Saturday 31th January,200411447العددالسبت 9 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إذا أحبت السمكة الطير فكيف سيعيشان؟ إذا أحبت السمكة الطير فكيف سيعيشان؟
جانبي فروقة

بلغ التعقيد في قضية النزاع في الشرق الأوسط عموماً والصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين خصوصاً حداً يشبه إلى شكل كبير قصة السمكة التي أحبت طائراً، والتحدي الكبير الذي كان يواجهما هو في أية بيئة ممكن أن يعيشا وكيف؟.. ولشدة تعقيد القضية حاول الرئيس بوش تحييد عملية السلام في الشرق الأوسط لأول مرة عن خطاب حالة الاتحاد السنوي الذي ألقاه قبل عدة أيام أمام الكونغرس، والذي ذكر فيه الرئيس الأمريكي بوش أنه طالما بقي الشرق الأوسط فريسة للطغيان واليأس والغضب فسيستمر في إنتاج رجال وحركات تهدد أمن أمريكا وأمن أصدقائنا. وتابع شارحاً: إن أمريكا تعتمد استراتيجية الحرية في المنطقة، وقد قال بنجامين فرانكلين قبل بوش بكثير:(إن الذين يضحون بالحرية من أجل الأمة لا يستحقون حرية ولا أمناً)، فكيف يفسر الأمريكان ثقافة الديمقراطية التي تحمي تقزيم الحقوق الفلسطينية وسلب حريتهم وهدم منازلهم في خرق واضح لميثاق حقوق الإنسان وتبرير كل الفظائع والوحشية في مواجهة الحجر الفلسطيني بالبندقية والدبابة الإسرائيلية وما يرافقها من سياسة اغتيالات وإبادة؟.
إن معادلة السلام في الشرق الأوسط ترتبط إلى حد كبير بقدرة ونفوذ الأمريكان على تفكيك آلية الحقد المتنامي والتي أنتجت اليأس في النفوس فتحولت إلى قنابل بشرية موقوتة تذكي عمليات الانتحار التي لا يكون فيها أبداً أي طرف رابح.. إن سياسة المعايير المزدوجة التي تسمح لإسرائيل بتكديس الترسانة النووية في جيبها في حين تحظرها على الدول الأخرى وتمارس الضغط عليها كي تتخلى حتى عن نياتها في تطوير برامج أسلحة دمار شامل والتي تتغاضى عن المارسات الإسرائيلية القمعية والوحشية تجاه الشعب الفلسطيني، بينما تحظر المقاومة على الفلسطينيين وغيرهم بدمغها بوصمة الإرهاب.. وكذلك حق الفيتو الذي تحمي به الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل في المحافل الدولية هي المشكلة الحقيقية في عدم الوصول إلى حل عادل للقضية وإضفاء الصبغة الشرعية للدور الأمريكي كحكم دولي وليس كحاكم دولي.
تمارس إدارة بوش التلويح بعصا الحرب في سعيها لفرض الديمقراطية على الشرق الأوسط وهذا ليس بغريب عن الأيديولوجية الأمريكية التي ترى نفسها قمة النموذج الإنساني ولها دور تاريخي في نشر القيَّم والأخلاق الأمريكية في كافة أرجاء المعمورة، وهذا يتطابق مع قول الرئيس الأمريكي الأسبق تيودور روزفلت 1858 1919 : أمركة العالم هي مصير وقدر أمتنا. وهذه الوثنية السياسية تقضي إلى تنصيب أمريكا نفسها آلهة للقوة ترتهن إلى سجن عالمي (تديره البنتاغون ووكالة الاستخبارات الأمريكية) وذلك بإنشاء شبكة السجون الأمريكية العالمية الممتدة من تايلند مروراً بأفغانستان وحتى خليج غوانتانامو في كوبا، وإدارة بوش ولا سيما في التخبط بين أمواج هموم الانتخابات الرئاسية تحاول التبديل من أوراق التوت لستر عورة شنها الحرب على العراق.. فقبل مدة كان اعتقال صدام ورقة التوت الرئيسية التي تستر عورة شن الحرب على العراق، والآن أضاف الرئيس بوش تخلي ليبيا عن نيتها تطوير أسلحة دمار شامل كمبرر لحربه على العراق حيث قال: تسعة أشهر من المفاوضات المكثفة قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا نجحت حيث فشلت 12 سنة من الدبلوماسية مع العراق، والسبب في ذلك واضح، كي تكون الدبلوماسية فعالة يجب أن يتمتع الكلام بالمصداقية ولا يمكن لأحد أن يشكك بكلام أمريكا.. والصدى الإيجابي لهذا الكلام أتى على لسان الرئيس اليمني (علي عبدالله صالح) عندما قال: علينا أن نحلق رؤوسنا قبل أن يحلقها لنا الآخرون.. ورغم ذلك فصحيفة نيويورك تايمز كانت قد علقت على خطاب بوش بمقالتين إحداهما تتعلق بالسياسة الداخلية التي تتلخص في حقيقة كارثية واحدة وهي إن إصرار الرئيس بوش على تخفيض الضرائب لمصلحة الأثرياء تتسبب في حرمان البلاد من الأموال التي تحتاجها لمعالجة مشاكلها مما يهدد أمنها الاقتصادي على المدى البعيد، وهذا ما علّق عليه السناتور الديمقراطي قائلاً: لقد تحدث الرئيس عن الوول ستريت ولم يتحدث عن الشارع الأمريكي الحقيقي.. وأما المقالة الثانية فتناولت السياسة الخارجية التي تسببت في توتر علاقة أمريكا مع باقي دول العالم، وهذا يتطابق تماماً مع مأخذ الديمقراطيين على السياسية الخارجية الأمريكية التي أدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في عزلة دولية وخلق محور شر جديد.. وعلّق أحد مرشحي الرئاسة البارزين عن الحزب الديمقراطي: إن بوش خلق محور شر من السياسات المالية التي تهدد مستقبلنا وسياسات خارجية تهدد أمننا وسياسات داخلية تضع أسرنا في المرتبة الأخيرة.. والآن تتجه السياسة الأمريكية لإحياء فكرة عسكرة الفضاء من جديد بإعلانها نيتها تطوير شبكة دفاع فضائية مضادة للصواريخ.. وتنطلق هذه السياسة من رغبة واشنطن في الحفاظ على موقعها المسيطر، فما يريده الأمريكيون وحسب رأي الخبراء الروس كوكوشين وفسلفو ولس هو التميز وسط الزحام في الاستراتيجيات الجديدة في القرن الواحد والعشرين. ويرى الخبراء أن تحمس الولايات المتحدة الأمريكية للحفاظ على تميزها عبر التقدم التكنولوجي في مجال الدفاع المضاد للصواريخ إنما هو وسيلة لتجنب التعامل مع العالم متعدد الأقطاب. ويقول يفغيني بريماكوف رئيس وزراء روسيا الأسبق: هناك نتيجتان محتملتان لمساعي الولايات المتحدة الأمريكية ذات الطابع الانفرادي فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تستخدم مصادرها الاقتصادية والتقنية الهائلة لترسيخ تفوقها في مجال عسكرة الفضاء، فإن بلداناً أخرى ستكون عديمة القوة للدخول في أية منافسة، وعندئذ ستتوفر للولايات المتحدة الأمريكية هيمنة ليس فقط على نظام الدفاع الصاروخي بل على النظام الهجومي الاستراتيجي من الفضاء إلى الأرض والأنظمة المضادة للصواريخ في الفضاء، وهذا سيؤثر في حالة التوازن العسكري والسياسي فبدون خصوم حقيقيين للولايات المتحدة الأمريكية اليوم سيشجع هذا الوضع صقور الإدارة بتوجيه ضرباتهم ليس فقط للدول المارقة.. وأما النتيجة الثانية فهي أن البلدان المتطورة صناعياً وتكنولوجياً ستسعى لقطع الطريق على الولايات المتحدة الأمريكية لفرض الهيمنة الأحادية في الفضاء عن طريق تطوير نشر أسلحتها، وهذا سيخلق سباق تسلح يؤدي إلى نتائج وخيمة؟.
إن التغيير والإصلاحات السياسية والتنمية المنشودة على كافة الأصعدة في دول الشرق الأوسط يجب أن تنبع من داخل مجتمعاتها ومن واقع مصلحتها ومجاراتها للظروف الدولية وهذا التغيير مربوط بعجلة الديمقراطية الداخلية التي تنشء مؤسسات قانونية وتفرز وتقوي دور المجتمع المدني ويجب أن يكون نابعاً من الحاجة إلى التغيير وليس التقليد للديمقراطيات الغربية وإلا تعثرت الجهود كما حدث في قصة الغراب والحجلة، حيث يروى أن غراباً رأى حجلة (نوع من الطيور) تمشي فأعجبته مشيتها وطمع أن يتعلمها وأخذ يعلم نفسه ذلك فلم يقدر على إحكامها ويئس منها، وأراد أن يعود إلى مشيته التي كانت عليها فإذا هو اختلط مشيه وتخلع فيه وصار أقبح الطير مشيّاً.

com.humano@maktoob


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved