* حاوره - حسن محني الشهري:
* الدكتور ناصر بن مسفر الزهراني إمام وخطيب جامع ابن باز بمكة المكرمة ورئيس لجنة العفو وإصلاح ذات البين بإمارة مكة المكرمة والأستاذ بجامعة أم القرى والشاعر المعروف والباحث والمؤلف.
* صدر له كتاب الساعة قبل أيام الذي يتحدث عن موضوع الساعة والذي يشغل العالم أجمع بصفة عامة والعرب والمسلمين وبلادنا الآمنة بصفة خاصة.
* الكتاب حمل عنوان (حصاد الإرهاب) والذي فنّد فيه الشيخ الدكتور ناصر الإرهاب بكل نوازعه وحصاده بأسلوب علمي باحثاً لأسبابه ومعالجاً لظواهره المختلفة.
التقيناه في هذا الحوار والذي تحدث معنا حول هذا الجانب المهم والخطير..
* قضية الساعة الآن هي الإرهاب.. وموجات الهجوم الشرس على المملكة.. كيف ترون تلك الصورة وما هو تقييمكم لها؟
* ولذلك أقول إن المسلم لا يجب أن يتعامل مع الأحداث بعواطفه بل بما يمليه عليه الشرع ويرتضيه الخالق ويتابع فيه النبي صلى الله عليه وسلم.. وفي رأيي أن هذا الزمن اختلط فيه الحق بالباطل والظلم بالعدل والجهاد بالإرهاب ولذا فإن السكوت عن الإسهام بكلمة الحق في مثل هذه الظروف لهو في نظري هروب يوم الزحف.
أما ما يقال عن الإرهاب في أيامنا هذه فهو من وجهة نظري أتى نتيجة لأفكار مندفعة وردود فعل طائشة فلا يعقل أن نتزيا بردائها ونعالجها بدائها إن للعلم حيلة وللعقل وضاءة وللحكمة جلالا وللفقه مهابة وللاقناع سبلا وأنا أحمد الله تعالى أن هذه البلاد قد منّ الله عليها بولاة أقاموا شرع الله وجمع الله بهم الكلمة وقضى بهم على أسباب الفرقة وهي ملاذ للمؤمنين بعد الله تعالى فقد حفظ الله بولاتنا الأمن وفتح منافذ الخير وقضوا على مظاهر الشرك ونصروا قضايا المسلمين فلنصدق الولاء ولنوطد الإخاء ولنوثق البناء..
* ما رأيكم في خروج البعض منا علينا خاصة أن بعض شبابنا غرر به ودخل في معترك كبير أضر به وأضر بنا؟
- أقول إنه في هذا الزمن كشّر الأعداء عن أنيابهم وتآمر الألداء على الإسلام وأهله فألصقت بنا التهم وحيكت لنا الحيل واختلقت علينا الأكاذيب فتنادوا بالحرب وأعلنوا العداوة تحت ستار الحرب على الإرهاب والسعي لنشر العدالة وإننا بدلا من أن نكون صفا واحدا في وجه هذه المؤامرات الآثمة وبدلا من أن نجتهد في أن نكون رحمة للعالمين نفاجأ بين الحين والآخر بأناس من بني جنسنا وفئام من ذوي ديننا يكونون عونا للأعداء وشظايا في حلوقنا فنادوا باسم الجهاد وتمادوا في المتالف وأساءوا للدين وأهله وأوذي بسببهم المسلمون وراح ضحيتهم أبرياء وتعطلت مصالح كبيرة ومنافع كثيرة إضافة إلى تعديهم على الدين وتشويههم للمنهج وتجاسرهم على الفتوى، وإن في كتب أشياخنا ومؤلفات علمائنا في هذا العصر من أمثال سماحة الشيخ الإمام عبدالعزيز بن باز - رحمه الله- والإمام ابن عثيمين - رحمه الله - كلاماً كثيرا عن أمثال هؤلاء وتحذيراً كبيراً من أفعالهم وأنهم على منهج خاطئ وطريق مخيف يجب التحذير من شرهم والوقوف في وجوههم، فلنرجع إلى كلامهم النفيس وبيانهم الواضح ولكي نقدم ما عندنا في ثوب من الحكمة وحلل من العلم ومدد من البصيرة.
