أميرة طفلة في الشهر السادس فقدت أباها ضمن الشهداء في الفيحاء بالرياض قبل العيد، هكذا اختار لها أبوها اسمها، اختاره لها قبل أن تمتد إليه أيدي الإرهابيين وتقتله دون جرم سوى أنه يبحث عن أمن وطن ومواطنين، عبدالله صنات المرشدي، كان رجلاً يحب أسرته، لذلك لا بد من سبيل لتأمين لقمة العيش الشريف لهم، ولم يكن أمامه إلا أن يكون ضمن رجال الأمن، وهي مهنة شريفة لبلد يحرسه الإسلام وتتربع الفضيلة على جنباته. أميرة، لم تعرف أن تقول يا بابا أبدا، تبتسم فقط، ولا تدري لماذا ضوء الكاميرات الذي يلمع فجأة، ثم يختفي أمامها، تلهو برضاعتها لا غير، تضحك، وهي حزينة في الواقع، لأن أباها غادرها دون أن يفكر في الرجوع، ولا سبب لموته بعد قضاء الله وقدره إلا انه مواطن سعودي يحرس الأمن مع غيره من أمثاله، لم تحزن أميرة لأنها بريئة لا تعرف الكره والبغض والحزن، أو الفرح او الحقد على الناس أيضاً. أبكي عليك يا أميرة وأبكي لك حزنا،ً حزناً سوف ترضعينه في السنوات القادمة، حزن سوف يتأصل في المفاصل عندما تكبرين وتبحثين عن الأب، ماذا سيقول لك الأهل يا أميرة؟ ماذا ستقول أمك عن أبيك الذي فارقك دون أن تتعرفي عليه جيداً؟ وهل ستقول أمك لك: أنه كان ينوي شراء فستان للعيد لتلبسيه، ولكنه فارق الحياة دون ان تحسي بتلك الفجيعة؟ فارق عشه الآمن قبل حلول العيد، ترجل الفارس وغادر هكذا؟ شيء محزن ومخيف وموجع يا أميرة. أميرة أنت ضحية ارهاب ولست وحدك يا أميرة، أنت ذرة في أفق شاء لها الله أن يموت أبوها، صاحب الحب والنخوة والرجولة في وجوه طغاة زاد بهم الحقد لأن ييتموا الأطفال الأبرياء دون ذنب، تلك بطولتهم التي يزعمون. ماذا ستقولين يا أميرة: إن طال بك العمر عن أبيك عبدالله بن صنات المرشدي؟ ماذا ستقولين لأطفالك الذين سيأتون عبر الزمن القادم؟ وماذا سيقول الناس لك يا أميرة الصغيرة التي شاء الله ألا يراك أبوك، وأنت تلثغين بلهجتك القوية وترفعين أصابعك أثناء الحبو: يا بابا؟ من سيرفعك عن الأرض وأنت في مهمة الحبو البريء؟ أين بابا يا أميرة؟ مات أبوك يا أميرة، لكنك لم تموتي، ستكونين يا أميرة أماً تنجب الرجال لوطن الرجال، فأنت مهرة أصيلة لها شأن في حب الوطن والناس وحماية الأنفس من الفاسقين الضالين. لست يا أميرة يتيمة، جدك وأعمامك ومجتمعك كله يبكي معك يا أميرة، كلهم يحبون أباك وغيره من شهداء الوطن مثلما تحبينهم، أعرف يا أميرة أن النار ستكون قوية على قلبك، لكنها لن تتعدى القالب القوي من الصبر والسلوان، أعرف يا أميرة أنه لو كانت هناك مواجهة، وجها لوجه لكان لأبيك شأن، لكن الثعالب يا أميرة تختل الرجال، فكان أبوك مخدوعا دون مواجهة، وهكذا يا أميرة يفعل الانذال أمام الابطال، فهم لا يواجهون أبدا. لا تبكين يا أميرة في حضن جدك فتزيدين الحزن حزناً وأحزانا، لا تعطي المصور فرصة أن يصورك، وأنت تمصين أصبع البراءة في حضن جدك الذي حل به الحزن، أنت يا أميرة.. أميرة في كل شيء، أميرة في الحزن والحب والكفاح والصبر والتضحية، أميرة كما أراد لك أبوك ان يسميك هكذا (أميرة)، لكن يا أميرة لن تريي أباك عبدالله بعد اليوم، لأن يد المنون أخذته بعيدًا.. بعيدايا أميرة، كوني صبرا وسلوانا، كوني بلسما وشفاء، كوني يا أميرة لثغة براءة وطهر، وأما عربية خالصة من الصمود والقوة، فما عرفنا عن اسرتك ياأميرة إلا القوة في الحياة، عيشي يا أميرة قوية كما عهدنا في القوة من معانٍ أقوى.
كل العيون التي شاهدت صورة أميرة في حضن جدها بكت، (وهي التي أثارت المشاعر)، كانت تلك العيون كريمة بالدمع، وكليمة القلوب بالحزن من أجل أميرة وغير أميرة ممن فجعوا في آبائهم الذين قتلهم الإرهابيون خديعة، ومن أجل كل الرجال الرجال معه من زملائه.
** وكذا أحسن الله عزاءك يا حسين البقمي، فقد كنت طفلا رائعاً متضمخاً برجولة الرجال، وأنت تقف صامدا تتقبل العزاء مع اقربائك، ما أقوى صبرك يا حسين، وما أكثر التماسك بين المفاصل التي هزها الألم والحرقة، أنت طفل في عقل كهل يا حسين، وهكذا يكون أبناء الرجال ذوي الصلابة والقوة، ستكون يا حسين قويا بعون الله.
وإليك أيها الشيخ الذي شارف على السبعين أو أكثر من أسرة آل شبعان، أراك حزينا بين أحفادك يا عوضك الله في الفقيد، وأحسن عزاءك، وعوضك في مصابك أجرا، وإلى كل أم فقدت أبا أولادها، أحسن الله عزاء كل مفجوع في فلذة كبده، وأحسن الله مثواهم جميعاً. حسبنا الله ونعم الوكيل، وإلى الله تصير الأمور..
فاكس: 2372911 |