من بين قرابة (مئتي) معايدة؛ أودعتها بريد الجوال الصادر صبيحة يوم العيد؛ إلى أقرباء وزملاء وأصدقاء ومعارف؛ كانت هناك معايدة واحدة توقفت في الطريق..!! واحسرتاه..!! لم أكن أعرف وقتها؛ أن الابن البار؛ والأخ والصديق وابن الخال؛ العقيد (جميل بن عبدالرحمن السالمي)؛ قد ودع دنيانا الفانية؛ في تلك اللحظات التي كنت أخط له فيها رسالة معايدة..!
* كانت الساعة قرابة العاشرة من صبيحة يوم الأحد؛ الموافق لأول أيام عيد الأضحى، وكنت وقتها أكتب رسائل معايدات؛ وكانت رسالتي إليه؛ إلى المرحوم (جميل)، تأخذ مسارها عبر الأثير؛ مع عشرات أخريات.. فما هي إلا دقائق معدودات؛ حتى فاجأني هذا الجهاز العجيب؛ بنبأ وفاة ورحيل الحبيب؛ الذي حرصت على معايدته؛ قبيل لحظات..!
* يا لها من فاجعة في يوم العيد.. ها هو (ابن خالي) الشاب اليافع؛ مسجى على تلك الآلة الحدباء؛ ينتظر أن تحمله الأكف والسواعد؛ إلى مثواه الأخير..! وها أنا أقف أمامه مشدوهاً؛ إلى جوار (خالي العزيز)، أواسيه وأنا من أكثر الواقفين في هذا الموقف حاجة للمواساة..!
* ها هي العيون مشدودة إلى الفقيد المسجى؛ عبرات وزفرات ونحيب، ثم دموع تنهمر؛ والناس بين واقف أو آت أو ذاهب.. الكل في ذهول.
* سبق الموت في ضحى يوم العيد؛ فخطف البسمة من شفاه الأب والأم، والإخوة والأخوات، والزوجة والبنين والبنات؛ وبقية الأهل والقرابة، وقد كنا نتبادل التهاني ليلة العيد وصبيحته؛ ونمني الأنفس بساعات من الهناء والسرور.
* رحمك الله يا (أبا سعد)، فأنت واحد من رجال الأمن الأفذاذ، الذين أفنوا شبابهم في خدمة وطنهم ومجتمعهم؛ بكل حب ووفاء، وصدق وإخلاص.
* قضيت كل اليوم في مراسم الصلاة والدفن والعزاء؛ ولما عدت إلى الدار؛ لم أقو على مقاومة البكاء من جديد؛ لأن صوراً مؤثرة كثيرة تغشتني؛ ولأن تداعيات قريبة وبعيدة؛ أخذت تنثال علي في هذه اللحظات؛ غير عابئة بالمصاب العظيم في فقد عزيز علينا صبيحة يوم العيد.. لقد ألفنا أن أهل الميت هم الذين يبكون؛ وهم يتلقون العزاء من معزين لا يبكون؛ إلا في عزاء (جميل) رحمه الله؛ فقد كان الكل يبكي، وبعض المعزين فضّل أن يقف ليتقبل العزاء فيه.. هذا هو الحب الحقيقي؛ الذي زرعه (جميل) في حياته؛ فحصده عند مماته.
* رحم الله (أبا سعد).. لقد شب وترعرع في كنف أسرة هادئة؛ ووالد حنون رحيم؛ حريص على تربية وتعليم أبنائه؛ على الحب والوفاء والخلق الرفيع. كنت في أوائل التسعينيات الهجرية؛ على وشك التخرج في معهد المعلمين الثانوي، وكان خالي (رعاه الله)؛ يحسن الظن بي؛ فيكلفني إعطاء دروس خصوصية لابننا المرحوم (جميل)؛ يوم كان في نهائي المرحلة الابتدائية، وكنت ألمس فيه النجابة وسمو الخلق والبر؛ فتحقق ذلك فيه، رأيت ذلك وعرفته ولمسته؛ بعد أن درس في كلية قوى الأمن الداخلي؛ وأصبح ضابطاً على درجة عالية من حسن الخلق والتعامل النظيف.
* أكتب هذه الكلمة الوجيزة؛ والعبارات العجلى؛ بعد توديع (جميل) في قبره، فالعين تبكي حرقة، والقلب يعتصر ألماً وحسرة؛ على فراقه المفاجىء؛ ولكني أعود لأقول؛ قبل وبعد كل قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله).. إنا لله وإنا إليه راجعون.
assahm-maktoob.com
027361552Fax: |