Saturday 31th January,200411447العددالسبت 9 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ثلاثية العقل والقوة والروح ثلاثية العقل والقوة والروح
البحث عن الخطاب العربي الجديد
د. علي بن شويل القرني ( * )

توجد ثلاثة خطابات رئيسة تتسيد الإعلام والفكر العربي.. ويمكن الكشف عنها من خلال احتكامها إلى عدد من المعايير والسمات التي تميز كل واحد من هذه الخطابات عن الآخر.. ووقع اختيارنا على ثلاثة مسميات تمثل الامتداد الرئيس لهذه الخطابات على مستوى التفكير والممارسة والنماذج والأبعاد والسياسات المختلفة. ونرى أن الخطابات الرئيسة في العالم العربي تتمحور حول ثلاثية أساسية ذات ارتباط بجوهر الاختلاف الذي يتأسس عليه الوجود العربي: العقل والقوة والروح. وتأتي هذه الخطابات إفرازا لمجموع كبير من الأحداث التي هزت العالم العربي خلال العقود الماضية, وليس بالضرورة نتيجة التداعيات الأخيرة التي انتظمت الفكر والسياسة والإعلام العربي.
وعلى الرغم من أن بداية الرصد الإعلامي لهذه الخطابات جاءت ابتداء ونتيجة لأزمة الخليج التي قام خلالها العراق باحتلال الكويت, وتم تحريرها فيما بعد بتعاون عدد من القوى العربية والدولية, إلا أن كثيراً من النماذج الخلافية التي عاشها العالم العربي في العقود الماضية وانعكست في وسائل الإعلام العربية يمكن أن تسقط ضمن منظومة هذه الثلاثية الخطابية. وقد حاولنا أن تخرج هذه التسمية عن الأسماء التقليدية التي قد تدل على أنظمة سياسية أو محاور أو غير ذلك. وجاءت التسميات لتمثل المنهج الذي يتبناه أصحاب الخطاب في محاكماتها لمنطق الحديث والكلام. كما تدل هذه التسميات على عمليات التعارض الخلافية بين الخطابات المتنافسة.
أولاً: خطاب العقل.. يتمثل في الاعتماد على محورية العقل لتحكيم المواقف ووزن الآراء التي يتضمنها الخطاب والتأكيد على أن كثيراً من الأمور في الشأن العام العربي والدولي أثبتت الأيام مصداقية ورجاحة الرؤية العقلانية التي يفرزها هذا الخطاب. وقد اتضح هذا الخطاب بشكل حاد من خلال المواقف الإعلامية (الرسمية) للدول العربية التي وصفت في عهد الرئيس جمال عبد الناصر بأنها دول رجعية, وكذلك إبان حرب الخليج الثانية بأنها دول تناصر قوات التحالف, حيث عكست رؤية سياسية وصفت من داخل الخطاب بأنها رؤية حكيمة وعاقلة.
ثانياً: خطاب القوة.. ينطلق هذا الخطاب من رؤية أن القوة هي المحرك الذي يدفع بهذا الخطاب ويفسر عناصره ويترجم ممارساته. ويؤكد الخطاب على مبدأ المبالغة في امتلاك القوة وتضخيم وجودها والتركيز على مقدرات القوة العربية كمرتكز أساسي يمد الخطاب بما يحتاج إليه من تجهيزات وصياغات وقوالب شكلية ومضمونية. كما أن هذا الخطاب يطرح القوة كشعار يرى من خلاله الحل الوحيد للمشاكل التي يعاني منها الوطن العربي.. ودائماً يكون شعار القوة مرفوعاً في كل المواقف والأزمات السياسية, فالقوة كانت هي الواجهة التي لوح بها العرب قبيل حرب 67م, والقوة كذلك هي التي لوح بها صدام حسين في احتلال الكويت أو في الحرب الأخيرة.
ثالثاً: خطاب الروح.. يؤكد الخطاب على أن الروح الانهزامية التي تسيطر على الشأن العربي والإسلامي تأتي نتيجة الابتعاد عن الممارسة الحقيقية لأصول الإسلام وأحكامه.. ولهذا ينادي هذا الخطاب بطروحات روحية تسعى للاجتهاد في أن توقظ المسلمين من غفلتهم وتعيدهم إلى سابق عزمهم ومجدهم. ويطرح هذا الخطاب رؤية نقدية حادة عن الأوضاع المجتمعية الراهنة في الوطن العربي والإسلامي. ويلوح بضرورة الاحتكام إلى الخيار الديني الذي يقترحه هذا الخطاب, والذي يعتقد أصحابه أنه كفيل بوضع الحلول لكافة المشاكل التي يواجهها المسلمون. ويوجد عدد من القواعد التي ينطلق منها هذا الخطاب, بعضها حكومي وبعضها جماعي.
وهنا نستعرض بعض الملاحظات العامة عن هذه التقسيمات الثلاثية للخطاب العربي:
1- هذه الثلاثية الخطابية تقف جنباً إلى جنب في منظومة متصلة مكملة لبعضها البعض من ناحية تنوع الآراء وتعدد المواقف تجاه مختلف القضايا والأمور. وكل هذه الخطابات العقل والقوة والروح تمثل وحدة في نمطية التفكير العربي ونموذجاً في طريقة إدراكه للمسائل العامة التي تفرزها هموم المنطقة ومتغيرات الزمن. فإذا نظر اليها شخص من الخارج وجدها مجتمعة دليلا على مبدأ وقاعدة الاختلاف الذي يعيشه العرب على مر الأزمنة.
2- إذا نظر الشخص إلى كل خطاب من الداخل أي من الرؤية المحلية الفاعلة لمؤسسات الخطاب وجد أن هناك جوانب اتفاق بين الخطاب الذي يعيشه وبين الخطابات الأخرى, ولكن عادة ما يتم إغفال هذه الجوانب وعدم تفعيلها في مضمون الخطاب لأنها قد تكون سببا في تقوية الآخر وإظهار نماذج العقلانية والرجاحة لديه.. وهكذا تصبح معظم هذه الخطابات محاولات مستمرة في الاختلاف والتشتت ونماذج متتالية في التباعد والتناحر.
3- لا يعني وجود الفواصل بين هذه الخطابات أنها تعيش متباعدة في المكان والزمان, بل إنها قد تكون ملتصقة ببعضها البعض, حيث قد توجد ضمن نسق اجتماعي واحد ووحدة سياسية مشتركة. كما أنها تعيش في لحظة زمنية واحدة ولا يفصلها الزمن عن بعضها البعض.. ومن الممكن - وهذا ما يزيد من تعقيدات المسائل الخطابية - أن توجد كل هذه الخطابات في شخص واحد ضمن متواليات إدراكية متنوعة مرت على هذا الشخص, ولكن في مثل هذه الحالة تكون هناك فواصل زمنية تفصل كل خطاب عن سالفه الذي يكون قد تبناه في مرحلة عمرية معينة أو نتيجة مواقف وأحداث هزت البنى المعرفية لديه.
4- نلاحظ أن هناك حركة تبادلية بين مواقع هذه الخطابات, وخصوصاً خلال السنوات الماضية, فخطاب القوة فقد قوته, وخطاب الروح تبنى مفهوم القوة, وخطاب العقل بدا اكثر عاطفة.. وقد جاءت هذه التغييرات بشكل حاد من جراء تداعيات الحادي عشر من سبتمبر.
وأخيراً قد نطرح سؤالاً ربما يفرضه منطق الأحداث الحالية التي نعيشها اليوم, هل نعيش اليوم حالة من الفوضى الخطابية, حيث لا توجد قاعدة أساسية تتأسس عليها الحالة العربية اليوم.. وربما بشكل أدق فنحن نعيش حالة انتقالية قد تستمر سنوات قد تطول أو تقصر, ولكن في النهاية سيكون هناك مخاض جديد ربما يؤكد وجود هذه الخطابات الثلاثة, أو ربما يقلصها في خطابين بدلا من ثلاثة.. وربما ينتهي بنا المطاف إلى صياغة مشتركة تقودنا إلى خطاب واحد.. نعم خطاب واحد.

( * ) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال / أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved