هذه أيام نغتسل فيها ونتطهر ونسمو فيها عن الجدل الأجوف... وإثم الكلام المطلق.. نحاول فيها أن نقترب أكثر إلى الروح فينا وهي تتألق بذكر الله.. وبذلك الصوت الذي ينساب عذباً في أسماعنا (لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك)..
** الحشود المؤمنة الملبية لنداء ربها العظيم .. تصطف في مكان واحد.. وفي وقت واحد.. وفي لباس واحد وبصوت واحد تهتف للمولى الكريم لبيك اللهم لبيك.. حشود من مختلف بقاع الدنيا ,غنيهم وفقيرهم قويهم وضعيفهم .. أسودهم وأبيضهم كبيرهم وصغيرهم.. جميعهم بنيان مرصوص في مكان معلوم يجمعهم بذكر الله.. فمن دخل مكة حاجا فهو آمن.. ومن دخلها في غاية في نفسه فقد ضيع ربه وضيع أمنه.!!
** وسط هيجان العنف العالمي .. وجنوح الأحداث السافرة في كل مكان إلى الجريمة والبطش والاعتداء وكأنه زمن الوحوش الضارية وليس زمناً يصلح للإنسان.. في هذا الواقع اللاإنساني الأليم من الإجحاف ألا يتحدث الإعلام العالمي (عن مكة ومنى وعرفة ومزدلفة) في هذه الأيام هي بقاع دون غيرها في العالم تحتشد فيها أعداد هائلة من الألوان البشرية والأجناس والأعراق والأسماء.. وكل هؤلاء المختلفون .. المتحدون - تحت رعاية الله أولا ثم خدمات حكومة المملكة العربية السعودية.. ومثل هذا الموقف الكثير التفاصيل.. العميق الأبعاد المليء بالصور والتناقضات هو امتحان لمقدرة أي دولة عصرية كيف تتعامل مع هذه الجموع الغفيرة.. وكيف تحافظ على أمنها وراحتها وكيف تسهم في تحقيق الطمأنينة والخشوع لشعائر حجها؟!
** هو امتحان ليس سهلا قط بل هو مواجهة مع واقع - عالمي- أليم ومختلف ... ومواجهة مع التاريخ- وهو يكشف عن حقيقة دولة وشعب.. حيث يعد هذا الموقف المتشعب المسؤول هو اللسان الناطق بالحقيقة كما هي حقيقية لمن يريد أن يعرفها لا لمن يريد (أن يفبرك غيرها)!!!
** كل هذه الجموع بألوانها المختلفة بجنسياتها المتعددة بأعراقها وأسمائها وانتماءاتها كل هؤلاء في عرف المملكة العربية السعودية (حجاج) .كل حاج فيهم له حقوق وله خدمات وله مكان في الرعاية والحماية والسهر على راحته ,والسعي في خدمته كلما دعت الحاجة ,وبدون حاجة كل السبل معدة ولخدمة الحجاج .حق الحاج كبير وتحملت مسئوليته المملكة العربية السعودية بلا منة ولا تفضل ولا ضريبة تقدم لها في مقابل هذه الخدمة المجانية لمن يقولون - آمنين مطمئنين - لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك!..
** الحاج آمن على نفسه ما لم يخن هو عهده مع الله أن لا يرفث ولا يفسق ولا يبتغي غير وجه الله في حجه المبرور وسعيه المشكور.
** وإذا كان اليوم مباحاً في أرض متعددة من العالم أن يحمل الإنسان سلاحا للدفاع عن نفسه في ذهابه وإيابه في بقاع الجريمة والبطش والاعتداء.. فإن (الحاج في هذا البلد الآمن) محفوظ والرعاية له مكفولة مادام جاء مخلصا لله ولم يشرك في إخلاصه غاية أو مخلوقاً!!
** في مكة ومنى وعرفة ومزدلفة تتضح أجمل صورة للتضامن الإسلامي.. وأجمل صور لواقع حقوق الإنسان من أي مكان، كان لقبه فقط (حاج) ومكفولة كافة الخدمات التي تحفظ إنسانيته.. وكرامته.. واقع وسط الظلام مضيء .. جميل فيه الجميل.. والأجمل انه لوجه الله تعالى لم تحوله المملكة إلى ربح أو مقايضة..
** حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً أيها الحاج الكريم.
|