إن في الحج إلى بيت الله الحرام تجسيداً لأهم مبدأ من مبادىء الدين الإسلامي ذلك المبدأ هو: وحدة الأمة الاسلامية التي أثنى عليها الخالق سبحانه وتعالى من دستوره العظيم يوم انزله على نبيه الكريم. قال تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } [المؤمنون: 52] أرجو من الله أن يرزق قادة الأمة الإسلامية التقوى ويوفقهم هذا العام ويحجوا إلى بيت الله الحرام ناوين بإخلاص وصدق النية أن يبذلوا ما في وسعهم لتوحيد كلمة المسلمين ونبذ الخلاف والوقوف خلف راية واحدة وهي رأية الإسلام، والعمل بأحكام الإسلام وهي مباديء ونصوص سامية تصلح أحوال الناس بشكل تدريجي لا حرج فيه ولا تكليف لذلك جاءت هذه الأحكام صالحة للتطبيق من كل زمان ومكان ومشتملة على مصالح المجتمع الإسلامي لتحفظ للناس أموالهم وأنفسهم وأعراضهم وأنسابهم، ويتحاكموا إليها فتنقص منازعاتهم وتنهي خلافاتهم بعدل وسماحة وبلا تحيز. إلى جانب أنها اشتملت على مافيه سعادة المسلمين في دنياهم وأخراهم، ذلك لأن كل أحكام الشريعة الإسلامية محاسن وكلها تهدف الى معاني سامية نبيلة تسعد الفرد في دنياه وأخراه. ومن محاسن الإسلام في الأحكام انها تظهر جلية في كونها شاملة لجميع شؤون الحياة، ذلك أن الدين الاسلامي عام لجميع البشر، فلا يفرق بين فرد وفرد إلا على أساس التقوى قال تعالى: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
من اجل هذا فأحكامه صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان، لأنه دين سماوي عالمي اجتماعي إنساني فطري، جمعت المحاسن في أحكامه من عقائد وعبادات ومعاملات وأحوال شخصية وحقوق للمرأة وعلاقات إنسانية واجتماعية، جميعها تعود بالخير على الإنسانية جمعاء.
ومن يستعرض ما جاء به الدين الإسلامي من مبادىء وآداب وتكاليف، يرَ أنها تهدف إلى إصلاح المجتمع الإسلامي وتحقيق القوة والعدالة والمنفعة لأفراده.
وأحكام الإسلام تهدف إلى جمع كلمة الأمة، وترى ذلك واضحاً عملياً في الحج، فهي فريضة فيها اجتماع وتعارف وتطهير للقلوب وتقرب من مغفرة الله ورحمته ولها إلى جانب ذلك من مظاهر القوة للإمة الإسلامية وإثبات هيبتها وجمع كلمتها وتوحيد صفها على الخير.
حقا إن من أبرز فوائد الحج: أهمية الوحدة بمفهومها العام التي دعا إليها الإسلام في كل مناسبة، وتزداد توثيقاً وقوة إذا رعاها قادة المسلمين وجددوا أوصالها في هذه المناسبة الكريمة.
إن اجتماعا كهذا لا يتصور ان تقوم بمثله دولة أو عدة دول في هذا الزمن القصير، وبحضور هذه الجموع الكبيرة ولكنها الدعوة الربانية التي صادفت في قلوب المسلمين دافعاً إسلاميا يسعد البشرية في دينها ودنياها.
ويتحقق لها الكثير من المكاسب التي تعتبر هدفا من اهداف الدين الإسلامي الذي يدعو إلى تكامل المسلمين اقتصادياً وثقافياً ومالياً وسياسياً وإعلامياً وعسكرياً لأصبحوا قوة ضاربة لا يستهان بها ويسحب لها في محيط هذا العالم المضطرب الف حساب.
وهكذا يحصل بالحج الإخاء المثالي والتعاون على البر والتقوى والتقاء المسلمين في رحاب الله الطاهرة وعند بيته الذي تهوي إليه أفئدة المسلمين وتتحد القلوب والمشاعر والأهداف في الحج.
نعم أتمنى ان نغتنم فريضة الحج هذا العام أعظم اغتنام، ونفيق من غفلتنا ونتعظ بما حدث لنا ونعتبر، ونتقي الله في أعمالنا ونصدق القول والعمل مع الله وننوي بصدق وإيمان على تطبيق شرعية الله تطبيقاً عمليا وحقيقياً، لكي نأخذ مكاننا بين الأمم ونصبح بعون الله وتوفيقه مجتمعاً صالحا قابلاً للرقي والتقدم والنمو ويعود لنا مجدنا إن شاء الله تعالى.
|