معنى الإرهاب
* ظهرت تعريفات كثيرة للإرهاب.. ما هو تعريفكم أنتم مع توضيح قرآني لهذه الكلمة التي نختلف حولها كثيراً؟
* وكذلك قوله تعالى { ِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} *الأنفال: 60* وقوله تعالى {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} *الأعراف: 116* وقوله تعالى{ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} *البقرة: 40* إذن فالمسمى الصحيح في إطلاقه هو على أعمال العنف التي تحدث الخوف في القلوب والرهبة في النفوس وفي حياة الناس عموما ولكن الذي لا يصح فيه هو أن يؤخذ ستارا للحرب على الإسلام والوقوف في وجه الدعوة.
آية الإرهاب..!!
*.. فما ردكم على ذلك؟
- أقول إن المقصد من هذه الآية هو دعوة المؤمنين لأن يكونوا دائما في مظهر القوة ومنزل الكرامة وذلك بالإعداد الدائم والترقي المتواصل في أسباب القوة ومراقي الفتوة لا ليعتدوا بقوتهم على الآخرين وليخيفوا الآمنين ويذبحوا الأبرياء بل لتكون تلك القوة مصدراً لرهبة العدو منهم وخوفهم من قوتهم واحترامهم لسيادتهم فلا يطمعون للنيل منهم أو التعدي عليهم أو اضعاف شوكتهم.. لتكون تلك القوة لتوزيع الهداية على الناس ومد رواق الرحمة على الدنيا، وهذه الآية بها عدة مظاهر:
أولها: الله أمرنا بأن نعد ما استطعنا من قوة وما يفعله هؤلاء يضعف المسلمين ويرهق كواهلهم بما له من تبعات.
ثانيها: إن الآية تدعو لإعداد القوة لإرهاب الأعداء وهذه الأعمال يعود إرهابها وتخويفها على المسلمين الأبرياء وذلك بما يحدث منهم من ضحايا وبما يحدث من غضب الأعداء وانتقامهم لأنفسهم انتقاما لا يفرق بين ظالم ومظلوم وبريء ومسيء.
ثالثها: الله أمر بذلك على الأسلوب الجماعي وما يقوم به هؤلاء هو سبب للفرقة وتشتيت للألفة.
رابعها: المقصود إرهاب من تبينت عداوته وظهر مكره أما ما يرتكب من أعمال العنف توجه للعزل والأبرياء والأطفال والنساء والشيوخ فهذا يأباه الإسلام حتى في القتال الحقيقي والجهاد المشروع فكيف به في الاعتداء.
خامسها: لم يقل الله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تقتلون به عدو الله وعدوكم أو تدمرون به بل كانت الدعوة للإعداد للقوة بمفهومها الشامل أي القوة الاخوية والقوة الإيمانية والقوة الحضارية والقوة الفكرية ويكون ذلك على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكون قوة لنصرة الضعيف وإنقاذ البشرية وذلك لأن القوة هي عنوان الريادة وأساس السيادة وطريق القيادة فمن لا قوة له لا قيمة له وبها تقام الدول وتنشر المبادئ وتحفظ الحقوق وتصان الحرمات.
فمن أوجب الواجبات علينا ان نبحث عن أسباب القوة ونتلمس طريق الرفعة ونجتهد في استعادة القوة وليس الطريق إلى ذلك بأعمال فردية طائشة وتصورات وهمية خاطئة وأعمال عنيفة جائرة بل بالعقل والحكمة والصبر والعلم والتعاون والاعتصام بحبل الله تعالى.
* ولكن بعض الأمم الآن أخذت القوة بمعناها الضيق وهو القوة المادية فقط.. فما تعليقكم؟
* ويقول في سورة البقرة { وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ**165*} *البقرة: 165*.. إن القوة الناجحة والهمة الرابحة هي التي تجمع قوة الجسد وقوة الروح وذلك ما تميزت به قوة المسلمين في ماضيهم.
إن قوة أعداء الإنسانية اليوم هي قوة الجسد وقوة العدد والعتاد ولكن الأرواح خربة والقلوب ميتة ولقد سبقتهم أمم كثيرة غرتها قوتها وأعجبتها كثرتها فلما حادت عن الحق وتعالت على الدين واستكبرت في الأرض صب الله عليها بأسه وأنزل بها مقته.
