* الجزيرة - واس:
وجه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني - حفظهما الله - كلمة إلى حجاج بيت الله الحرام بمناسبة موسم حج هذا العام 1424هـ فيما يلي نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين القائل في محكم التنزيل (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) -البقرة 125، الذي جعل أفئدة من الناس تهوي إلى بيته الحرام استجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام قال تعالى: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم) -إبراهيم 37، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد الذي قرن حرمة المسلمين دماء وأموالاً وأعراضاً بحرمة هذه الأماكن والأيام فقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوادع: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) -صحيح مسلم- وعلى آله وصحبه أجمعين.
حجاج بيت الله الحرام..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. تحية طيبة مباركة كما يحب ربنا ويرضى تحية أهل الجنة (تحيتهم فيها سلام) من هذا المكان المبارك صعيد منى الطيب من البلد الحرام الذي أقسم الله به في كتابه الكريم فقال عز وجل: (لا أقسم بهذا البلد ) -البلد 1، نحييكم ونرحب بكم ونسأل الله عز وجل لنا ولكم التوفيق والخير والسداد وأن يتفضل علينا وعليكم بالرحمة والغفران وأن يمن علينا جميعاً بالقبول فتعودون إن شاء الله بحج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور وتجارة لن تبور.
أيها الإخوة حجاج بيت الله الحرام..في اليوم التاسع من هذا الشهر وقفتم في عرفات مهللين مكبرين حيث وقف المصطفى صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده إخوة في الله متحابين تظللكم الرحمة وتغشاكم السكينة ويذكركم الله فيمن عنده ويباهي بكم ملائكته ثم أفضتم من عرفات إلى مزدلفة فذكرتم الله عند المشعر الحرام تحقيقاً لقوله تعالى: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين) -البقره 198، وبعد ذلك أقمتم في منى لتكملوا حجكم ولتتموا نسككم وتقضوا تفثكم وتوفوا نذوركم وتطوفوا بالبيت العتيق قال تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) -الحج 32.
أيها الإخوة الكرام..
منذ أن من الله على المملكة العربية السعودية بخدمة الديار المقدسة مكة المكرمة والمدينة المنورة وشرفها برعاية هذه البلاد أخذت على نفسها عهداً أن تبذل الغالي والنفيس وتسخر إمكاناتها وتعمل جهدها لتيسير أداء المناسك وتسهيل سبلها لحجاج البيت ومعتمريه وزوار مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والتنقل بين المشاعر بكل طمأنينة وأمن وأمان وشواهد العمل قائمة معروفة ودلائله واضحة مشهورة ولا زالت المملكة على هذا النهج بحول الله سائرة لا يحول بينها وبين أداء واجبها بمشيئة الله حائل فخدمة بيت الله الحرام ومسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم وتيسير السبل لمرتاديهما واجب ديني تحرص المملكة على القيام به على الوجه الأكمل طاعة لله عز وجل وابتغاء مرضاته واتباعاً لرسوله واقتداء بسنته ولها في الخلفاء الراشدين والسلف الصالح من هذه الأمة أسوة حسنة.
أيها الإخوة المسلمون..
الحج مناسك وأعمال محددة في أوقات معينة معلومة يشتمل على مقاصد جليلة وينطوي على معان عظيمة التذكير بها ليس هذا مقامه إلا أن الواقع المعاصر للمسلمين وما يعيشونه من أوضاع وما يحيط بهم من ظروف عصيبة ويمر بهم من أحداث يحتم استذكار بعض من المبادئ العظيمة لهذا الدين.
فديننا أيها الإخوة الكرام منهاج شامل للحياة وضع للمسلم إطار حياته ورسم حدود علاقاته المختلفة وبين موقفه في كل الأحوال في منهج حكيم وطريق قويم بينه القرآن الكريم قال تعالى: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) -فصلت42، فحياة المسلم في إطار هذا المنهج الرباني علاقات متناسقة وارتباطات متجانسة في توازن محكم لا يطغى فيه جانب على جانب ولا تستأثر حالة على سائر الحالات.
هذا التوازن المحكم يحدد أولاً..علاقات المسلم مع نفسه وأهله الأقربين وثانياً..يحكم علاقاته بإخوانه في الدين أياً كانوا وحيثما كانوا وثالثاً.. يحدد علاقات الفرد المسلم مع سائر الناس ورابعاً..علاقته بالكون المحيط به، ولقد أوضحت الآيات الكريمات في سورة الشورى سبيل المؤمنين قال تعالى: (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ماغضبوا هم يغفرون (37) والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون (38) والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون (39) وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين (40) ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل (41) إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم (42) ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) الشورى 37 إلى 43.
فالمسلم أولا.. يجب أن يتجنب الإثم والفواحش وأن يكون صبوراً غفوراً صادقاً مع نفسه سليماً في سريرته مخلصاً في نيته فمناط الأعمال على النيات قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) صحيح البخاري، ولا شك أن صدق الإنسان مع نفسه وإخلاصه النية لله يورثه الطمأنينة والاطمئنان ويكسبه الثقة والقدرة على التعامل مع الآخرين تعاملاً إيجابياً مثمراً يعكس الإحساس بالمسؤولية وبقيمة الإنسان ورسالته في هذا الوجود.
ثم يأتي المجال الثاني.. وهو علاقة المسلم بإخوانه في الدين أياً كانوا وأينما كانوا سواء في محيط المجتمع الذي يعيش فيه أو في محيط الأمة الإسلامية ككل وهي علاقة تقوم على الشورى والتكافل والتعاضد والتناصح فيما يعود على المسلمين بالخير والنفع العميم وفي هذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة) - صحيح مسلم، والبعد عن كل ما يؤذي المؤمنين والمؤمنات من قول أو عمل والحرص على ما ينفع المسلمين في معاشهم ومعادهم فهم أخوة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى فالله عز وجل يقول (إنما المؤمنون إخوة) الحجرات 10.
ورسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول (المسلم أخو المسلم) صحيح البخاري، وهذه الأخوة تحتم على المسلم أن يمنع أخاه المسلم عن الظلم فالله لا يحب الظالمين.
ثالثاً.. وفي نطاق أوسع ومحيط أشمل يرسم الإسلام علاقة المسلم بالاخرين ويحدد أطر التعامل معهم وأساليبه ووسائله في شتى الحالات وسائر الأحوال ومختلف الظروف سواء عاش أبناء الملل الأخرى مع المسلمين أو عاش المسلمون معهم أو عاشوا متجاورين في البلدان وهي علاقة يحوطها الإطار العام للإنسانية فكلهم بشر ممن خلق الله ومبناها أن الإسلام جاء لخير البشرية ونبذ الجور وتحقيق العدل فالمسلم يحب الخير للناس ويسعى لخيرهم ويود لهم الهداية ويتعامل معهم على هذا الأساس.
ورابعاً.. تأتي علاقة المسلم بالكون بما فيه من مخلوقات فالمسلم مأمور بالنظر في كل ذلك نظرة تبصر وتفكر قال تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) البقرة 164، وعلاقة المسلم بالكون قائمة على حقيقة أن الله أمر الإنسان بعمارة الأرض ونهاه عن الإفساد فيها وحمله أمانة ذلك وهو مأمور بأن يؤدي الأمانة على الوجه الذي يرضى الله عنه فالمسلم يهمه استقرار الدنيا كلها ورغدها وعمارتها فهو ليس بالشخص الأناني الذي لا يتجاوز نطاق اهتمامه احتياجات نفسه بل يتجاوز ذلك إلى العالم الخارجي.
هذه الأسس تحدد للمسلم السلوك المناسب في كل حال والتصرف الملائم في كل ظرف والتعامل الايجابي مع كل الاحتمالات فالمسلم الحق لا يعيش أزمة سلوك أو يواجه عجزاً في التعامل والتعايش الايجابي السليم أو يجد نفسه في مأزق أو وضع ليس فيه علامات تهديه إلى السلوك القويم وشمل هذا كله قول الله عز وجل: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) الاعراف 199، فهذه الآية الكريمة تجعل المسلم دائماً في الجانب الموجب المثمر في الدنيا وتهديه إلى التصرف الحكيم.
أيها الإخوة الكرام..
ونحن في المملكة العربية السعودية نلتزم في علاقاتنا وارتباطاتنا وقراراتنا بأحكام الدين الإسلامي الحنيف فقد قامت هذه الدولة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - على التمسك بشرع الله وتطبيق أحكامه وقواعده في جميع الأمور دقيقها وجليلها فمذهبنا الحق هو ماجاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقدوتنا في ذلك الخلفاء الراشدون والصالحون من سلف هذه الامة لا مذهب لنا سوى ذلك ولا نبتغي عنه بديلاً ولا نحيد عنه قيد أنملة وهذا ما ندين لله به ونعلنه على رؤوس الاشهاد ويحكم سياستنا الداخلية والخارجية وتعاملنا مع الخاص والعام.
وانطلاقاً من ذلك وفي إطار العلاقات التي سبق إيضاحها تتبنى المملكة في الشأن الداخلي منهجاً يقوم على التمسك بكتاب الله وسنة رسوله كما يقوم على الشورى والعدل وتطبيق حدود الله وتعظيم شعائره والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله بالحسنى.
وفي الشأن الخارجي تتبنى المملكة منهجاً مماثلاً يقوم على التواصل المثمر والتفاعل الإيجابي مع العالم الخارجي وتربطها بالدول الإسلامية علاقة الأخوة في الإسلام ومع سائر دول العالم المحبة للسلام علاقات احترام متبادلة قوامها المشاركة في قضايا الإنسانية وهمومها حيث يعيش الجميع في كوكب واحد وهي في كل علاقاتها سواء على الصعيد الثنائي أو الإقليمي أو العربي أو الإسلامي أو العالمي عضو فعال يهدف إلى أن تتصف مشاركاته دائماً بالطابع الإسلامي.
وفيما يتعلق بالعالم الإسلامي فالمملكة عضو من هذا العالم يسعدها ما يسعد المسلمين ويسوؤها ما يسوؤهم وتشاركهم الأفراح وتقاسمهم الآلام وهي تعمل جاهدة لما فيه عزة الإسلام والمسلمين وتسعى جهدها لما فيه مصلحتهم وتبذل طاقتها لما فيه الخير لهم وتقف مع الدول الإسلامية في المحافل الدولية مؤيدة للحق ناصرة للواجب لا تتوانى في ذلك ولا تتأخر.
ولذا تأتي المملكة العربية السعودية دائماً في مقدمة الدول المشاركة في مؤتمرات منظمة المؤتمر الإسلامي سواء تلك التي على مستوى القمة أو المستويات الوزارية وعضو في كل المكاتب والمنظمات الفرعية المنبثقة عن هذا المؤتمر تحرص على الوفاء بالتزاماتها وتلتزم بما يصدر عنها من قرارات ومن هذا الباب يأتي دعمها غير المحدود لبنك التنمية الإسلامي ومساندتها لمشاريعه التنموية في سائر أنحاء العالم الإسلامي حتى يستطيع أن يضطلع بالغرض التنموي الذي أنشئ من أجله ويقوم بدوره في دفع مسيرة التنمية في الأقطار الإسلامية على الوجه الأكمل.
أيها الاخوة..
إن موقف المملكة العربية السعودية من قضية فلسطين ثابت ومعروف فمع كل المتغيرات التي مرت بها المنطقة وعلى الرغم من الأحداث التي جرت مؤخراً وتبدل الظروف وتحول المواقف فإن المملكة لا تزال ثابتة في مبادئها تنصر الحق وتذود عنه وتدين الظلم والظالمين وتدافع عن الحقوق المسلوبة وتسعى في سبيل إحقاق الحق واستعادة الأراضي المغتصبة ودعم تطبيق القرارات الدولية الصادرة في هذه القضية والعمل على إرساء قواعد السلام ومساندة المبادرات السلمية الحقيقية التي تهدف إلى أن يسود السلام في المنطقة وفي هذا الاتجاه تجيء مبادرة السلام التي تقدمت بها المملكة إلى القمة العربية الرابعة عشرة في بيروت وتبنتها القمة فأصبحت مبادرة سلام عربية لاقت دعماً دولياً.
وكذا الشأن مع المسألة العراقية فالمملكة تتطلع إلى أن يزول الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب العراقي وتعود العراق دولة كاملة السيادة تحتل مكانها الطبيعي في العالمين العربي والإسلامي وتؤدي دورها الحقيقي على الساحة الدولية وأن يسود الأمن ويعم الاستقرار هذا البلد الشقيق وينعم أهله بالأمان والرخاء.
وفيما يخص علاقات المملكة العربية السعودية مع العالم وارتباطاتها الدولية وانضمامها للاتفاقيات الدولية سواء الثنائية او متعددة الأطراف خاصة ما يتعلق بتنمية العالم والمحافظة على البيئة ورعاية الحقوق والدفاع عنها ونزع اسلحة الدمار الشامل في سائر أنحاء العالم والحيلولة دون انتشار الأسلحة النووية فإن المملكة في كل نشاط تمارسه على هذا الصعيد حريصة على الالتزام بتعاليم دينها وتطبيق مبادئه.
أيها الإخوة المسلمون..
مني العالم والمملكة العربية السعودية جزء منه بأحداث إرهابية عديدة تهدف إلى زعزعة الاستقرار وإشاعة الفوضى وتقويض الأمن واغتيال الأنفس وترويع الناس والإفساد في الكون ووقعت هذه الاحداث في بقاع شتى من أنحاء هذه المعمورة منها ما هو في العالم الإسلامي والمملكة منه وتبناها أشخاص وفئات محسوبون على المسلمين مع الأسف الشديد ولذا لابد من إيضاح موقف الإسلام من هذه الأحداث والقائمين بها.
إن هذه الأحداث تعد حالات استثنائية طارئة لا تمثل أبداً الوضع العام ولا ترقى إلى مستوى الظاهرة المستقرة أو الوضع المستديم ولا بد من الوقوف في وجهها وكشف زيفها وإيضاح حقيقتها حتى لا يغتر مغتر أو يؤثر زيفها على جاهل فهي نتاج فكر مريض وحصيلة منهج منحرف خارج عن قواعد الشرع الحنيف واحكامه بعيد عن أصول الدين ومبادئه يقف وراءه ضمير فاسد سول له الشيطان وأملى، وتفكير زائغ عن الطريق السوي بعيد عن النهج القويم ناء عن الصراط المستقيم ومناف للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.
فالإرهاب إفساد في الأرض وسعي في الخراب ومحاربة لله ورسوله وللمسلمين وبغي وعدوان، والله عز وجل لا يحب الفساد ولا المفسدين وينهى عن البغي والعدوان وقد توعد الله المفسدين في الأرض بأشد العذاب قال تعالى: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام (204) وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد (205) وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد) البقرة 204 إلى 206.
وقال عز وجل: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون) -فاطر 8.
ومن هنا تصدت المملكة العربية السعودية للإرهاب بكل صوره وأشكاله فحاربته محلياً وأدانته عالمياً وعملت على اجتثاث أصوله وقواعده وتفنيد أفكاره ومبادئه وإيضاح فساد هذه الأفكار والمبادئ وبيان بطلانها وتهافت الأدلة التي يستند عليها أصحاب هذا الفكر المريض، والمملكة العربية السعودية بهذا ملتزمة بالدين مطبقة لأحكامه لا تحيد عنها قيد أنملة فموقف المملكة مستمد من أحكام الشرع الحنيف ومبادئه الثابتة ولذا فهو موقف ثابت لا تغيره الأحوال ولا تبدله الظروف يمثل الالتزام به سمة واضحة لسياسة المملكة الداخلية والخارجية كما ذكرنا آنفاً.
وكانت المملكة سباقة إلى حث المجتمع الدولي على التصدي للإرهاب ووقفت مع جميع الدول المحبة للسلام في محاربته والعمل على القضاء عليه واستئصاله من جذوره وتدعو جميع الدول المحبة للسلام إلى تبني عمل شامل في إطار الشرعية الدولية يكفل القضاء على الإرهاب ويصون حياة الأبرياء ويحفظ للدول سيادتها وأمنها واستقرارها فمكافحة الإرهاب تتطلب تعاوناً دولياً ضد إيواء العناصر والجماعات الإرهابية والحيلولة دون تمكينها من استغلال أراضي الدول التي تعيش فيها لاستخدامها منطلقا لانشطتها التخريبية مهما كانت الدوافع والحجج.
أيها الاخوة المسلمون..
إن الدين الإسلامي بتعاليمه القيمة يضيء في الحياة الطريق ويبعث في جوانب الدنيا النماء والرخاء ويجعل الخير فيها وافراً موصولاً فهو دين عبادة وعمل.. دين ينهى عن الحقد والكراهية ويدعو إلى التراحم والتواصل والتعارف قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) الحجرات 13، والمسلمون على مر العصور رسل رحمة ودعاة هداية وسلام وازدهار واستقرار وصناع حضارة يحملون الخير للبشرية ويسعون لمصلحة الإنسانية ويحفظون للإنسان كرامته التي اختصه الله بها في قوله عزوجل: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) الإسراء 70.
وأخيراً أيها الإخوة هذه سبيل الإسلام وطريق المؤمنين التي يجب أن نكون على يقين أنه لا عزة للمسلمين في هذه الدنيا ولا فلاح لهم إلا بالتمسك بكتاب ربهم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعض عليهما بالنواجذ فذلك والله عز الدنيا والآخرة.
وفي الختام نهنئ جميع المسلمين في مشارق الارض ومغاربها بحلول عيد الأضحى المبارك وندعو المولى عز وجل أن يجعل هذا العيد عيد أمن واستقرار في سائر أقطار المسلمين والعالم أجمع وأن يجمع كلمة المسلمين على الخير ويهديهم إلى اتباع الحق والعمل به كما نبارك لحجاج بيت الله الحرام حجهم ونرجو لهم إقامة سعيدة وعوداً حميداً إلى أهلهم وأوطانهم سالمين غانمين فرحين مستبشرين وأن يجعلهم رسل خير وبشائر رحمة وكل عام وانتم بخير وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ومن ناحية أخرى، أقام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - في الديوان الملكي بقصر منى أمس حفل الاستقبال السنوي للشخصيات الإسلامية ورؤساء بعثات الحج الذين يؤدون فريضة الحج هذا العام.
ومن أبرز الشخصيات التي حضرت الحفل فخامة الرئيس إسماعيل عمر جيله رئيس جمهورية جيبوتي، ودولة نائب رئيس الجمهورية اليمنية الفريق عبد ربه منصور هادي ودولة نائب رئيس جمهورية موريشيوس عبدالرؤوف بودهين ودولة نائب رئيس جمهورية نيجيريا الاتحادية اتيكو أبو بكر ودولة النائب الأول لرئيس جمهورية السودان علي عثمان محمد طه ودولة رئيس الوزراء بالجمهورية العربية السورية محمد ناجي العطري ودولة رئيس الوزراء بجمهورية السنغال إدريس سيك، وحضر الاستقبال صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز نائب وزير الدفاع والطيران والمفتش العام وصاحب السمو الأمير بندر بن محمد بن عبدالرحمن وصاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالعزيز وزير الشؤون البلدية والقروية وصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن عبدالعزيز رئيس الاستخبارات العامة وصاحب السمو الملكي الأمير فواز بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي الأمير عبد الإله بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة ورئيس لجنة الحج المركزية وأصحاب السمو الملكي الأمراء وأصحاب الفضيلة العلماء وأصحاب المعالي الوزراء وكبار المسؤولين وسفراء الدول العربية والإسلامية.
