الحمد لله الذي أنعم علينا بنعم عظيمة ومنن جليلة كريمة أنعم علينا بنعم لا تعد ولا تحصى، أنعم علينا بنعمة الإيمان ونعمة الأمن والأمان ونعمة رغد العيش في الأهل والأوطان، وأنعم علينا بنعمة الإسلام وشرفنا باتباع خير الخلق وأفضل الأنام عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى السلام ومع هذه النعمة العظيمة نعمة الإيمان والإسلام تتبعها نعمة الأمن والأمان فمن أسلم لله في الجنان ووحده بالجوارح والأركان ألبسه العافية في الأهل والأوطان والولدان {الّذٌينّ آمّنٍوا وّلّمً يّلًبٌسٍوا إيمّانّهٍم بٌظٍلًمُ أٍوًلّئٌكّ لّهٍمٍ الأّمًنٍ وّهٍم مٍَهًتّدٍونّ} وفي دعاء ابراهيم عليه الصلاة والسلام {رّبٌَ اجًعّلً هّذّا بّلّدْا آمٌنْا وّارًزٍقً أّهًلّهٍ مٌنّ الثَّمّرّاتٌ} فقد بدأ عليه السلام بطلب نعمة الأمن لذريته قبل طلب الرزق لهم.
قال العلامة الرازي مبيناً حكمة ذلك «والابتداء بطلبه نعمة الأمن في هذا الدعاء يدل على انه أعظم أنواع النعم والخيرات وانه لا يتم شيء من مصالح الدين والدنيا إلا به» وسئل بعض العلماء: الأمن أفضل أم الصحة؟ فقال الأمن أفضل، وبين العلامة الشوكاني حكمة الابتداء بطلب الأمن بقوله «وقدم طلب الأمن على سائر المطالب المذكورة بعده لأنه إذا انتفى الأمن لم يفرغ الإنسان بشيء آخر من أمور الدين والدنيا ولا شك في عظم قدر نعمة الأمن وتجلى هذا كذلك في قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم «من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» وقوله: «آمناً في سربه» أي آمنا في نفسه غير خائف من عدو ونحوه والمراد هنا آمناً على نفسه وأهله وعياله وماله، هذه نعمة الأمن التي لولاها لما طابت الحياة ولو زالت لتنغص العيش وذاق العبد الضنك والضيق.
الأمن الذي يعيشه الإنسان صباح مساء، ولا يعلم مقدار فضل الله عليه أحد سواه الواحد منا في أمن وهو في بيته وهو في أمن وهو في متجره وسوقه وبيعه وشرائه وعمله وفي حضره وسفره، أين هذا الأمن في مشارق الأرض ومغاربها؟ إن هذا الأمن الذي نعيشه جميعاً لم يكن وليد الصدفة ولكن الله سبحانه وتعالى قيض له من كان سبباً في وجوده وهم ولاة الأمر في هذا البلد الأمين حينما وفقهم الله وسددهم وأرشدهم واختارهم لحماية هذه البقعة الطيبة المباركة بلد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية، نقول ذلك والله شهيد على ما في قلوبنا فهو ليس نفاقاً ولا رياء، فمن الحق أن يقال للمحسن أحسنت فما من مسلم في مشارق الأرض ومغاربها إلا ويدين لهم الفضل بعد الله تعالى في حجه وعمرته بل وفي عمله وكسبه وعيشه.
إنه في ظل الأمن والأمان والإيمان تحلو العبادة ويصير النوم سباتاً والطعام هنيئاً والشراب مريئاً، الأمن والأمان عماد كل جهد تنموي وهدف مرتقب لكل المجتمعات فالمجتمع إذا آمن وإذا أمن نما فأمن وإيمان ونماء فلا أمن بلا إيمان ولا نمو بغير ضمانات ضد الهدم.
قال الله تعالى: {الّذٌينّ آمّنٍوا وّلّمً يّلًبٌسٍوا إيمّانّهٍم بٌظٍلًمُ أٍوًلّئٌكّ لّهٍمٍ الأّمًنٍ وّهٍم مٍَهًتّدٍونّ }.
وأظلم الظلم هو الشرك بالله فهو أم الكوارث وأبوها وتكفير العلماء والولاة ظئر الفوضى. إن حادث التفجير الإجرامي في الرياض إنما هو حكاية خبث الشيطان وألاعيبه بالإغرار من البشر، نعوذ بالله من همزات الشياطين ونعوذ به أن يحضرونا. إن المزايدة على أمن هذه البلاد أو التكفير لعلمائها وولاتها ودعاتها مدعاة للسخرية والفوضى المفرزين للممارسات الشاذة المرفوضة بداهة وغير المأذون بها شرعاً أو القبول لها تحت أي مبرر كان بل هي من نسج الأعداء وإن استعملوا في تنفيذها أبناء الإسلام وإغرارهم لزعزعة كيان الأمة بإفساد دينها وسلب أمنها ومقدراتها.
وشباب هذه البلاد نهلوا تربية إسلامية غير معوجة وأفكارهم وأطروحاتهم مبنية على ركائز العقيدة الصحيحة وهم في ذلك ثمرة علمائها وشعب حكامها.
وإن ما قام به أمثال هؤلاء إنما هو نشاز ممقوت لا يمثل السواد الأعظم الذي يعلم مسؤولياته تجاه دينه وعلمائه وولاته والذين حرصوا ألا يكونوا أبواقاً ينفخ من خلالها المغرضون ومطايا يمتطيها الحاقدون ضد هذه البلاد وعقيدتها.
إن الرغبة في تكفير الناس وانتقاص أقدارهم بلا مبرر شرعي مرض نفسي بالغ الخبث وفتنة عمياء تجعل المصابين بها غرباء على مجتمعهم أو عقبات أمامه أو غبشاً في مرآته، وإن الذي يحسن اتهام الناس بالفسق والكفر ولا يحسن التنقيب في جنبات نفسه لاكتشاف عللها لا يصلح أن يكون عضواً فعالاً في المجتمع فضلا عن أن يكون مسؤولاً أو مربياً، وإن مزعزعي الأمن ومكفري العلماء والولاة إنما يهيلون التراب على تراث المسلمين كله وهم بذلك يقطعون شرايين الحياة عن الأجيال الحاضرة والآمال المرتقبة وهم يخدمون بذلك عن وعي أو غباء الغارة الاستعمارية على دار الإسلام من خلال عمل أخرق يزيد السقم علة والطين بلة ويطيح بالمسلمين ويوصد أمامهم أبواب الحياة الآمنة.
فيا أيها الموجهون والعلماء اضبطوا أمتكم بتوجيهاتكم وتربيتكم وعنايتكم، وجهوا الشباب واجلسوا إليهم وناقشوهم، علّموهم وصحّحوا أفكارهم وفندوا الشبهات التي علقت في أفهامهم، افتحوا صدوركم وبيوتكم لهم ستجدوا النتيجة الطيبة والعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم إنا نسألك الأمن في الأوطان والأمن في الأموال والأنفس والأهلين إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
المراجع
1 ابراهيم عليه السلام أبا.. لفضل إلهي.
2 الدر المختار.. للشيخ محمد المختار الشنقيطي.
3 وميض من الحرم.. للشيخ سعود الشريم.
|