* لكل غراس جني ولكل شجر ثمر ولكل زرع حصاد.. فما حصاد الإرهاب؟
- ما رأيته من حصاد كان مرا وترك آثاراً خبيثة وسلبيات أليمة ومن آثار تلك السلبيات وحصاده ما يلي:
1- المخالفة لروح الدين لأنها عصيان لله ورسوله في أمره بالبعد عن الفرقة والتحذير من الفتنة
2 - شق عصا الطاعة والحرب على الجماعة
3 - انها في مصلحة أعداء الإسلام
4 - الوقوع في جريمة قتل المسلمين والمستأمنين
5 - الخيانة والعذر لأنه يقتل الآمنين والمؤمنين
6 - فتح أبواب الشرور لأن البعض يستغل تلك الأحداث فينشر الأفكار ويثير الغبار
7 - التنفير من الدين
8 - تحقيق مأرب الأعداء في دعوات ضد المسلمين
9 - استحقاق دعاء الناس لأنهم يدعون على من يروعهم
10 - إهدار طاقات شباب الأمة
11 - الجناية على الأبرياء
12 - تشويه صورة الصالحين
13 - تخويف الآمنين
14 - صرف الناس عن الطاعة
15 - الإحراج القبلي والعائلي
16 - قطع الطريق على أنفسهم وذلك بأن يعمروا مدة أطول بحسنات أكثر
17 - ضياع الأمن
18 - إحداث الفرقة
حكم الإرهاب
* بناء على ما تقدم.. هل يمكن أن تعطونا حكماً على الإرهاب؟
- أقول بناء على ما تقدم من تعريف للإرهاب ومن بيان لثماره فإنه محرم بإجماع المسلمين بل لعله لم توجد قضية معاصرة يكون عليها من الاجماع مثل هذا الاجماع على حرمة الإرهاب.. إن علماء المسلمين في المشرق والمغرب سواء الأفراد أو ممثلو الهيئات الشرعية والمجمعات الفقهية كلهم على رأي واحد تجاه الأعمال الإرهابية وإن هذا الموقف بفضل الله تعالى هو أعظم ضعفاً للمعادين وأقوى ضربة للحاقدين إنه تقويض لاتهاماتهم الباطلة ومحاولاتهم البائسة للنيل من الإسلام والتعدي على الحق حيث يحاولون جاهدين لربط سمة الإرهاب والعنف بالإسلام، فها هو الإسلام ممثلا في علمائه وعقلائه ونبلائه وأمرائه يرفض أعمال العنف والإرهاب والاعتداء على الآخرين بغير حق. إن شموخ الإسلام لا تضره حماقات الأقزام، وانه بناء على ما أجمع عليه علماء الأمة فلا يجدر بمسلم فيه ذرة من إيمان أن يغامر بحياته ودينه إلى مصير تجمع الأمة على تحريمه وتجريمه.
أسباب الإرهاب
* هل لكم أن تلخصوا لنا أسباب الإرهاب في نقاط بارزة؟
- هناك أسباب كثيرة للإرهاب وحين أقول أسباباً لا أذكر بلدا معينا بل أسباب عامة والأسباب التي تولد الإرهاب هي:
1 - الإهمال.. والمقصود به إهمال الإنسان في أمور حياته كلها ومن أبرزها الإهمال الأسري والإهمال الاجتماعي والإهمال العلمي والإهمال الرسمي
2 - الفراغ
3 - البطالة
4 - الدعوات الهدامة
5 - الإحباط
6 - التوجيه الخاطئ
7 - قلة الندوات العلمية
8 - التناقض في حياة الناس وارتباك الأفكار
9 - الكبت الديني
10 - التضييق في الرزق
11 - الإخفاق الحياتي
12 - تفشي المنكرات
13 - الرفقة الضالة
14 - غياب منابر الحوار الحرة
15 - الفهم الخاطئ للنصوص
16 - التغرير وخاصة من قبل صغار السن
17 - قصر النظر، فالناس عقولها تتفاوت
18 - اعتقاد جواز قتل غير المسلم
19 - المجد.. يتصور الإنسان انه سيحقق أمجاداً تاريخية إسلامية
20 - العلاج بالقمع، فكلما زاد القمع زاد الإرهاب
21 - مظاهر الظلم والقهر على المسلمين.
