* الجزيرة خاص:
جاء الإسلام ليخلص البشرية من أدران الجاهلية وأمراضها، ويقوم السلوك الإنساني ضد أي اعوجاج أو انحراف عن الفطرة السوية، ويقدم العلاج الشافي لأمراض الإنسان في كل العصور القديم منها والحديث، مما حملته العصور الحديثة بتقنياتها ومستجداتها، وهو علاج تقبله كل نفس سوية، ولا ترفضه إلا نفوس معاندة مكابرة، جاهلة، أضلها هوى، أو متعة زائلة.
وقد استوعبت الشريعة الغراء كل ما قد يقترفه الإنسان من ذنوب، أو محرمات في كل عصر، سواء كانت أقوالاً أو أفعالاً، أو حتى ما يعتمل في الصدور من مشاعر وانفعالات، وأبانت أسباب تحريمها جُملة وتفصيلاً في القرآن الكريم والسنة المطهرة، إلا ان الكثيرين مازالوا يسقطون في دائرة المحرمات هذه، إما جهلاً، أو استكباراً، أو استصغاراً لها، أو بحثاً عن منفعة دنيوية رخيصة واستجابة لشهوة لحظية، بل إن بعض هؤلاء يحاولون الالتفاف على حكم الإسلام الرافض لهذه السلوكيات، بدعاوى وأقاويل هشة لا تصمد أمام وضوح وإعجاز الإسلام في رفضه لهذه الموبقات التي تضر ليس مرتكبها فحسب، بل تهدد المجتمع بأسره.
و«الجزيرة».. تفتح ملف هذه السلوكيات المرفوضة، تذكرةً وعبرةً ووقايةً للمجتمع من أخطار هذه السلوكيات، وتحذيراً لمن يرتكبها من سوء العاقبة في الدنيا والآخرة، من خلال رؤى وآراء يقدمها أصحاب الفضيلة العلماء والقضاة والدعاة وأهل الرأي والفكر من المختصين كل في مجاله..
آملين ان تكون بداية للإقلاع عن مثل هذه السلوكيات التي حرمها الله، قبل ان تصل بصاحبها إلى الندم وسوء الخاتمة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
سلمان
يعتبر الزنا من اخطر الوبالات التي يمكن أن تصيب الأمة، ففيه هتك للأعراض، وانتهاك للحرمات، واختلاط للأنساب، وتمزيق لعرى البنيان الاجتماعي، وتفكيك للأسر، والنتيجة هي أن الأمة كلها تصبح في مهب الريح والعياذ بالله ، ولذلك كان عقاب الزاني المحصن في الإسلام القتل، والزاني لا ينكح إلا زانية، والزانية لا تنكح إلا زان، ولخطورة هذا الفعل المشين على الفرد والأمة، عده الإسلام من أكبر الكبائر، وأرشد الى الطرق الواقية منه بإذن الله، وفي هذه الحلقة نعرض بعضا من مخاطر هذا الوباء، وكيف أن الإسلام يقف من الزنا موقفا حاسماً، ويمتدح الغيور على حرماته.
في البداية يقول معالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام ورئيس مجلس الشورى أن الشرفاء الأحرار كانوا في كل الأمم حتى في عصور الجاهلية المظلمة يعتزون بشرف سمعتهم، وصيانة أعراضهم، ويقفون دونها أسوداً كاسرة، ونموراً مفترسة، يغسلون إهانة أعراضهم بأسنة رماحهم وحد سيوفهم، لا ينامون على إهانة، ولا يصبرون على عار، ولا يقبلون ذلة، ولقد قالت هند بن عتبة وهي تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم «أو تزني الحرة يا رسول الله».
إلا أن أهل هذا الزمان في كثير من الاقطار يعيشون في عصر يوشك ان تسود فيه الإباحية، ليجعلوا ارتكاب الفواحش والموبقات حاجات بدنية لا يعاقب عليها القانون، ما دامت محفوفة بالتراضي، ومما يكشف ذوبان الهمة وموت الإنسانية، حين يشاهد رجل ينقاد للبهيمية فيأتي الفاحشة ويعانق الرذيلة، ويشتد الخزي ويعظم الشنار حين لا يكون مستورا عن أعين المشاهدين والمشاهدات، إنها حضارة البهائم في تلك الديار بحدائقها ومنتزهاتها وشواطئها وأفلامها وقنواتها.
والزنا كجريمة من أبشع الجرائم، وفاحشة من أكبر الفواحش، وموبقة من أخطر الموبقات، تتجلى فيها هذه البهيمية المغرقة، وتفقد فيها الشهامة، وتذهب المروءة، ويحل مكان العفاف بها الفجور، وتقوم فيها الخلاعة مقام الحشمة، وتطرد فيه الوقاحة جمال الحياء، وكم جرعت هذه الجريمة من غصة، وكم أزالت من نعمة، وكم جلبت من نقمة، وكم خبأت لأهلها من آلام منتظرة، وغموم متوقعة، وهموم مستقبلة «العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذنان تزنيان وزناهما السماع، والفم يزني وزناه الكلام والقبل، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها الخطى، والقلب يهوي ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه».
موقف الإسلام من الزنا
وأضاف معالي د. بن حميد: وإزاء مخاطر هذه الجريمة، نجد الإسلام يقف من هذه الجريمة موقف حزم وحسم، وصراحة وصرامة، فيمتدح الشهم الكريم الذي يغار على نفسه ويغار على حرماته، ويندد بالديوث الذميم الذي يقر الخبث في أهله لتبقى الأعراض مصونة والشرف موفوراً عزيزاً.. ولقد اقترن حال الزاني بحال المشرك في كتاب الله بقوله تعالى: {الزَّانٌي لا يّنكٌحٍ إلاَّ زّانٌيّةْ أّوً مٍشًرٌكّةْ والزَّانٌيّةٍ لا يّنكٌحٍهّا إلاَّ زّانُ أّوً مٍشًرٌكِ وحٍرٌَمّ ذّلٌكّ عّلّى المٍؤًمٌنٌينّ}.
والزنا محرم بقواطع الأدلة، في محكم القرآن وصحيح السنة وإجماع أهل الملة، بل إجماع أهل الملل، وهو قرين لأعظم موبقتين: الشرك بالله، وقتل النفس: {والَّذٌينّ لا يّدًعٍونّ مّعّ اللَّهٌ إلّهْا آخّرّ ولا يّقًتٍلٍونّ النَّفًسّ التٌي حّرَّمّ اللَّهٍ إلاَّ بٌالًحّقٌَ ولا يّزًنٍونّ ومّن يّفًعّلً ذّلٌكّ يّلًقّ أّثّامْا يٍضّاعّفً لّهٍ العّذّابٍ يّوًمّ القٌيّامّةٌ ويّخًلٍدً فٌيهٌ مٍهّانْا} يقول الإمام أحمد: لا أعلم بعد القتل ذنباً أعظم من الزنا.
والله سبحانه في محكم تنزيله نهى عن قربه والدنو منه، مما يعني البعد عن بواعثه، ومقدماته، ودواعيه، ومثيراته، فقال سبحانه: {ولا تّقًرّبٍوا الزٌَنّى" إنَّهٍ كّانّ فّاحٌشّةْ وسّاءّ سّبٌيلاْ} قال أهل العلم: {ولا تّقًرّبٍوا الزٌَنّى"} هذا قبح شرعي، {إنَّهٍ كّانّ فّاحٌشّةْ} وهذا قبح عقلي، {وسّاءّ سّبٌيلاْ} وهذا قبح عادي، قالوا: وما جمع ذنب هذه الوجوه من القبح إلا وقد بلغ الغاية فيها: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»، بهذا صح الخبر عن نبيكم محمد، زاد النسائي في رواية: «فإذا فعل ذلك خلع ربقة الإسلام من عنقه، فإن تاب تاب الله عليه»، وفي رواية للبزار: «والإيمان أكرم على الله من ذلك، وفي خبر عند أبي داود والترمذي والبيهقي» إذا زنا العبد خرج منه الإيمان فكان كالظلة على رأسه، ثم إذا أقلع رجع إليه الإيمان».
يجمع الشر كله
ويوضح معالي د. بن حميد أن الزنا يجمع خلال الشر كلها، قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد مروءة، الغدر والكذب شعاره، وقلة الحياء والخيانة دثاره، وعدم المراقبة مسلكه، وضعف الأنفة ديدنه، وذهاب الغيرة من القلب بليته، ناهيك عن بغض الرب وفساد الحرم والعيال، وفضائح الزنا، وقبائح خنا، تذهب اللذات وتبقى الحسرات، كما أنه انتكاسة حيوانية، وارتكاسة بهيمية، تذهب بمعاني الأسرة ومشاعر الإنسانية الراقية، يطح بكل اهداف السمو الأسري، وعلاقات الرحم وأواصر القربى، ترد ابن آدم المكرم الى مسخ حيواني سافل، مسخ كل همه ارواء جوعة اللحم والدم في لحظة عابرة وشهوة عارمة ونزوة حيوانية بحتة، وجريمة الزنا في المجتمعات الطاهرة تتعدى في سوئها وسوءتها الى الأسرتين، وتجلب مآسي للفئتين، وهو نذير رعب وفزع في فشو الأمراض، ونزع البركات، ورد الدعاء، الزهري والسيلان من أمراضه، والهربس والإيدز من أوبئته في أمراض يرسلها الله لم تكن في الأسلاف، مما يعلمون ومما لا يعلمون.
ويطالب الشيخ بن حميد بالنظر في احوال المأفونين من أهل حضارة الإباحية والمغرورين بها حتى نأخذ العبرة، فهؤلاء اطلقوا لشهواتهم العنان، استباحوا كل ممنوع، ونبشوا كل مدفون، وكشفوا كل مستور تنصلوا من مسؤوليات العائلة، وجروا خلق كل متهتكة وفاجرة، هل أدى بهم ذلك الى تهذب الدوافع كما يقولون؟ وهل انقذهم من الكبت كما يزعمون؟ لقد انتهى بهم إلى سعار مجنون لا يهدأ ولا يرتوي، لقد قل نسلهم، وتوقف نموهم مما ينذر بفنائهم، لقد قل نسلهم لأنهم قضوا شهواتهم بغير الطريق المشروع، وتهربوا من المسؤولية، وتبرؤوا من سياج الأسرة، الحلال عندهم لا يفترق عن الحرام، لا يغارون على محارم، ولا يشمئزون من فواحش، العلاقات عندهم معزولة عن الخلق والروح والدين والعبادة، وعند استقبال الآلاف المؤلفة من اللقطاء وأولاد التبني، لا يسألون من أي جاءوا، ولا يكترثون بالآثار الاجتماعية التي يخلفها من لا آباء لهم ولا أمهات، وهم يزعمون أنهم أرباب العلوم والمعارف.
وأهل الإسلام يرفضون بحسم وحزم كل هذه المظاهر والنتائج، فالزنا فاحشة موبقة، وكبيرة من كبائر الذنوب، يوصد كل الأبواب المفضية إليها، ويعاقب على وقوعها بالجلد والتغريب للبكر، والقتل للثيب بالرجم، الأسرة وحدها هي الملتقى المشروع لأشراف الناس وكرام بني آدم، والمجتمع المسلم الطاهر يمقت الزنا، ويمقت مقدماته، وينكر بواعثه ودواعيه، ليس فيه إلا علاقات طاهرة على اساس من أحكام الشرع والمشاعر الإنسانية الراقية، يلتقي عليها قلبان وروحان وإنسانان، وليس متعتين مجردتين، وجسدين متباعدين {والَّذٌينّ هٍمً لٌفٍرٍوجٌهٌمً حّافٌظٍونّ، إلاَّ عّلّى" أّزًوّاجٌهٌمً أّوً مّا مّلّكّتً أّيًمّانٍهٍمً فّإنَّهٍمً غّيًرٍ مّلٍومٌينّ} ولهذا فلقد قطعت شريعتنا دابر هذه الجريمة، ووضعت لها جزاء حاسماً في صرامة جادة، وحذرت من الرأفة بالفاعلين، وزجرت عن تعطيل الحد أو الترفق في إقامته، بل أمرت بإقامته في محضر مشهود في طائفة من المؤمنين {الزَّانٌيّةٍ والزَّانٌي فّاجًلٌدٍوا كٍلَّ واحٌدُ مٌَنًهٍمّا مٌائّةّ جّلًدّةُ ولا تّأًخٍذًكٍم بٌهٌمّا رّأًفّةِ فٌي دٌينٌ اللَّهٌ إن كٍنتٍمً تٍؤًمٌنٍونّ بٌاللَّهٌ والًيّوًمٌ الآخٌرٌ ولًيّشًهّدً عّذّابّهٍمّا طّائٌفّةِ مٌَنّ المٍؤًمٌنٌينّ} .
والله سبحانه وتعالى قد علم المؤمنين أن الدماء لا تحفظ، والأموال لا تصان، والأعراض لا تحترم، والبلاد لا تصلح، والأمن لا يسود إلا بإقامة الحدود وقطع الأكف الآثمة، فحدود الله شرعت لتحفظ النفوس من التعديات الآثمة والنزوات الطائشة.. فلو حفظت شريعة الله في كل بلاد المسلمين، وأقيمت حدود الله، وحيل بين الذين يتعدونها لما رأيت في كثير من البلاد مظاهر السقوط في الحضيض، ولما تغير عليهم ما تغير {إنَّ اللَّهّ لا يٍغّيٌَرٍ مّا بٌقّوًمُ حّتَّى" يٍغّيٌَرٍوا مّا بٌأّنفٍسٌهٌمً}، فحفظ الفروج سبيل للفرج في الدنيا والتوفيق في المسيرة؟ واذكروا إن شئتم قصة صاحب الغار حين فرج الله عليه بعفته عن الحرام، كما أن حفظ الشهوات سبيل للاستظلال بظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله؟ واذكروا ذلك العفيف الذي دعته ذات الحسن والجمال فاعتصم بخوفه من الله {الخّبٌيثّاتٍ لٌلًخّبٌيثٌينّ والًخّبٌيثٍونّ لٌلًخّبٌيثّاتٌ والطَّيٌَبّاتٍ لٌلطَّيٌَبٌينّ والطَّيٌَبٍونّ لٌلطَّيٌَبّاتٌ أٍوًلّئٌكّ مٍبّرَّءٍونّ مٌمَّا يّقٍولٍونّ لّهٍم مَّغًفٌرّةِ ورٌزًقِ كّرٌيمِ}.
فعلة مستنكرة
ويوضح فضيلة الشيخ حسين آل الشيخ إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف أن من أعظم مقاصد الإسلام، وأكثر أهدافه وأغراضه إقامة العفاف والنزاهة والطهارة في النفوس، وغرس الفضائل والمحاسن في المجتمعات، قال تعالى: {ولًيّسًتّعًفٌفٌ الذٌينّ لا يّجٌدٍونّ نٌكّاحْا حّتَّى" يٍغًنٌيّهٍمٍ اللَّهٍ مٌن فّضًلٌهٌ} وقال سبحانه: {وأّن يّسًتّعًفٌفًنّ خّيًرِ لَّهٍنَّ واللَّهٍ سّمٌيعِ عّلٌيمِ} ، وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة أبي سفيان مع قيصر، قال أبو سفيان رضي الله عنه: ويأمرنا أي النبي صلى الله عليه وسلم ان نعبد الله وحده لا شريك له، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة»، وعن الترمذي بسند حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة: شهيد وعفيف مستعفف، وعبد أحسن عبادة الله ونصح لمواليه».
وعفة الإسلام تضبط سلوكيات الآدميين عن الانحراف إلى مهاوي الرذيلة والانحطاط، وتحفظ إرادتهم وشهواتهم عن الانخراط في الزلل، وهي عفة تتجلى فيها مظاهر الكرامة الإنسانية، وتبدو فيها الطهارة والنزاهة الإيمانية، عفاف يمتزج بتحقيق المروءة والعزة، يقوي النفوس على التمسك بالأفعال الجميلة والآداب النفسانية، التي تحمل مراعاتها على الوقوف عند محاسن العادات، وجميل الصفات، والترفع عن المحقرات والدنيات.
مقاصد الشريعة
ويضيف آل الشيخ: ومن أجل تحقيق العفاف والطهارة، وبث الحياء والتزامه على مستوى الأفراد والمجتمعات جاءت الشريعة بما يكفل كل تلك المقاصد العظيمة، ويحقق هذه الأغراض النبيلة، بوسائل شتى، وطرق نبلى، ومن ذلك أوامره الجازمة، وتوجيهاته القاطعة، وتشريعاته الملزمة التي تأتي لعموم المؤمنين، ولكافة المسلمين بحفظ الفروج وصيانتها عن الحرام والرذيلة ومواضع الآثام، فحفظ الفروج عن الفواحش مما تزكو به النفوس، وتسلم به المجتمعات، ويحفظ به الأمن، وتصان به الأعراض، قال تعالى: {قٍل لٌَلًمٍؤًمٌنٌينّ يّغٍضٍَوا مٌنً أّبًصّارٌهٌمً ويّحًفّظٍوا فٍرٍوجّهٍمً ذّلٌكّ أّزًكّى" لّهٍمً إنَّ اللَّهّ خّبٌيرِ بٌمّا يّصًنّعٍونّ، وقٍل لٌَلًمٍؤًمٌنّاتٌ يّغًضٍضًنّ مٌنً أّبًصّارٌهٌنَّ ويّحًفّظًنّ فٍرٍوجّهٍنَّ}.
ولقد امتدح الله جل وعلا الحافظين لفروجهم والحافظات، وجعل ذلك من سمات الفلاح، وعلامات الفوز والنجاح {قّدً أّفًلّحّ المٍؤًمٌنٍونّ، الذٌينّ هٍمً فٌي صّلاتٌهٌمً خّاشٌعٍونّ، والَّذٌينّ هٍمً عّنٌ اللَّغًوٌ مٍعًرٌضٍونّ، والَّذٌينّ هٍمً لٌلزَّكّاةٌ فّاعٌلٍونّ، والَّذٌينّ هٍمً لٌفٍرٍوجٌهٌمً حّافٌظٍونّ، إلاَّ عّلّى" أّزًوّاجٌهٌمً أّوً مّا مّلّكّتً أّيًمّانٍهٍمً فّإنَّهٍمً غّيًرٍ مّلٍومٌينّ، فّمّنٌ ابًتّغّى" ورّاءّ ذّلٌكّ فّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ العّادٍونّ} ولاشك أن أعظم ما يهدم سياج هذا الحفظ، وأبشع ما يهدم صور هذا المبدأ العظيم هو الزنا، لذا فهو من أكبر الفواحش وأعظم الموبقات، قال ابن القيم رحمه الله: «وسم الله سبحانه الشرك والزنا واللواطة بالنجاسة والخبث في كتابه دون سائر الذنوب».
ويؤكد آل الشيخ أن الزنا مضاد لصفات المؤمنين، ومنافر لمسالك الأبراز والمتقين، قال جل وعلا: {الزَّانٌي لا يّنكٌحٍ إلاَّ زّانٌيّةْ أّوً مٍشًرٌكّةْ والزَّانٌيّةٍ لا يّنكٌحٍهّا إلاَّ زّانُ أّوً مٍشًرٌكِ وحٍرٌَمّ ذّلٌكّ عّلّى المٍؤًمٌنٌينّ} وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»، وعند أبي داود وغيره: «إذا زنى العبد خرج منه الإيمان كالظلة على رأسه، فإذا انقلع منها رجع إليه الإيمان» صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تزال أمتي بخير ما لم يفش ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا، أوشك أن يعمهم الله بعذاب» رواه الإمام أحمد بإسناد حسن، وعند الحاكم وقال: صحيح الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ظهر الزنا والربا في قوم فقد أحلوا بأنفسهم عذاباً» وفي حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم، ولا ظهرت الفاحشة في قوم قط إلا سلط الله عليهم الموت» رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، وفي هذا ما يؤكد أن الزنا لحظة عابرة، وشهوة عارمة، ونزوة حيوانية بحتة، وعاقبتها وخيمة، واثارها سيئة، فهي لذة تذهب سريعاً، وتضمحل عاجلاً، فيبقى العار والشنار، وغضب الخالق الجبار.
الزنا وسوء أثره
ويحذر الشيخ عبدالعزيز بن محمد النصار القاضي بديوان المظالم بالدمام من جريمة الزنا وسوء أثرها، ويقول: إن الله تعالى خلق الرجل والمرأة، وأودع في كل منهما غريزة فطرية للميل الى الآخر، والرغبة فيه، كما جعلهما أساساً للتناسل والتكاثر عمارة للكون، واستمراراً له إلى ما شاء الله، فكان لابد من العلاقة بينهما فهي سنة الله في خلقه، ولكن الله تعالى بحكمته العظيمة لم يجعلها علاقة بهيمية مطلقة بلا حدود، أو قيود بل نظمها تنظيما يتفق مع كرامة الإنسان وإنسانيته، ويرتقي بها عن مستوى البهيمية، تنظيما يتفق وتفضيل الله له، يحفظ الرجل عزيزاً ويصون المرأة درة محترمة دون مهانة أو استهجان، ودون أن تكون سلعة مستهلكة يستمتع بها ثم يستغني عنها، بل جعل منها زوجة يسكن إليها لها حقوقها وأما لها حق البر والصحبة، وأختاً وبنتا لهما حق العطف والرعاية، وخالة وعمة لهما حق الصلة والمواساة.
ولذا شرع الزواج وجعله اساس بناء الأسرة التي هي قوام المجتمع وعماده، ونظم هذا الزواج وحث على المبادرة إليه وأمر بتيسيره، وذلك لحفظ كيان الأسرة من خلال الزواج وحفظ التناسل وسلامة الأعراض، وهنا حرم الشرع الزنا، تلك الفاحشة الكبرى والسيئة العظمى التي حذر منها القرآن وخوفت منها السنة وترفعت عنها نفوس الأخيار ومالت اليها ورغبت فيها نفوس الأشرار من الخبيثات والخبيثين وأعداء الفضيلة والدين، وهي محرمة في جميع الأديان، فهي كبيرة من أكبر الكبائر حرمها الإسلام تحريما باتاً بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وجعل لمرتكبها حدا ليس فوقه حد، فالبكر إذا زنى يجلد مائة جلدة، ويغرب عن بلاده حولاً كاملاً، والمحصن يرجم بالحجارة حتى يموت.
