اهتمام الدولة بالمواطن، فمن أقدم الأنظمة الى احدثها ومن أكثرها ديمقراطية إلى أشدها تعسفاً وديكتاتورية يظل المواطن هو محور الاهتمام الذي يعكسه المسؤولون من آن لآخر في تصريحاتهم حول توفير خدمات أو إضافة مشروعات إنتاجية جديدة.
وقد سعد الجميع بما قاله معالي وزير العمل والشؤون الاجتماعية الدكتور علي بن إبراهيم النملة حول « صندوق الفقر» وتوضيحه لآليات عمله وانه يهدف إلى دعم الأسر المنتجة والتدريب لتسويق منتجاتها وتهيئة الأماكن المخصصة لذلك، وأن التوجه هو الخروج بهذا الصندوق إلى نمط خدمة جديد يختلف عن الخدمات التي تقدمها جهات أخرى في الدولة مثل «الضمان الاجتماعي» و «الجمعيات الخيرية» لفئات من المجتمع بحاجة ماسة إلى مثل هذه الخدمات، وهو حديث إن ابعدناه عن نظريات أهل الاقتصاد القائمة دوماً على مبدأ المنفعة المتبادلة كان ممتعاً ويبعث الأمل في نفوسنا ونفوس الذين يعدون خارج دائرة الربح والخسارة وحسابات خبراء الاقتصاد والتجارة، فهو جانب إنساني وتوظيف رحيم للعبة الأرقام وقسوتها، لكن «تحجيم« هذه الخدمات و «تأطيرها» في نطاق ضيق غير قابل للتوسع أو الزيادة يولد نوعا من الإحباط لفئات أخرى لا تشملها الفائدة التي قد تستفيد من صندوق الفقر أو الضمان الاجتماعي أو جمعيات البر، وهم فئة الشباب العاطلون عن العمل، فهم أحوج ما يكونون إلى الاهتمام والرعاية، وتصريح معالي وزير العمل القاطع والحاسم بان لا نية لتوفير رواتب لهذه الفئة بحجة أن ذلك يولد جيلا اتكاليا لا يحب العمل، ويدعو إلى التحايل لدى هؤلاء الشباب لكي لا يلتحقوا بعمل ويتركوا المتاح من الفرص الوظيفية المناسبة لرغبتهم في صرف مرتب دون عمل، هو قول مردود على معالي الدكتور النملة، ففي أوروبا وأمريكا بل وفي بعض الدول الخليجية المجاورة كالكويت مثلا يتم صرف رواتب للعاطل عن العمل حتى يجد فرصة وظيفية مناسبة ووقتها ينقطع هذا الراتب، ولم يخرج لنا حتى الآن خبراء الاقتصاد وهم اكثر تشدداً وسوداوية في كثير من الأحيان للتحذير من هذا النهج أو التخوف من تأثيره على الجيل أو الأجيال القادمة، ويجب في ظل عدم وجود وظيفة للشاب الخريج أو المهني عقد اتفاق «أدبي ومعنوي« بين الحكومة ورجال الأعمال والقطاع الخاص ينص على توفير عائد مادي لهذا الشاب لحين توفير وظيفة له ووقتها ينقطع الراتب ليذهب إلى غيره وهكذا، اما القول على الإجمال بأن ذلك يولد جيلا اتكاليا وما شابه من كلام معالي الوزير فهو غير صحيح من نواح عدة اهمها تأثير ذلك على المستوى الأمني والاجتماعي والاقتصادي والصحي والرياضي وكافة المستويات الأخرى التي يكون عمادها الشباب , فعدم توفر دخل مادي لشاب في كامل طاقته وفي مقتبل حياته يقلل داخله الانتماء للمكان الذي يعيش وسطه ويجعله فريسة سهلة للانحياز لأي أفكار شاذة وغريبة ودخيلة على المجتمع، ولا يخفى على معالي وزير العمل وهو المعني الأول بتوفير الضمان الاجتماعي للشباب وغيرهم في المجتمع، بأن كثيرا من هؤلاء ينضمون إلى تنظيمات أو جماعات منحرفة لا عن قناعة بل لأن هذه الجماعات تقدم تأميناً مادياً واجتماعياً لأعضائها بل إن بعضها يتكفل بأسرة العضو في حال وفاته وترسل لذويه الأموال والنفقات في حال ما قام بتنفيذ أحد مخططاتهم أو عملياتهم وقتل فيها، كما أنه يجعله فريسة سهلة للوقوع في شراك بعض المنحرفين لشغل فراغه في البداية ثم الغرق وصعوبة إخراجه من هذه الدوائر المظلمة لاحقا، وتدفعه للانصراف عن الاهتمام بمستقبله أو وضعه إلى أمور أخرى لا علاقة لها بذلك، وغيرها من الأمور التي من الضروري أن يضعها الدكتور علي النملة في برنامجه الاجتماعي الناجح ويطرح موضوع صرف رواتب للعاطلين عن العمل للنقاش والدراسة بدلاً من إغلاقعه على الإطلاق لما لذلك الموضوع من أهمية وفائدة.
مساعد الخميس |