محاربة الإرهاب
* إذن ما هي الخطوات الناجحة لمحاربة الإرهاب؟
- من أهم ذلك ما يلي: قيام العلماء العاملين بدور النصح والبيان عبر كل الوسائل الممكنة، قيام منابر التوجيه على شتى الأصعدة بدورها، قيام الأسرة بدورها الفعال في تربية الأجيال، دعم الهيئات الشرعية كمكاتب الدعوة وهيئات الأمر بالمعروف والمراكز الإسلامية، الوضوح في الرأي والتبيين في الفتاوى، حسن المعالجة واحكام الخطط، الاستفادة من تجارب الآخرين ممن عرفوا بالعقل والعدل، فتح أبواب الحوار الهادف وإقامة الندوات البناءة، قرب ولاة الأمور من الأمراء والعلماء من الناس، تشجيع الأفكار البناءة والجمعيات الاجتماعية المتنوعة، التمسك بدين الله تعالى، القضاء على مظاهر البطالة والفراغ في حياة الشباب، القيام بحملات واسعة للقضاء على مظاهر الفقر والعوز، التفاعل الإيجابي مع الأصوات الناصحة وأخذ ملاحظاتهم، إقامة دورات تثقيفية للدعاة وطلبة العلم في قضايا العصر، اختيار ذوي الكفاءة والعقل لتولي المناصب الشرعية، التركيز على رعاية الأسرة وحمايتها من التفكك، التعاون التام بين فئات المجتمع، البعد عن اطلاق الألفاظ والألقاب الاستفزازية لمن غرر بهم، تكليف عدد من أهل العلم والحكمة بمحاورة المسجونين، طباعة وتسجيل بعض الكتب والمحاضرات وتوزيعها على الطلاب، عدم إتاحة الفرصة للأصوات المتطرفة، حسن اختيار رجال الأمن ممن هم في الواجهة، معالجة الظواهر الخاطئة بالعقل والاقناع، السعي للإصلاح بنية الإصلاح لا لطارئ معين، القضاء على الفساد الإداري والخلل الاجتماعي، عدم أخذ الناس بمجرد التهم والظنون والشكوك، إشعار الناس بالثقة فيهم وفي صدق ولائهم ومواطنتهم، تحقيق العدل في حياة الناس، المحافظة على الأمن في حياة الناس، إبراز الجوانب التسامحية في الإسلام عن طريق الخطب والدروس والمحاضرات، غربلة كثير من الكتب عن طريق لجنة شرعية من أولي العلم والحكمة، عدم المكابرة في الاعتراف بجوانب التقصير، الوحدة والتكاتف بين الدول العربية والإسلامية، التعاون مع الدول المعتدلة المنصفة المحبة للسلام، عدم الانصياع لمطالب الغرب في اتهاماتهم للمناهج العربية والإسلامية، اجتهاد زعماء الإسلام في دعم قضايا أمتهم والدفاع عن مقدساتهم، تفعيل دور الهيئات الإسلامية العالمية.
وصايا هامة
* أخيراً.. نرجو منك وصايا لفئات الأمة؟
- أولاً: وصيتي لشباب الأمة:هي لزوم الجماعة وعدم شق عصا الطاعة وان يسيروا في ركاب العلماء الذين انتشر علمهم وذاع فضلهم.
ثانياً: وصيتي للعلماء والدعاة:
هي بيان العلم وعدم كتمانه والقرب من الناس والنزول للميدان وفتح الأبواب وإخلاص القصد ووحدة الرأي.
ثالثاً: وصيتي لولاة الأمور:هي تقوى الله والصدق مع الرعية والنصح للأمة والرفق بهم والعدل بينهم والحرص على البطانة الصالحة والرفقة الصالحة وتقريب العلماء العاملين وفتح أبوابهم للناس وتلمس حاجتهم.
رابعاً: وصيتي لعموم الأمة:هي أن لا ينقادوا خلف الأهواء وأن يكونوا مسؤولين عن الأمن أي يقفوا يدا واحدة لمن أراد العبث بالأمن.
خامساً: وصيتي للكتاب والمثقفين:أن يتذكروا عظم المسؤولية وأمانة الكلمة وان يعلموا أن المرء قد يصل إلى أعلى عليين بكلامه وقد يهوي إلى أسفل سافلين بلسانه.
سادساً: وصيتي للمرأة المسلمة:هي تقوى الله وعليها بحفظ نفسها وحسن رعايتها للأبناء وإعانتها للرجل.. فهي راعية ومسؤولة عن رعيتها.
|