* القاهرة - الجزيرة - عثمان أنور- محيي الدين سعيد:
تذهب الايام بحلوها ومرها بأحداثها الباردة والملتهبة وما يعلق منها في الذاكرة قليل: غير ان الأحداث القليلة التى حملتها ذاكرة عام 2003 طغت على كل الأحداث وحاز حدث واحد كل الاهتمام.. هذا الحدث هو احتلال العراق في ابريل 2003 ثم القاء القبض على صدام حسين بعد ثمانية اشهر من سقوط بغداد وهذا الحدث كما يصفة المراقبون هو الحدث الاهم في تاريخ العرب في السنوات الاخيرة بما اثاره ويثيره من تداعيات وهذا ما يظهره استطلاع رأي عدد من المفكرين والمحللين والخبراء حول أهم حدث في عام 2003.
أخطر الأحداث
الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب يرى ان احتلال العراق والقبض على صدام حسين أبرز أحداث عام 2003 ويعدان من أخطر الأحداث ربما منذ غزو العراق للكويت، مؤكدا ان السقوط الثامن لبغداد يمثِّل ضربة كبرى للنظام الاقليمي حيث أدى إلى اقتراب خطورة التفكير الأمريكي في إعادة صياغة الخريطة السياسية للمشرق العربي وإحياء مخاطر مشروعات استعمارية قديمة، كما انعكست تداعيات هذا الحدث على كافة أرجاء الوطن العربي والعالم وقد تابعه العالم من مشرقه إلى مغربه واعتقد ان الأمر الآن بما آل اليه بعد القبض على صدام حسين ان انتهت ذرائع الحرب على العراق ويجب بروز دور عربي قوي في مسألة إعادة الأمن والاستقرار للشعب العراقي وانتقال السلطة آلياً من قوات الاحتلال في المستقبل القريب لأن التخوف في الفترة القادمة ينصب في اقامة نظام اقليمي أمني جديد في الشرق الأوسط يضم اسرائيل لأن هذا يأتي في ظل الخطوات المتكررة لتعزيز الوحدة الأوروبية والتي تصاعدت خطورتها في شهر ديسمبر إلى مستوى المطالبة العملية بإنشاء قوة دفاع أوروبية مستقلة خارج إطار حلف شمال الاطلنطي وهو الأمر الذي تعارضه الولايات المتحدة كلية فهي تريد ان تقوم بالدور الرئيسي في الدفاع عن أوروبا وتفتح أسلحتها النووية على المسرح الأوروبي كله كما تريد توظيف حلف الاطلنطي لصالح الغرب ككل والولايات المتحدة بصفة خاصة.
ويرى الدكتور محمد عبد اللاه رئيس لجنة العلاقات العربية بمجلس الشعب المصري السابق ان سقوط بغداد في ابريل 2003 يعد أخطر حدث عربي ترك اثرا كبيرا على مختلف نواحي الحياة العربية مؤكدا انه حتى هذه اللحظة وخاصة بعد القبض على صدام حسين ما نزال نعيش اجواء هذا الحدث وتداعياته في الوقت الذي لا نرى فيه دورا مؤثرا للقوى العربية أو جامعة الدول العربية فيما يحدث كما ان امريكا تفعل ما تراه. ويضيف محمد عبد اللاه اذا كان سقوط العراق وأسر صدام هما أبرز أحداث العام بلا منازع الا ان القضية الفلسطينية ستظل ذات أولوية كبيرة في التفكير العربي، حيث تظل هي كما وصفها ملك المغرب الراحل الحسن بالشجرة الكثيفة في مستهل الغابة وتجيء وارءها كل الاشجار الاخرى.
تداعيات الحدث
ويرى الدكتور محمد السعيد ادريس الباحث بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام ان احتلال العراق وأسر رئيسه صدام حسين هو الحدث الاهم في العام المنصرم ويقول انه بعد سقوط صدام فان هناك احتمالين: الاول هو نهاية المقاومة العراقية اذا كان صدام حسين بالفعل هو محركها وقائدها وكذلك انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من العراق اذا كانت جادة فيما زعمت انها جاءت العراق من أجله وهو تخليص شعبه من الحكم الاستبدادي والتأكد من عدم وجود اسلحة دمار شامل وهما الهدفان اللذان تحققا مما يعني ان وجود الولايات المتحدة في العراق اصبح غير مبرر ويجب عليها الانسحاب ونقل السلطة إلى الشعب العراقي.
اما الاحتمال الثاني - والكلام ما زال لادريس - فان الأحداث في العراق سوف تشتعل اكثر بعد سقوط صدام وستنخرط في المقاومة عناصر جديدة كانت تتردد في المشاركة فيها خشية من عودة نظام صدام مؤكدا ان المقاومة سوف تستمر إلى ان تنسحب الولايات المتحدة، مشيراً في نفس الوقت إلى كذب المزاعم الأمريكية بشأن تحقيق الديمقراطية وتحرير العراق.
ويقول ادريس ان الولايات المتحدة اتت إلى العراق طمعاً في ثرواته وفي مقدمتها النفط، ليكون العراق نقطة مركزية ونقطة انطلاق للوثب على سوريا وايران وباقي دول المنطقة التي تسعى واشنطن إلى تغيير خريطتها. ويوضح ان الرئيس الأمريكي بوش ارتفعت اسهمه الانتخابية بعد القبض على صدام حسين مؤكدا في نفس الوقت ان نجاح بوش في الانتخابات سيظل مرهونا بما تحققه المقاومة العراقية في صفوف القوات الأمريكية من خسائر. ويرى ادريس انه اذا انسحبت القوات الأمريكية من العراق واكتفت بالقبض على صدام وتحقيق النصر العسكري فمن المتوقع ان ينجح بوش في تولي فترة رئاسية ثانية.
ويقول الخبير الاستراتيجي اللواء صلاح الدين سليم ان غزو العراق وسقوط عاصمته بغداد في التاسع من ابريل 2003 يعد أخطر حدث عربي ربما منذ غزو العراق للكويت وحرب الخليج الثانية في عامي 91، 1992، مؤكدا ان هذا السقوط قد احدث هزة ورجة كبيرة في المنطقة والعالم أجمع، وعلى الرغم من ان هذا الحدث قوبل بردود فعل قوية الا اننا لم نر دورا مؤثرا لجامعة الدول العربية في مسألة إعادة الامن والاستقرار إلى شعب العراق وتأهيله لانتقال السلطة اليه من قوات الاحتلال في المستقبل القريب.
ويرى سليم ان أخطر الأحداث على المستوى الدولي بعد غزو العراق هو الخطوات الأوروبية لانشاء قوة دفاع أوروبية مستقلة خارج اطار حلف شمال الاطلنطي وفي المقابل فان امريكا تريد توظيف حلف الاطلنطي لصالح الغرب ككل والولايات المتحدة بصفة خاصة، بل انها تريد حسب اللواء سليم ان يدفع الحلف ببعض قواته إلى العراق مثلما استجاب إلى المطلب الأمريكي بإنشاء قوة تابعة للحلف تعمل حاليا في افغانستان وتساعد قوات الاحتلال الأمريكي والقوات متعددة الجنسيات في ارض افغانستان لفترة ممتدة وغير محددة ليتأكد منها الطابع العلماني لافغانستان والتوجه الغربي لنظامها والولاء التام للمصالح الغربية فيها وبنفس الدرجة من الاهمية وكما يقول اللواء سليم فان واشنطن لا تقبل الاسراع بمشروع امريكا الأوروبية (الوحدة الأوروبية) أو التعجيل بإصدار الدستور الموحد ولا تريد قوة عظمى اخرى مع بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين سواء كانت الصين أو أوروبا الغربية وانما تريد قوة أوروبية سواء كانت من غرب أو وسط أو شرق أوروبا موالية وحليفة لها دون ان تتطلع للتوازن الاستراتيجي الشامل مع امريكا في عالم متعدد الاقطاب.
سقوط عربي
الكاتب والمؤرخ المعروف الدكتور عبد العظيم رمضان يقول ان غزو العراق هو اهم حدث بدون شك في عام 2003، مشيرا إلى ان الغزو كان نتيجة طيبيعية لاحداث 11 سبتمبر واحد ثمارها في نفس الوقت الذي أثبت فيه هذا الغزو فشل العرب في انقاذ الشعب العراقي بعد رفضهم أو تجاهلهم لمبادرة الشيخ زايد.
ويؤكد رمضان ان هذا الرفض سلَّم الشعب العراقي غنيمة سهلة للولايات المتحدة حيث سقط العالم العربي في اختبار انقاذ شعب العراق مما أدى إلى تعرض إحدى دوله الكبرى للخراب والدمار وتعرضها لأخطر غزوة في تاريخ هذه الدولة.
ويرى رمضان ان النظام العربي كان عاجزا عن الفعل في هذه الأحداث لكون الرئيس السابق صدام حسين كان أقوى من هذا النظام مؤكدا انه يجب تغيير هذا النظام ليكون هو الأقوى من أي طاغية حتى لا تثير هذا الحدث الذي ستكون تداعياته مستمرة.
هزيمة متدرجة
حمدين صباحي عضو مجلس الشعب يقول إن الحدث الأهم على الإطلاق هو الاحتلال الأمريكي للعراق، مشيرا إلى انه حدث ممتد ويؤثر على مرحلة طويلة وأهم تداعياته هي بدء تحول الاحساس بانتصار عسكري أمريكي إلى ملاقاة امريكا لهزيمة تتم بالتدريج نتيجة بسالة المقاومة العراقية وبدء تلقي الامريكان خسائر يومية وإحساسهم انهم تورطوا في مستنقع لا يمكن ان يخرجوا منه سالمين.
ويعتبر صباحي ان الاتساع الهائل للحركة الرافضة للحرب والهيمنة الأمريكية ودخول كل شعوب العالم تقريبا كأطراف فيها أدى إلى حضور مكثف وهائل في العام 2003 رغم انها شبكة لا يربطها أي رابط تنظيمي محدد بالمعاني التقليدية للتنظيمات وأنها هي تعبير عن رفض الضمير العالمي لهذا الاحتلال الأمريكي، مشيرا إلى ان هذه الحركة مستمرة وتربط الآن بين النواحي ذات الطابع الاقتصادي والثقافي اضافة إلى السياسي والامني في رؤية ظاهرة العولمة والتصدي لها.
عودة الاستعمار
الكاتب والمفكر عبد الغفار شكري نائب مركز البحوث العربية والافريقية يتفق مع كل الآراء السابقة في ان احتلال العراق هو اهم حدث في عام 2003 ويقول ان هذا الحدث يمثِّل خطراً مباشراً على الأمة العربية لانه أولاً يحرم الأمة من امكانيات بلد عربي كبير هو العراق وتصفية الجيش العراقي هو انتقاص من القدرة العربية بشكل عام. وثانياً ان امريكا ستنطلق من احتلال العراق إلى الضغط على سوريا وعلى الدول العربية الاخرى من اجل الوصول إلى تسوية للقضية الفلسطينية لا تحقق الحد الادنى من الحقوق الوطنية المشروعه للشعب الفلسطيني فتفرض هذه التسوية انطلاقا من وجودها العسكري المباشر في المنطقة.
ويضيف شكري ان الولايات المتحدة لا تخفي ايضا انها تريد ترتيب اوضاع المنطقة مرة اخرى بحيث تفرض دور قيادي لاسرائيل من خلال استبدال علاقات الدول العربية ببعضها في اطار جامعة الدول العربية بالمشروع الشرق اوسطي معتبرا ان احياء هذا المشروع من جديد هو عبارة عن تأكيد لدور تلعبه اسرائيل لصالح الاحتكارات الرأسمالية العالمية وايضا لصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
ويتفق الفنان نور الشريف مع كون احتلال العراق والقبض على صدام حسين هما ابرز احداث عام 2003 ويضيف كنا في مرحلة تصفية أوضاع الاستعمار والاحتلال وبداية عصر الديمقراطية والحريات ليأتي هذا الغزو دون أي مبرر، مشيرا إلى الحاجة إلى جهد شعبي عالمي وعربي في المقدمة لتسريع عملية تسليم السلطة للشعب العراقي. ويرى الشريف ان الولايات المتحدة عادت مرة اخرى إلى اساليب الاستعمار القديم ورغم انها كانت اساس الاستعمار الجديد وهو الاحتلال بأساليب غير مباشرة لكنها عادت مرة اخرى إلى اشكال الاستعمار القديم عندما احتلت افغانستان ثم العراق وان أخطر ما حدث هو التحول إلى اشكال الاستعمار القديم وان اهم ما نتج عن احتلال العراق هو انقسام المجتمع الدولي بشأن هذا الحدث والذي ما زال يلقي بتداعياته على المنطقة العربية والعالم.
|