وقد بدئ الحفل بتلاوة آي من القرآن الكريم ثم القى معالي وزير الحج الأستاذ إياد بن أمين مدني كلمة استهلها بقوله تعالى: (قل لمن مافي السموات والارض قل لله كتب على نفسه الرحمة).
وقال: (ابدأ بالتضرع للمولى عز وجل ان يكلأ برحمته ويغمر برضوانه أرواح الذين اختارهم لجواره صباح أمس وهم يرمون جمرة العقبة وأؤكد ان كل استعداد قد بذل للتحسب لمثل هذا الطارئ تخطيطا وتنظيما وتجهيزا وإعدادا ولكنها إرادة الله سبحانه ولا يمنع حذر من قدر).
وأضاف معاليه: (نحن اذ نترحم على كل روح انتقلت إلى بارئها نتذكر أيضا أن نسبة الحوادث في حج هذا العام هي أقل من واحد في المائه من إجمالي الحجاج الذين بلغ عددهم نحو مليونين وربع المليون من البشر.. جاؤوا ملبين لدعوته سبحانه طالبين رحمته آملين في غفرانه طافوا بالبيت العتيق ووقفوا بعرفة وفاضوا الى المزدلفة وتخلصوا من أدرانهم وهم يرمون جمارهم وامتلأت نفوسهم رضاءً وغبطة في وداعهم لهذه البقاع الطاهرة حيث بيت الله ومثوى المصطفى صلى الله عليه وسلم).
وأردف يقول: (لقد تم كل ذلك في أوقات قياسية لم يشهدها أي موسم حج من قبل في تصعيد الحجاج إلى منى وعرفات وفي نفرتهم من عرفات وفي استقبالهم وإسكانهم وزيارتهم للمدينة المنورة).
وسأل الله العلي القدير أن يكتب لقادة هذا البلد وشعبه الكريم الذين من الله عليهم جميعا بفضل خدمة ضيوف الرحمن الأجر والمثوبة والقبول معبرا عن الشكر لكل القطاعات التي بذلت وتبذل وتتفانى في خدمة ضيوف الرحمن من بعثات الحج ومؤسسات أرباب الطوائف وشركات نقل الحجاج ومؤسسات وشركات حجاج الداخل ولكل الجهات الحكومية التي أسهمت في توفير الخدمات اللازمة للحجيج.
ودعا المولى عز وجل أن تكون مقاصد وقيم المساواة والأخوة والرحمة والسلام والإثرة التي تتجسد بهذه الفريضة العظيمة مسلكا دائما للمسلمين.
بعد ذلك ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي وعضو هيئة كبار العلماء الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي كلمة الرابطة هنأ فيها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين بعيد الأضحى المبارك وبما من الله به من إتمام الحج وأداء المناسك على أحسن حال.
وقال: (خادم الحرمين الشريفين.. الشكر والدعاء لكم من كل مسلم شهد هذا الموسم على ما وفرتم من سبل الراحة والاطمئنان كما هو من كل مسلم على وجه البسيطة على تعظيمكم لحرمات الله وشعائره وإعماركم للحرمين الشريفين وما قدمتم من خدمات جليلة للاسلام والمسلمين).
وأضاف معاليه: (ان من نعم الله العظمى على أمة الإسلام في العصر الحديث قيام المملكة العربية السعودية على الإسلام وتطبيق قادتها لشرعه ورعايتهم لحرماته دونما إفراط ولا تفريط بل توسط واعتدال كما أراد الله لهذه الأمة (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا).. وفي ذلك إجابة عملية وصريحة وعرض للإسلام على العالم رسالة رحمة وبر تنبذ الغلو كما تنبذ التفريط وتقيم العدل وترعى السلام ويتعاون اتباعها مع الأمم والشعوب الأخرى فيما يحقق للبشرية أجمع الأمن الرخاء).
