الأستاذة رقية الهويريني
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.. وبعد:
لقد قلتِ قولاً وحررتِ وصفاً في مقالك (الجمال المنقوص) في صحيفة (الجزيرة) الغراء بتاريخ 2/12/1424هـ فأحسنت وأجدت ولكنك آلمت حيث لمست هما من همومي ونكشت جرحاً دائم الألم في نفسي ..إنه موضوع الوعي الحضاري أو قسم منه والشعور بالمسؤولية.
لقد عشت كل ما ذكرتِه من صور مؤلمة مكدرة خادشة للمشاعر خاصة في تلك المشاعر ومن المقلق فعلاً أن يجبر الإنسان على رؤية الخطأ من دون أن يستطيع إصلاحه أو على الأقل أن يسهم بشيء في هذا الاتجاه.
إن من يذهب إلى الحج يرَ بأم عينيه كم هو تخلف أبناء المسلمين حيث يفترض أن يتربعوا على عرش الحضارة وكم هو الانخفاض الشديد في منحنى الحس بالمسؤولية والأنانية المطلقة التي أفسدت صور التعاون بين الإخوة (إنما المؤمنون إخوة) (الحجرات من الآية 10) وقللت من حصول منافع الحج (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله) (الحج من الآية 28) بل أثرت سلباً على مستوى ذكر الله في قلب الحاج ولسانه بسبب ما تحدثه تلك الظواهر من انعكاس على التصرفات والردود المضادة التي قد تصل للعراك بالأيدي والسباب والشتائم مخالفين هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم .
إن الحج هو مؤتمر ضخم ولكنه مؤتمر جماهيري أكثر منه رسمي ولذا فالناس يبدون كما هم من غير رتوش ولا تزويق ولا تصنيع يأتون بكل ما لديهم من تصرفات وسلوكيات طيبة كانت أو خلافه ثم ان الحجاج من الناحية الاحصائية يمثلون شريحة عشوائية ولهذا فإني استطيع أن أصرح أن الحج هو ترمومتر الأمة نستطيع أن نقيس مستوى قوتنا العلمية والاجتماعية والسلوكية وإلى أي قدر اقتربنا أو ابتعدنا عن الوحدة الإسلامية المنشودة بكل وضوح وشفافية ولعل هذا موضوع خصب للمفكرين والتربويين.
ولكن عوداً على بدء ما هي الخطوات التي يمكن أن تتخذ للبدء في مشروع حضاري ينهض بمستوى الوعي الحضاري للفرد المسلم في كل مكان وأبدأ بهذا من بلدي ووطني.. ما هي الإجراءات التي اتخذت لتكريس مفهوم الحفاظ على الأملاك العامة والمرافق مع اني أجزم ولست مطلعا على أي احصائيات أن الدولة تخسر الكثير بسبب التصرفات غير المسؤولة من بعض الأفراد - وهل هم بعض فعلاً - فحتى متى ونحن نرضى أن نعيش بطريقة فوضوية ونقبل التصرفات العبثية على أنها حرية شخصية لا يمكن لأحد التدخل فيها؟ أين الأنظمة الرادعة لأمثال هؤلاء الذين يوزعون بالسلطان أكثر مما يوزعون بحكم شرعي أو استنتاج عقلي أو مصلحة راجحة.
لقد عنت لي فكرة زيارة شواطئ الأحساء الجميلة وقد كنت رأيت أعمالاً إنشائية من قبل تدل على اهتمام متزايد بتلك المنطقة فلما زرتها كم كانت الحسرة وكم كان الإحباط: المظلات الجميلة الأنيقة الجذابة العصرية المعمولة بطريقة إضفاء الخصوصية للمرتادين تحولت إلى لوحات مجانية لهواة الخط والرسم العشوائي - ولا تسل عن مضمون العبارات أو تلك الرسوم - فلم يتبق إلا قليل من السنتيمترات المربعة لتخبرك عن اللون الأصلي لتلك المظلة وبين مجموعة من المظلات وجدت دورات مياه بنيت على أحدث طراز ولكني قبل دخولي رأيت الكثير من المواد الصحية (سيفونات) مرمية خارجها فلما اطلعت على داخل تلك المنشآة عرفت أن ما رأيت خارجها كان نتيجة عمل عبثي وصل إلى حد الذروة فمصابيح الاضاءة محطمة في الأرض جميع حنفيات المياه مكسرة ,وقد لاحظت ان الذي قام بذلك بذل جهداً ضخماً كي ينجز ما أراد حيث بقيت حنفية استعصت عليه فتركها ملتوية فمها يشير إلى أعلى وكأنها تدعو عليه، والجدير بالذكر أن المقاول لازال مستمراً في بناء مجموعة أخرى من المظلات في نفس الخط.
أما النخيل الرائع على ضفاف الشاطئ ولا أعرف ان في المملكة نخيل بلح على شاطئ البحر إلا على شواطئ الأحساء (العقير) فالتعدي عليه بالحرق والقطع أمر أصبح معتاداً جداً وخاصة هذا الموسم (القادم) فهو موعد الهجوم على طلع فحول النخيل لتباع في الأسواق بأزهد الأثمان فيقوم المعتدي بقطع مجموعة من النخيل كي يصل إلى سف أو سفين بين النخيل المتراصة والنتيجة تدمير بيئة نباتية ساحرة الجمال لم نخسر في زراعتها قرشاً واحداً!
والسؤال المهم لماذا هذه الأعمال؟ لماذا يخرب أحد الناس على نفسه مرفقا ضروريا له؟ كيف يفكر هذا المخرب؟ ولماذا يخرب؟ ما هو الدافع للعمل المشين؟
هل يشعر بالحرج أثناء قيامه بذلك؟ أو الفخر؟ أي فئة عمرية هي التي تمارسها؟ أي شريحة اجتماعية يكثر فيها؟هذه أسئلة أتركها بين يدي مسؤول ومختص ...فما الحل؟
عدنان بن عبدالله العفالق /الأحساء / مدينة المبرز |