ما أروع أن نمارس مراجعات ايجابية في قضايانا الاجتماعية والأسرية محاولين إعادة تشكيل ملامح منهج ملائم ذي إطار واعٍ وناضج في ظل متغيرات اجتماعية عديدة تشهدها هذه المرحلة.. ولعل قضية (الخادمات) أو (العاملات) الأجنبيات في المنازل هي واحدة من أهم المؤثرات التي تمسّ العمق الأسري وتتوغل في أبعاده فهي قضية متغلغلة في المحيط الأسري.. مطلعة عليه.. بداية الحكاية تجسدت في هموم الاستقدام فمن خلال قراءة متأنية في فضاء الاستقدام ستجد معاناة كثير من الأسر مع الخادمات وتعبهم من كثرة التجارب.. ومن عدة جنسيات.. بحثاً عن خادمة مطابقة للشروط والمواصفات!! مما يضطرّهم للرضوخ لجشع مكاتب الاستقدام التي كثيراً ما تقوم بتمرير خادمات غير صالحات للعمل.. مما يدخل الأسرة في دائرة مغلقة.
لقد أصحبت العاملة المنزلية في عرف المجتمع ضرورة ملحة ومحوراً مهماً في المدار الأسري.. لا يمكن الاستغناء عنه ولا سيما لدى الزوجات الموظفات.. بل امتد ترف الأسرة الى تشكيل فريق أجنبي داخل المنزل ما بين خادمة وأخرى مربّية بالإضافة الى السائق ولن نستغرب ظهور منصب سكرتيرة منزل للردّ على المكالمات الهاتفية!! آه لم يعد للبوح بقيّة!!
عمالة أجنبية تتوغل في أعماق المنازل لتؤثر في اجوائها الأسرية سلباً لا ايجاباً وبخاصة وان فئات كثيرة من الاسر لم تستطع ان تتعامل مع هذه الشريحة الوافدة تعاملاً حكيماً وناضجاً فالأبناء قد يرافقون السائق في مشاوير عديدة ويكتسبون منه سلوكيات غير محمودة.
والخادمة ربما ترك لها الحبل على الغارب بحيث تشكل مفردات المنزل كما تريد.. تتصرف بحرية تامة.. تتواصل مع الهاتف.. تنتقل في البيت كما تشاء.. تستغل وقت خروج الأسرة لتكون بمعزل عن الرقابة والمساءلة.. وقد استوعبت خريطة العائلة..
ولعل ما يؤلم انفرادها بفلذات الأكباد.. ترى بأي الأساليب ستتعامل معهم.. وبأي القيم والمبادئ ستغذيهم.. لتظل مفردات لهجتها المكسرة تدق اذهانهم.. في عصر نسي الأطفال ملامح أمهاتهم المبحرات فوق أمواج العمل!!
ومن السلبيات التي قد لا يفطن لها بعض الاسر أن تكون أسرار العائلة تحت مسمع ومرأى الخادمة التي تلمّ بخصوصيات الأسرة وتعرف أدقّ التفاصيل عبر نمط تعاملي خاطئ فكيف ذابت الحواجز لتصبح العاملة المنزلية فرداً من أفراد الأسرة!!
وهناك نماذج من الاسر تسئ الى الخادمة وتتعامل معها بقسوة وسطوة وتطالبها بالقيام بأعمال منزلية تفوق طاقتها وربما ماطلوا في تسليمها رواتبها مما يجعلها تضمر الشر والانتقام فأين رحمة الإسلام وسماحة العقيدة التي دعت الى العدل والانصاف والرفق.. وهل جرّبنا دعوة هذه الفئة الوافدة الى العقيدة لتكون سفيراً للإسلام في بلادها ولتحمل صورة طيبة عن مجتمعنا المتراحم..ولا شك ان طبيعة تعامل الأسرة مع الخادمة ستنعكس على تعامل هذه الخادمة مع الأطفال اللهم إلا لدى مجموعة منهن قد ملأ الحسد نفوسهن المثقلة بهموم الغربة وأحلام السفر!! قادم أنا ومعي مفردات تساؤلاتي المبعثرة.. متى يرتقي الفكر الأسري بفنّ التعامل مع الخادمات وقد اصبحن ضرورة مجتمعية وركيزة أسرية بل ومحوراً مهماً في فلك الأسرة حتى لا تسيح (ثقافة الخادمة) في أجواء المنزل وحتى يستطيع المجتمع العائلي احتواء آثارها وتحجيم موقعها.. بحيث تعطي حقوقها وتحترم انسانيتها وفي نفس الوقت توخي جانب الحذر والتحفظ في التعامل معها مع كونها تحت عين الرقابة والمتابعة.للأسف تلجأ بعض الأسر الى أسلوب الطيبة والثقة العمياء في التعامل مع السائق او الخادمة وتعتقد ان مجرد الاحسان اليهم واكرامهم سيجعلهم ملائكة!!
إنه الاهمال والتهاون والغفلة التي يدفع ثمنها أطفال أبرياء ينوءون بركام الفكر الوافد المعبأ بعادات ممسوخة وتقاليد غريبة.. فهل ثمة احرف تصّور مدى القصور الأسري.. مراقبة السائق ومتابعة الخادمة أمر مهم يحتمه ما نسمع ونقرأ من قصص واقعية ليست من نسج الخيال تكشف لجوء بعض الخادمات الى السحر والسرقة وربما اقامة علاقات غير مشروعة.. واكتسابها كثير من سلوكيات بنات جنسها هنا.. ومن ثم كان احتكاك العاملات او الخادمات ببعضهن وتواصلهن جانباً سلبياً فالنماذج السيئة ستفسد النماذج الجيدة - ان وجدت- وستقدم لها خبراتها وأساليب احتيالها..
ولا بد من التأكد من مضامين رسائل الخادمات (الذاهبة والقادمة) والاحاطة بمحتوى تلك الرسائل المبهمة.. فلا مكان للطيبة والثقة المفرطة بالأجانب الذين لا يربطهم بمجتمعنا سوى مرتب شهري قد لا يستحقون نصفه..
حقيقة نرى معاناة الاسر مع الخادمات بدءًا بالفيزة ومشاكل الاستقدام وتأهيل الخادمة المستجدة التي تضطر الاسرة الى معاملتها كضيفة مخدومة حتى تتقن العمل.. وشرّ البلية ما يضحك!! ومروراً بتجارب جنسيات مختلفة وبأعمار متنوعة لكن لابد من وضع آلية تعاملية واعية في التعامل مع العاملة الوافدة وليظل الإطار الذي يحويها هو العمل وفق دائرة واضحة.. منصفة.. بدون ظلم أو تعسف.. بشر تتجاوب مع ردود فعل ذاتها المسكونة بمشاعر الحنين الى اولادها وديارها..
دعوها تفيد من مبادئنا المباركة وتعود حاملة بعضاً من ملامح مجتمعنا العابق برائحة العقيدة.. وبشذى الوطن المعطاء.
محمد بن عبدالعزيز الموسى - بريدة
almosa .maktoob.com. |