الشريعة والزنا
ويؤكد النصار أن الشرع سد كل طريق موصلة إلى هذه الفاحشة، فحرم خلوة الرجل بامرأة ليس لها بزوج أو محرم، ومنع سفرها إلا مع أحدهما، ورحم لمس من لا يحل من النساء، ومتابعة النظر في المرأة برغبة وتلذذ وارتياح، وحرم استماع ما فيه خضوع ولين من أصوات النساء وأشباه النساء، وأمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، ذلك أن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، وأمر المؤمنات بالحجاب الشرعي الذي يستر المرأة ويحول بينها وبين أعين الناظرين من الفجار والفساق، كما أمر بالاستئذان عند دخول البيوت حتى ولو كانت بيوت الأقارب والمحارم، وأمر بالدفاع عن العرض وجعل من مات دونه فهو شهيد، وحرم قذف الأبرياء بالزنا وتوعد من فعل ذلك بعذاب الدنيا والآخرة.
والإسلام ايضا قد جاء بكل الأسباب التي تمنع وقوع هذه الجريمة وأمر بها ما ذكرنا منها ولم نذكر ونهى كل الوسائل التي تؤدي إليها، رحمة بالإنسانية وحفاظاً على المجتمعات وإبقاء على الأفراد من مغبة الزنا، ووخامته، وسوء عقباه، وتبياناً لعظمها وشناعتها يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب بعد الشرك بالله أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له».
والزنا مهانة ومذلة وضرر ومرض، فيه من الأمراض الخلقية والاجتماعية والصحية، والأضرار ما يكفي أقلها لتحريمه والابتعاد عنه، فهو اعتداء على الأعراض وهتك لها، ومدعاة لضياع الأنساب واختلاطها، وتفكك للروابط، وجناية على النسل، به تشيع الفاحشة بين الناس، فلا يقبلون على الزواج الحلال، وتكسد النساء، إنه مضيعة للأسرة وتلويث لها، وبانحلالها تذهب أقوى رابطة في بناء المجتمع الفاضل، كما انه سبب لغرس الاحقاد والتباغض والتنازع.
ويقول الشيخ النصار: إن من الجرائم والمعاصي ما إذا سترها الله على العبد ولم تنكشف في هذه الدنيا اقتصر ضررها وعقوبتها على مرتكبها في الدنيا والآخرة، ولكن جريمة الزنا لفظاعتها وكونها جريمة متعدية لا يقتصر ضررها على مرتكبها بل تشمله وتتعداه لتشمل غيره من أفراد أسرته ومجتمعه، جعل الله عقوبتها تصيب صاحبها كما تعم مجتمعه حتى ولو لم تنكشف في الدنيا، فيبتلى صاحبها بالهموم والغموم والفقر والشدائد والكروب وتكون سببا لسوء خاتمته ويذهب بها بهاء وجهه بعد ذهاب دينه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»، ويقول عليه أفضل الصلاة والسلام أيضا: «من زنى نزع الله نور الإيمان من قلبه».
عواقبه وخيمة
من جانبه يؤكد الشيخ رضوان بن عبدالكريم المشيقح رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ببريدة ان الإسلام دوما لا يغفل الفطرة ولا يكبتها بل يفتح لها الطريق الصحيح، ويدفع ويحث اليه، ولقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الزنا، ومن عواقبه الوخيمة واولى تلك العواقب وأخطرها بالنسبة للمسلم المؤمن هو ذهاب الإيمان، ففي الحديث «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» رواه البخاري ومسلم وابو داود والنسائي، وزاد النسائي في روايته: «فإذا فعل ذلك خلع ربقة الإسلام من عنقه فإن تاب تاب الله عليه»، وثاني هذه العواقب عذاب جهنم والعياذ بالله ولعنة الله وغضبه، قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر» رواه مسلم والنسائي، وروى البزار عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن السماوات السبع والأرضين السبع ليلعن الشيخ الزاني وإن فروج الزناة ليؤذي أهل النار نتن ريحها».. ومن العواقب ايضا المرض والفقر في الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا فإذا فشا فيهم ولد الزنا فأوشك الله أن يعمهم الله بعذاب»، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا».
مرض الإيدز والزنا
وها نحن نرى الآن مرض الإيدز الفتاك، والذي أزعج جميع دول الغرب، وحسب التقارير الصادرة عن المؤتمرات الطبية فإن اكثر من يصابون بمرض الإيدز هم من الشواذ، حيث كانت القوانين والحكومات الغربية قد أعطت لهؤلاء ما يطالبون به من حقوق فسمحت لهم بإقامة الجمعيات، وافتتاح النوادي لممارسة الفجور علانية كالبهائم، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك فصرنا نقرأ أو نسمع بعض أعضاء البرلمان في أكثر من دولة من دول الغرب ينادون باعتبار اللواط ظاهرة طبيعية ومنهم من يطالب بإدخال الشذوذ الجنسي كمادة تدرس في المدارس الثانوية.
ويوضح الشيخ المشيقح أن في انتشار هذه الأمراض الجنسية في بلاد الغرب والتي تؤدي بأصحابها اخيرا الى الموت، مصداقاً لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي رواه بريدة رضي الله عنه إذ يقول: «ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت ولا منع قوم قط الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر»، وهل شيء في بلاد الغرب اظهر من الفاحشة، وهل يحظى شيء بقدر من الإعلان والإعلام كما تحظى الفاحشة؟
ويتساءل اليست الفواحش تعلن في أجهزة التلفاز وعبر اشرطة الفيديو وعلى المسارح وعلى شواطىء العراة؟ اليس هناك ملايين من البشر يقصدون هذه البلدان سنوياً بحثا عن هذه البضاعة المزجاة؟ إذا هذه سنة الله التي لا تتخلف في القوم المجرمين، فلم يكن مرض الإيدز القاتل معروفا قبل بضع سنين، وما ظهر إلا بعد ان أصبح الزنا واللواط يمارسان علانية ومن خلال القوانين الرسمية، ولعل اكثر ما يرعب علماء الطب في دول الغرب خاصة هو ذلك الغموض في هذا المرض حيث فشلت كل الوسائل الطبية وما فيها من تقدم فشلت حتى الآن في الكشف عن ماهية هذا الفيروس وسبل مكافحته، ويزيد الأمر خطورة انتقاله حتى لغيرالشاذين ومدمني المخدرات والى أن يتوصلوا الى حل هذا الغموض ومعرفة هذا المرض وعلاجه، سيبقى الفزع والرعب جاثماً على قلوب الغربيين، وهذا في حذ ذاته عقاب من الله القائل عن حجارة قوم لوط {ومّا هٌيّ مٌنّ الظَّالٌمٌينّ بٌبّعٌيدُ} ونحن على يقين من أنه ما لم يقلع الغرب ولن يقلع عن هذه الفواحش فإن مرض الإيدز لن يكون آخر وباء ينتشر بين صفوفهم، بل إن سنة الله ماضية إلى قيام الساعة: {ومّنً أّعًرّضّ عّن ذٌكًرٌي فّإنَّ لّهٍ مّعٌيشّةْ ضّنكْا ونّحًشٍرٍهٍ يّوًمّ القٌيّامّةٌ أّعًمّى"} ، وصدق الله العظيم إذ يقول: {فّلّمَّا نّسٍوا مّا ذٍكٌَرٍوا بٌهٌ فّتّحًنّا عّلّيًهٌمً أّبًوّابّ كٍلٌَ شّيًءُ حّتَّى" إذّا فّرٌحٍوا بٌمّا أٍوتٍوا أّخّذًنّاهٍم بّغًتّةْ فّإذّا هٍم مٍَبًلٌسٍونّ، فّقٍطٌعّ دّابٌرٍ القّوًمٌ الذٌينّ ظّلّمٍوا والًحّمًدٍ لٌلَّهٌ رّبٌَ العّالّمٌينّ}.
|