ومضى قائلا: (لقد كافح الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وأبناؤه من بعده حتى عهدكم الزاهر من أجل حق الإنسان في عبادة ربه العبادة الحقة وحقه في أمنه على دينه ونفسه وعرضه وماله فاستقام للمملكة منهاجها الحق في بنائها الداخلي ومع مواطنيها وفي علاقاتها العربية والإسلامية والعالمية).
وتابع معاليه قائلا: (ستظل بإذن الله راية الحق / لا اله الا الله محمد رسول الله / خفاقة وستبقى المملكة قيادة وشعبا وفية لدينها وأمتها وعلاقاتها الدولية المتوازنة ضمن المنظومة الدولية).
وأعرب معالي الدكتور عبدالله التركي عن شكر ضيوف خادم الحرمين الشريفين الذين تستضيفهم الرابطة للملك المفدى - رعاه الله - ولحكومته الرشيدة.
وقال: (إن رابطة العالم الإسلامي وهي رابطة للأمة الإسلامية تقدر جهودكم العظيمة في خدمة الإسلام والمسلمين وإعمار الحرمين وتيسير سبل الحج والعمرة والزيارة)
ثم ألقيت كلمة الضيوف ألقاها نيابة عنهم معالي رئيس الشؤون الدينية التركية الدكتور علي بارداق اوغلو قال فيها: (نحمد الله عز وجل ونشكره أن يسر لنا أداء هذه الفريضة حيث وقفنا جميعاً على صعيد عرفات متوجهين إلى الله عز وجل كلنا أمام الله سواسية كأسنان المشط لا فضل لأحدنا على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح).
ونقل معاليه بهذه المناسبة إلى خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين تحيات الشعب التركي ورؤساء بعثات الحج.
وبين أن عبادة الحج مشقة محببة توصل الإنسان إلى رضا المولى عز وجل وأن كل بعثة حج تتحمل مشقة على قدر عدد الحجاج الذين قدموا لأداء فريضة الحج عن طريق تنظيمها، أما مشقة الحجاج القادمين من أرجاء العالم الإسلامي قاطبة فتتحملها المملكة العربية السعودية وسكان مكة المكرمة والمدينة المنورة.
ورفع باسمه وباسم رؤساء بعثات الدول الإسلامية خالص الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وحكومة المملكة على ما يقدم من خدمات جليلة لحجاج بيت الله الحرام مما يسهل على الجميع أداء مناسكهم في يسر وسهولة.
وقال معاليه مخاطبا خادم الحرمين الشريفين: (أقدر جهدكم المثمر حفظكم الله ليصبح الحج مؤتمراً عالمياً في مجال الفكر والثقافة بين المسلمين لأن الحج منطلق لتحقيق التعاون بين المسلمين وتبادل الثقافة والمعرفة).
ودعا الله تعالى أن يصهر احساسات ومعارف الدول الإسلامية في بوتقة واحدة في هذه الديار المقدسة وأن يوفق المسلمين إلى حمل رسالة الإسلام السمحة التي تدعو إلى التسامح بين الشعوب.
وأبرز احتياج الإنسانية جميعاً إلى رسالة الإسلام التي حملت في طياتها المحبة والسلام والطمأنينة والاستقرار وقال: (إن الإسلام ليس مصدراً للعنف والإرهاب والشدة بل الإسلام هو الحل لتأسيس السلام العالمي الذي يحتاجه جميع الناس.. وان الحج يفيد هذه المعاني) مشيرا إلى أن العلماء شرحوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم / الحج عرفة / بالتلميح إلى معنيين أحدهما أن أهم ركن في الحج هو الوقوف بعرفة والآخر هو أن عرفة مكان للتعارف والالتقاء).
وأضاف قائلا: (في هذا العصر الذي يتحدث فيه عن صراع الحضارات فإن الحج نموذج حي لالتقاء الحضارات في السلم والمودة والرحمة).
إثرها صافح خادم الحرمين الشريفين أصحاب الفخامة والشخصيات الإسلامية ورؤساء بعثات الحج الذين حضروا الحفل.
بعد ذلك تناول الجميع طعام الغداء على مائدة خادم الحرمين الشريفين.
|