هؤلاء الذين يتخبّطون في أوحال العُنف والإرهاب الممقوت، واستحلال ما بانت حرمته من الأفعال، إلى أين يذهبون؟ وماذا يدعوهم إلى هذه الدروب التي لا توصِّلهم ولا توصِّل مجتمعهم ولا أمتهم إلى خير ؟
أيُّ دوافعَ تدفعهم إلى استباحة دم مسلم معصوم الدَّم؟ وأي شبه تملأ عقولهم،وتسيطر على نفوسهم،وتهون عليهم القتل عياناً بياناً دون أن يفكِّروا في عقاب الله الشديد؟ هل هم أصحاب رؤية وفكرٍ راسخٍ في أذهانهم صاروا ينطلقون منه لا يفكِّرون في الزَّواجر القرآنية التي تحذِّر من القتل أشدَّ التحذير، وتصف من قتل نفساً بغير حق (فكأنما قتل الناس جميعاً)؟ أم أنهم مخدوعون مغرّرٌ بهم إلى درجة لم يَعُد لعقولهم فيها أثر، ولا لكلام العلماء معها فائدة، ولا لحرارة العاطفة القائمة على المودَّة والرحمة فيها مجال، فأصبحوا يوجّهون كما تُوجّه المتفجِّرات التي يستخدمونها عن بُعد، فيضربون، ويعتدون مدفوعين بما غُرس في أذهانهم من أفكار منحرفةٍ مخلوطة ببعض الأدلة والنصوص التي تفسَّر بغير تفسيرها الصحيح؟
أم أنهم حاقدون على أوضاع سياسية أو اجتماعية أو ثقافية، تشبَّعوا بروح الحقد حتى أعمت بصائرهم وحسَّنت لهم ما قَبُح من الأقوال والأعمال ؟؟
ويلكم يا من تشعلون نيران الفتنة في بلادكم، ويا من تثيرون القلاقل والاضطرابات في ساحات أهلكم، وبيوت جماعتكم، وتسوقون أنفسكم أولاً، والمجتمع ثانياً إلى حُفَرٍ معتمة ليس فيها إلا الدّمار، والعار والشَّنار
ويلكم يا من تسلكون هذه الطرق الملتهبة التي يختفي بها منطق الحق والوعي والبصيرة، ويظهر فيها منطق الانفعال، والباطل، وعمى القلب، وتظلُّون تركضون فيها ركض الواهمين، مع أنها طُرُقٌ لا توصِّل إلا إلى حُفرة الهلاك والضياع في الدنيا، والآخرة، ويلكم يا من تسوقكم الشُّبَه التي لا تثبت أمام الحق والدليل، ولا تقوم لها قائمة أمام الشرع الواضح الذي لا عوج في أحكامه ولا انحراف
اننا نناديكم بأصواتٍ مشفقة عليكم من عذاب الله سبحانه وتعالى، وخزي الدنيا والآخرة، ونقول لكم: اتقوا الله، واحذروا الفتن، فإنها - كما قال الأوزاعي - تُقبِلُ بشبهةٍ وتُدبِرُ ببيان، فكيف يرضى مسلمٌ يخاف ربَّهُ عز وجل أن يسلك طريقاً تخيِّم عليه الشُّبهة التي لا يمكن ان ترى معها عينُ البصيرة حقاً مهما كان واضحاً.
إننا نذكِّركم بتلك الشُّبَه التي تضخَّمت في عقول الخوارج، وكبرت في نفوسهم حتى أصبحت عندهم حقاً لا يُردّ، ويقيناً لا يُنقّض، وبها انطلقوا إلى استباحة الدماء، دماء المسلمين المعصومين، وحينما أصغوا مرّة واحدة إلى قول الحق رجع منهم ألفان في موقف واحد، أبصروا الطريق المستقيم بعد أن عميت عنه بصائرهم زمناً طويلاً.
أذكّركم بحالتهم التي وصفها الرّواة فقالوا: وجّه عليّ بن أبي طالب عبدالله بن عباس إلى الخوارج لإعادتهم إلى الصواب فلما سار إليهم رحّبوا به وأكرموه، فرأى منهم جباهاً قَرِحت لطول السجود، وأيدياً كَثَفِنَات الإبل، وعليهم قُمُصٌ مرخّصة، وهم مشمِّرون، قالوا ماجاء بك يا ابن عياس؟، قال: جئتكم من عند صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه وأعلمنا بربه، وسنة نبيه، ومن عند المهاجرين والأنصار، قالوا: إنا أتينا عظيماً حين حكمنا الرجال في دين الله - يقصدون التحكيم الذي جرى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما - فقال ابن عباس: نشدتكم الله إلا ما صدقتم أنفسكم، أما علمتم أن الله أمركم بتحكيم الرجال في أرنبٍ تساوي ربع درهم تصاد في الحرم، يقصد قوله تعالى: "يحكم به ذوا عدل منكم"، وفي شقاقٍ امرأة ورجلها؟ يقصد قوله تعالى: "فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها" -، فقالوا: اللهم نعم
لاحظوا معي تضخيم الشبهة في بداية كلامهم حينما قالوا: إنا أتينا عظيماً، ثم لاحظوا قولهم بعد ظهور حجة ابن عباس: اللهم نعم.. يا سبحان الله بتلك الشبهة يقتلون الأبرياء ويستحلون دماءهم زمنا، وهي شبهة باطلة قائمة على تفسير غير صحيح لأحكام شرع الله!؟ ولم يزل ابن عباس رضي الله عنهما ينقض ما كانوا يحتجون به وهم يقولون: نعم، ويقولون: صدقت، ثم يتوب منهم في المقام نفسه ألفان، ويبقى منهم أربعة آلاف بايعوا عبدالله بن وهب الراسبيّ، ومضوا في طريق ضلالتهم حتى انهزموا، وأفنتهم الحروب.
ويلكم آمنوا، دعوة نوجّهها إلى أولئك الذين يغوصون في أوحال الشبهات بطريقة تسوق إلى سوء المصير في الدنيا والآخرة.
اتقوا الله في أمن بلادنا، واجتماع كلمتنا، ووحدة وطننا، وتأكّدوا أنّ طريق العنف لا تسوق إلى صلاح ولا إصلاح، وأن العمل إذا حبط أهلك صاحبه مهما كان في مظهره عملاً صالحاً.
ما أجمل ان ينتصر الإنسان على شبهته وهوى نفسه ويخرج من سرداب الفتنة، قبل أن يقبل على ربِّه حاملاً أعباء دماء بريئة أهدرت بغير حق.
ويلكم آمنوا بالله وتوبوا إليه.
إشارة:
ماذا أقول لكم وبستان الرِّضا
أضحى بلا شجرٍ ولا إثمارِ |
|