Sunday 1st February,200411448العددالأحد 10 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شيء من شيء من
محاكمة صدام
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

يدور جدل هذه الأيام في الصحف وفي القنوات الفضائية حول محاكمة صدام حسين، ومن الذي سيتولى المحاكمة، وإلى أي قانون سيتم الاحتكام إليه، وهل ستكون محاكمة عادلة تتوفر فيها أركان المحاكمة العادلة، أم أنها ستكون محاكمة صورية تتم اتخاذ الحُكم فيها بليل؟.. كل تلك أسئلة لا قيمة لها في نظري لسببين: أولهما: مثلما أن المنتصر دائماً هو الذي يكتب التاريخ، فهو أيضاً من يتولى محاكمة خصومه بالشكل الذي يريد ويتناسب مع مصالحه ، وهذا جزء من غنائم المنتصر في الحرب، ولعل ما حدث بعد سقوط ألمانيا النازية في أيدي الحلفاء يثبت ما أقول. السبب الثاني: أن جرائم صدام وأركان نظامه هي من الوضوح والتوثيق بالصوت والصورة ناهيك عن الدلائل الثبوتية الأخرى، بالشكل الذي لا يختلف على تجريمه استنادا إليها اثنان؛ ودعك من إرجافات المرجفين.
وبعيدا عن هذا الجدل العقيم فإن صدام مجرم بكل المقاييس وفي كل الشرائع. وأي حكم يتم الحكم به عليه، مهما قسا، هو جدير به بكل تأكيد؛ بل سيبقى في رأيي أقل ما اقترفه من جرائم تقشعر لها الأبدان.
غير أنني أجد أن الظروف الأمنية في العراق الآن وفي المستقبل المنظور ستؤثر بلا شك على مجريات هذه المحاكمة فيما لو تمت داخل التراب العراقي.
كل الأخبار تؤكد أن (فدائيي صدام) أو بلغة أدق المستفيدين من النظام السابق، ما زالوا أقوياء ومنظمين. فهم - كما تقول كل التقارير الاستخباراتية - من يدير وينفذ عمليات المقاومة ضد القوات المتحالفة في العراق. وهذا ما سيجعل سلطة الادعاء وكذلك القضاة هدفاً متوقعاً لمثل هذه العمليات،الامر الذي سيجعل الجميع: قضاة ومدعين ومحامين، يشعرون باللاأمن. وهذا الشعور في حد ذاته كفيل بإرباك هذه المحاكمة. لذلك لا بد من إجرائها خارج العراق، أو تأجيلها ريثما يتم استقرار الأوضاع الأمنية هناك.
الأمر الآخر والذي هو بمثابة (مربط الفرس) في هذه المحاكمة التي ينتظرها الجميع، هو مدى المخاطرة التي سترتكبها الولايات المتحدة الأمريكية، حليف الحكم العراقي الجديد، فيما لو تمت بشكل (علني).. صدام بقي متربعاً على كرسي الحكم لمدة تزيد عن ثلث القرن، وهو لذلك يحمل (خزنة من الأسرار) السياسية، وبالذات تلك التي كانت تدور خلف الكواليس، سواء مع الأمريكيين والأوروبيين، أو مع الأطراف العراقية الفاعلة، وتحديداً مع الحزبين الكرديين اللذين كانت لهما الكثير من الاتصالات مع السلطة العراقية المخلوعة، ومثل هذه الاتصالات لا تخلو - كما تقول بعض التقارير من أمور يحرص ممثلو الأكراد على إخفائها. صدام خسر كل شيء، ولم يعد لديه ما يخسره، وليس أمامه إلا الانتقام من أعدائه. لذلك فإنه لن يتورع من كشف كل أوراقه، ونثر ما تحتويه خزنته المعلوماتية من أسرار بشكل علني، الأمر الذي سيجعل بإمكانه خلط الأوراق من جديد، وتكبيد أعداء اليوم من الهزائم على المستوى السياسي ما لم يستطع من تحقيقه عسكرياً. وغني عن القول إن مثل هذه المعلومات السرية لن تكون في مصلحة الأمريكيين ولا في مصلحة حلفائهم في الداخل،
فبغض النظر عن مصداقية ما سوف يطلقه صدام من اتهامات وما سيكشفه من أوراق في دفاعه عن نفسه، فإن مثل هذه التهم ستجد لها سوقاً رائجة لدى شعوب تؤمن بنظرية المؤامرة وتحيل إليها كل اخفاقاتها. وعندما قال وزير الخارجية الأمريكي كولن باول: (إن القرار الخاص بكيفية محاكمته يعود إلى العراقيين أنفسهم) كان في الواقع يقذف بالكرة إلى ملعب العراقيين، وهو يدرك مدى تضرر بعض الأطراف العراقية الفاعلة سياسياً من إجراء هذه المحاكمة (علناً)، فضلاً عن أنه يريدهم أن يتخذوا قرار (سرية المحاكمة) نيابة عنهم، نظراً لحساسية أن يتخذ الأمريكيون مثل هذا القرار الذي لا يتواكب مع الشفافية الإعلامية التي يطالبون دول المنطقة باعتمادها.
ولعل تراجع رونالد رامسفيلد عن اعتبار صدام أسير حرب، كما تم تصنيفه عند القبض عليه، والتأكيد على أنه لم يبت بعد في اعتباره مجرم حرب أو أسير حرب، يبقي الباب موارباً لاختيار الشكل المناسب للمصالح الأمريكية في كيفية محاكمته.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved