إن أفضل طريقة لتعلم كلمات لغة أجنبية هو أن تصادفها في الحياة لا في الكتب. قرأت كثيراً من الكورسات والكتب التعليمية التي تتضمن كلمة أو اختصار « VIPs »ولكني لم استوعبها بالكامل. في إحدى السنوات تعرفت على هذه الكلمة بطريقة تدريبية نموذجية، ففي السبعينات الميلادية كنت في إحدى المطارات وكنت حينها غشيماً لغةً واصطلاحاً ولا أعرف الفروق الطبقية التي ينتجها الثراء كنت أظن أن الغرب تجاوز هذه الفروق وتركها لنا، أثناء انتظاري ساعة اقلاع الرحلة لاحظت صالة أنيقة يجلس فيها بعض الناس لمحت فيها رجلاً كان يقف معي على نفس كاونتر الرحلة التي سوف أكون عليها، بعد قليل ومن دون تردد «لقطت شنطتي» ودخلت معه وجلست في انتظار الطائرة، بعد دقائق جاءني «جرسون» وسألني: ماذا تريد أن تشرب؟ ما كان لي نفس في أي مشروب ولكن ما دام الجرسون عرض عليَّ خدماته فلا بأس من شرب شيء مجاملةً له، فطلبت قهوة و سجل طلبي في ورقة ثم طلب مني بطاقة الصعود مددت له البطاقة وعندما اطلع عليها قال: سيدي هذه الصالة خاصة بال (VIPs)
ما كنت حينها أعرف معنى هذه الكلمة، فسألته ما المقصود ب« VIPs » قال:يعني الناس المهمين،فقلت:كيف أكون من الناس المهمين والمميزين؟ فقال: تدفع أكثر يعني تكون من ركاب الدرجة الأولى، خطفت شنطتي من الأرض وأنا أقول: إذا كان عليّ أن أسافر بالدرجة الأولى لأكون من ضمن« VIPs » فلا يبدو في الأفق أن هناك فرصة لأن أكون واحداً من منهم.
حمدت الله أنني جئت من عالم يدين بالإسلام ولا يعرف في ثقافته مثل هذا التمايز، كل يجلس في المكان الذي يعجبه والتفاضل بيننا بالاحترام وبالسن. تحرك الزمان وكان لابد أن أكون ضمن حركة هذا العالم بل دارت الأيام لأجد نفسي من(VIPs) بطريقة وأخرى خصوصاً إذا سافرنا على حساب الحكومة
أو على حساب الشركات لم أعد أشعر بالتمايز فمرة لي ومرة عليّ، في الأساس لا يوجد ما يدعو للغيرة والحسد فقد منّ الله عليّ كمسلم فرصة التساوي مع أغنى أغنياء الأرض لقد فرض الله علينا مجموعة من العبادات التي لا تميز بين الفقير والغني.
عبادات تؤكد على التساوي بين البشر فليس هناك مكان معين في الصلاة لناس دون ناس كما أن الصوم يساوي بين أفقر رجل في العالم وبين أغنى رجل إذا آمن برسالة محمد كما جعل الله فريضة الحج فرصة للبشرية جمعاء كي تلتقي على صعيد واحد دون تمايز حتى في اللباس. إن أخطر ما في الرأسمالية هو قدرتها على التسلل إلى أخطر الأماكن لم أتخيل في يوم من الأيام أن أقرأ اعلاناً للحج يكون شعاره كلمة (VIPs) كل شيء ممكن إلا أن يعلن مطوف أنه يؤمن لحجاجه حجاً(VIP). فهذه الكلمة ليست محايدة ففي دلالتها بعد طبقي اخترعه الرأسماليون لاجتذاب الأغنياء ذوي الميول الطبقية الذين يرغبون في التظاهر بالرفعة والتعبير عن تميزهم ودخولها على فريضة الحج دخول مشبوه غير مقبول فإذا كان هناك متميزون في الحج فهم كبار السن أو من يعانون من بعض المشاكل التي تحتاج إلى عناية خاصة أو حتى هؤلاء المسؤولين الذين يحتاجون إلى حماية معينة فالحج هو ركن من أركان الإسلام والسفر للحج فريضة وليس سياحة حتى يتحول إلى التمايز على الأقل احتراماً للأهداف النبيلة التي تقف وراء هذه الفريضة ان يفرض على هؤلاء التجار البحث عن كلمة مناسبة غير هذه الكلمة البغيضة التي تؤصل شيئاً حاربه الإسلام على مدى ألف وخمسمائة سنة دون هوادة.
فاكس 4702164 |