منذ سنوات طويلة، وعلى الرغم عما يقال بأن مشاكل العراق قد سببت عدم استقرار في المنطقة، فإن نظرة سريعة على الاداء الاقتصادي للدول المجاورة وذات الصلة بالعراق، سنجد ان افضل فترات انتعاشها الاقتصادي كانت ضمن فترات العراق الصعبة، وهي بالتأكيد فترات ليست بالقصيرة.
فالحروب، الحصار، المناوشات السياسية، المفاوضات الدبلوماسية، امور جميعها كانت تضع العراق في خانة ضيقة، مما يؤدي بالتالي الى محاولته فتح منافذ جديدة بتكاليف مالية باهظة، تخرج من موارد العراق لصالح الدول الاخرى.
كما سببت هذه المشاكل، ارتفاعاً كبيراً وحاداً في اسعار النفط، وبالعودة الى اسعار النفط في عامي 1991 و2003 مع بدايات حربي الخليج، سنجد ان عشرات المليارات من الدولارات قد تدفقت الى اقتصادات المنطقة مستفيدة من هذه الارتفاعات.
وبنظرة على حجم التجارة الخارجية في مصر، سوريا، لبنان والاردن فإن فترة التسعينات واوائل القرن الحادي والعشرين، كانت بمثابة العصر الذهبي لصادرات تلك الدول البينية، وبدون الحاجة الى التفكير كثيرا، فإن العراق كانت محطة لاستقبال تلك المنتجات.
حتى اسواق المال، التي شهدت ارتفاعات كبيرة، وحققت للمستثمرين ارتفاعا في قيمة حصصهم المحفظية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات في جميع الاسواق نتيجة ارتفاع القيم السوقية الى مستويات قياسية في العديد من الاسواق، التي كان محركها الاساسي هو العراق فقد شهدت الاسواق العربية خلال عام 2003 مرحلة ارتفاع اولية مع بدء الحرب على العراق وبالتحديد خلال شهري مارس وابريل ثم بدأت مرحلة الارتفاع الثانية ابتداء من شهر يونيو ولغاية الآن وهي مرحلة اعادة اعمار العراق.
***
الاحداث المتسارعة التي مرت بها المنطقة من جهة، والاحداث الدولية من جهة اخرى خلقت موازين اقتصادية متغيرة، اكثر حدة وانعطافا، واصبح التعامل معها يتطلب وبشكل فوري قطع واستئصال كافة انواع البيروقراطية وترك الادارة التقليدية التي عفا عليها الزمن، اذا ما ارادت المنطقة بان تكون جزءا من النظام الاقتصادي الدولي، فإن القطاعات غير النفطية يجب ان تثبت كفاءتها، والقياس لن يكون على الصادرات النفطية بل على غير النفطية منها الانفتاح وترك حالة الانغلاق بدواعي الامن اصبحت مصطلحات مقرفة للكثيرين، الا اصحاب من يتبعها في المنطقة العربية. النظرة الشاملة وربط مفاصل الاقتصاد مع بعضها اصبح علما خاصا به والذين يقاتلون من اجل الحفاظ على المنصب الذي حصلوا عليه بسبب القرابة، والواسطة، المحسوبية والى غيرها من جراثيم قطاع الاعمال يجب ان يذهبوا الى غير رجعة.
وعام بعد اخر، بدأت حتى دول المنطقة تأخذ اتجاهات اقتصادية مختلفة بعدما وجدت عدم القدرة على التفاهم وخلق كيانات موحدة وقوية، فدولة الامارات العربية المتحدة، ستحاول استغلال علاقاتها المتميزة مع معظم دول العالم، وجني محصول ما زرعته خلال السنوات الماضية من جسور الثقة بينها وبين المستثمرين حول العالم، ليس من المتوقع ان يكون موسم الحصاد قد آن وقته، الا ان المزيد من التطور الاقتصادي وزيادة الايرادات المتحصلة من الخدمات على حساب الطاقة سيأخذ مساره وشكله الواضح الذي يمهد لتعميق وتثبيت نمط الحركة الاقتصادية في الدولة، الامر الذي سيعزز من ثقة جميع الاطراف حيث لا يزال البعض يشك في نوعية ميزان الطلب والعرض المستقبلي وبالاخص في المشاريع العقارية والمشاريع العملاقة.
وفيما يخص الاسواق المالية، فإن السوق سيشهد انتعاش اسهم الشركات الاساسية، ولا يتوقع ان يشهد السوق تغييرات جذرية يمكنه من الارتقاء الى مستويات عالمية في هذا الوقت، كما ان احجام التداول ستظل اقل بكثير عن اسواق المال لبعض الدول المجاورة. لا يوجد في الافق عمليات لاصدارات اولية، الا ان المفاجآت هي عنصر الحركة في السوق، فربما تتمكن شركة او اثنتان من استغلال توفر السيولة في السوق من جهة، وتحسن العلاقة بين المستثمر والسوق من جهة اخرى، فتقوم باصدار اسهم اولية لتعيد تنشيط وتحفيز السوق الثانوي.
كما سيكون اصدار السندات امرا اكثر قبولا وشيوعاً كأداة لتمويل الشركات، بعد خبرة سنتين على الصعيد المحلي، وتوفر المؤسسات القادرة على تغذية هذا التمويل والاستفادة من التقييم الجيد لدولة الامارات على الصعيد الدولي.
في المملكة العربية السعودية، من غير المتوقع استمرار اسعار النفط عند معدلاتها الحالية بسبب انتفاء ضرورات الارتفاع، فإذا ما انخفض مستوى سعر البرميل بحدود 20% كمعدل خلال عام 2004، فإن ايرادات المملكة ستنخفض الى مستوى 2 ،64 مليار دولار بالمقارنة مع 4 ،86 مليار دولار حصيلة ايرادات النفط المتوقع استحصالها خلال عام 2003 ستكون هذه الايرادات كافية لتحقيق فائض في الميزان التجاري ليصل الى 30 أو 31 مليار دولار لكنها اقل بما يقارب النصف لمستويات عام 2003 بالاخص اذا ما اضفنا زيادة في حجم الاستيراد بنسبة 5% في عام 2004.
خلال الاشهر القادمة، فإن الاقتصاد السعودي سيشهد تدفقاً في الاستثمارات الاجنبية في قطاعات الطاقة، الا أن قيمتها الفعلية في النظام الاقتصادي لن يستطاع تلمسه سوى في عام 2005، وبذلك فإن عام 2004 سيشهد تقلصا في نمو الناتج المحلي لما دون 1% خصوصا مع ترافق انخفاض في حجم الانتاج وانخفاض في اسعار النفط.
هذا التباطؤ الاقتصادي قد لا يجد ردودا مباشرة على السوق المالي، فعلى الرغم من ارتفاع السوق خلال 2003 الى 74%، فإن انتعاش ثقة المستثمرين بالسوق ستظل محافظة على نشوتها خلال عام 2004، لكن ليس بنفس نسب الارتفاع التي شهدناها في عام 2003 فخلال الاشهر الاولى، سيظل التركيز على اسهم الشركات القيادية واسهم الشركات التي يتوقع ان تحقق نتائج مالية سنوية جيدة وقدشهد عام 2003 ارتفاع اسهم عدد لا بأس به من الشركات لما فوق 100%.
وبلغ اعلى مكاسب لقيمة سهم من حيث النسبة المئوية لصالح شركة التصنيع الوطنية بمكاسب 3 ،183%، وجاء بالترتيب الثاني سهم التنمية الصناعية مع اغلاق 62 ريالاً سعودياً بمكاسب سنوية 6 ،175%، وحقق سهم شركة الخزف مكاسب لحاملي اسهمها بنسبة 3 ،159%، وارتفعت قيمة سهم شركة عسير بنسبة 1 ،154%.
وكانت لدى الشركات القيادية حظوظ في احتلال مواقع في قائمة افضل الشركات اداء حيث وصل سهم شركة الاتصالات السعودية الى 418 ريالاً سعودياً بارتفاع 9 ،145% بعد عملية اصدار اولية ناجحة، قد تفتح الطريق امام الشركات الاخرى للقيام بعمليات اصدارات مماثلة في المستقبل.
وتمكن سهم بيشة للتنمية الزراعية من حصد مكاسب سنوية بنسبة 3 ،140%، الرياض للتعمير 4 ،136%، تصنيع وسبك المعادن 125%، الصناعات الزجاجية 2 ،117%، الصناعات الاساسية 3 ،110% وحقق سهم بنك الجزيرة افضل اداء بين قطاع البنوك بارتفاعه 108% مع اغلاق السهم عند مستوى 251 ريالاً سعودياً، كما ارتفع سهم النقل الجماعي بحدود الضعف وهو نمط مشابه اتخذته الاسمدة العربية والعربية للانابيب.
جدول يوضح أداء بعض الاسواق العربية خلال عام 2003
البلد //قيمة المؤشر //التغيير لعام 2003م
الكويت //2 ،4790// 102%
السعودية// 2 ،4426 //76%
قطر// 3946,7 //69.8%
الاردن //261.5// 53.8%
عمان// 1439.3 //29.5%
لامارات//1439.3// 29.5%
البحرين// 2346.2// 28.8%
(*)المستشار الاقتصادي لشعاع كابيتال
|