في مناسبة جليلة مثل فريضة الحج ومع احتفال المسلمين بعيد الأضحى المبارك تتداعى نفوس أكثر من مليار مسلم، وتهفو حقيقة نحو ما يقوي نوازع الوحدة والقوة في هذا الكيان، والطريق للقوة يستوجب مواجهة النفس ومحاسبتها وتحديد الأخطاء من أجل انطلاقة سليمة.
ومن أرض الحرمين انطلقت الكلمات المسؤولة والرصينة مؤكدة على ضرورة النقلة الاسلامية النوعية لاستشراف آفاق جديدة واعدة مليئة بالخير واليمن لهذه الأمة.. ولم تغفل هذه الكلمات أهمية وضرورة تجاوز مكبلات النمو والتطور والوحدة والازدهار، حيث أشار خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الى السلبيات المتمثلة في الغلو والارهاب والتطرف باعتبارها إفساداً في الأرض وسعياً في الخراب، بينما جاءت دعوتهما الى التعاون على البر والتقوى وبناء جسور التواد والتراحم وكلها معانٍ رفيعة لن يكون السبيل اليها بأي حالٍ من الأحوال عبر التطرف والارهاب والغلو وإنما من خلال تمتين عرى الأخوة وتعزيز وسطية الاسلام والتأكيد عليها فهي التي تجمع وما عداها يفرق، فالغلو هو تطلع يعكس انحرافاً في الفهم وتفسيراً يغلب عليه الهوى.
وهكذا فقد جاءت تساؤلات فضيلة المفتي وهو يخاطب ملايين المسلمين في عرفات بل أكثر من مليار مسلم في العالم، حول من جعل الجهاد له شعاراً والتكفير له مطية: هل من الجهاد في سبيل الله سفك دماء المسلمين؟!
لقد جاءت هذه الكلمات الرافضة للغلو والإرهاب واقعة بيّنة لتؤكد في ذات الوقت ان الاسلام هو دين الرحمة والمودة والتعاون والتآخي بين البشر، ولذلك فإن المسلمين هم المسارعون فعلاً الى ترسيخ تلك المعاني النبيلة وان أناساً بهذه الصفات وهذا الالتزام بالتعاليم الاسلامية السمحة لا يمكن أن يصدر عنهم إلا كل ما هو خير وكل ما هو مفيد للإنسانية.
أما أخذ جموع المسلمين بجريرة فئة قليلة منهم وتعميم الأخطاء الفادحة على كل المحيط الاسلامي فإن ذلك لا يمكن أن يصدر إلا عن أناس يبيّتون النية لهذا الدين القويم ويترصدون أي سقطة لنفث سمومهم على الإسلام.
كما استمع ضيوف الرحمن والمسلمون عامة الى خطيب المسجد الحرام وهو يؤكد على أن الشريعة الإسلامية تميزت بالوسطية مشيراً الى ان الانحراف عن الوسطية هو الذي أدى الى ظهور فتنة التكفير الداعية الى الخروج على ولاة أمر المسلمين وإثارة القلاقل.
هذه الوقفات الثلاث في كلمة خادم الحرمين وسمو ولي العهد وفي خطبتي عرفات والعيد هي دعوة واضحة وصريحة للمسلمين لمواجهة أنفسهم واجتثاث مظاهر الخلل المتمثلة في الغلو والإرهاب وبالتالي إحباط أماني الذين يتربصون بهذا الدين لتوجيه سهامهم اليه، كما ان سلامة المجتمعات المسلمة تستوجب عملاً إسلامياً جماعياً لمحاصرة ووأد هذه التوجهات والمظاهر الشاذة.
|