}وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ{ صدق الله العظيم.
الحج الركن الخامس من أركان الإسلام، المؤتمر البشري العظيم حيث يفد الناس رجالاً ونساء من شتى أرجاء الكون ملبين عابدين داعين، يؤدون فريضة الحج، يقول الله تعالى:}وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ{.
ولقد شرف المولى عز وجل هذا البلد الكريم حكومة وشعباً برعاية ضيوف الرحمن الكرام.
وأولت حكومة المملكة العربية السعودية أمور رعاية الحجاج الكرام عنايتها واهتمامها، فرصدت في ذلك الأموال وكرست الامكانات وجندت الطاقات، ووفرت سبل الرعاية لحجاج بيت الله الحرام في شتى المجالات منذ أن تطأ أقدامهم هذه الأرض الطيبة، وحتى يغادرونها عائدين غانمين الى أوطانهم بعد أداء مناسكهم.
وتعد الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية من أهم سبل الرعاية التي توفرها المملكة لضيوف الرحمن الكرام في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة والمدينة المنورة وعند منافذ الدخول البرية والبحرية والجوية.
وعندما نستقرئ تاريخ الوضع الصحي في منطقة الحج في الماضي القديم، نلمس وضعاً مأساوياً، حيث كانت الأوبئة تفتك بالحجاج وتحصد أرواحهم.
تقول المؤرخة التركية (جولدن صاري يلزر) في كتابها (الحجر الصحي في الحجاز) المنشور من قبل مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات والذي تناولت فيه الحالة الصحية للحجاز في الفترة ما بين 1865-1914م، تقول أن الأوبئة بين الحجاج ولا سيما وباء (الكوليرا) كان أمراً يشكل قلقاً ليس فقط لدى الدول العربية والاسلامية وإنما حتى الدول غير الاسلامية.
وتقول ان شرارة الأوبئة كانت تأتي مع بعض الحجاج القادمين من دولهم لأداء فريضة الحج ثم تتفشى بين الحجيج، كما كان بعض المصابين بالمرض من الحجاج ينقلون مرضهم معهم الى بلدانهم.
إن الرعاية الصحية في الحج هي في واقع الأمر من مقتضيات الأمن العام للحجيج، ذلك أن (الأمن الصحي) يعد جزءاً مهماً في اطار المفهوم الشمولي للأمن، لأن الكارثة الصحية الوبائية - لا سمح الله - لها تداعياتها على الصعيد الأمني.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية في تقاريرها على ان للحالة الصحية أبعاداً أمنية، وأن الأمن الصحي جزء من الأمن العام، وأن لهذه الأبعاد أهميتها في نطاق الرؤية الشمولية لصحة الانسان والمجتمع.
وفي موسم الحج حيث يحتشد ملايين البشر في حيز مكاني محدود ومدى زمني معدود، يصبح الحفاظ على متطلبات الصحة قضية أمنية، تتبلور معها مفاهيم (الأمن الصحي)، ذلك أن تفشي الوباء بين تجمعات بشرية كبيرة محتشدة في مكان واحد يصبح - لا قدر الله - وافر الاحتمال.
ان وضع الخطط العلمية المدروسة لمواجهة الكوارث في جانبها الصحي، وإعداد البرامج اللازمة والتدرب عليها، وإن مواكبة الوضع الوبائي العالمي، ووضع وتنفيذ اشتراطات صحية محددة، وإحكام الرقابة الصحية على منافذ دخول الحجاج البرية والبحرية والجوية، وجهود التقصي الوبائي والتطعيمات الوقائية والتنسيق دولياً لمنع وفادة الأوبئة والأمراض الى البلاد، والرقابة الصحية على سلامة الأغذية والمياه يأتي في اطار الأمن الصحي.
وإن مكافحة العدوى في المرافق الصحية وفق برامج علمية لضمان عدم حدوث عدوى جرثومية أو فيروسية - لا قدر الله - يمثل جزءاً من الأمن الصحي، كذلك توفير قدر كافٍ من الاسعافات بكوادرها المدربة، تعمل وفق خطة علمية هو من الأمن الصحي.
وتأمين كافة أنواع الأدوية، الأدوية الاسعافية وأدوية العناية المركزة وأدوية الأمراض المزمنة والشائعة وغيرها، وتوفير المستلزمات الطبية والأجهزة والمعدات الطبية والتطعيمات الوقائية والمواد المخبرية، وكذلك توفير مستودعات طبية (ديناميكية) بشكل يلبي احتياجات كافة الظروف ويعد من مقتضيات الأمن الصحي.
وإن توفير المستشفيات والمراكز الصحية بكافة تجهيزاتها الطبية وكوادرها البشرية لتقديم الخدمات العلاجية للحجاج في الحالات الاعتيادية والقدرة على التعامل والتفاعل مع حالات الطوارئ وفق خطط مدروسة ومحددة، يعد من أهم أجزاء (الأمن الصحي).
والحج هو في الواقع حالة طوارئ صحياً وخطط الطوارئ التي تحدد المواجهة من المرافق الصحية تعد من أهم مقومات الأمن الصحي.
لقد هيأت وزارة الصحة هذا العام (7) مستشفيات في مكة المكرمة بسعة سريرية اجمالية قدرها (1914) سريراً اضافة الى (85) مركزاً صحياً، وفي مشعر منى توجد (4) مستشفيات بسعة (766) سريراً اضافة الى (29) مركزاً صحياً، وفي عرفات (3) مستشفيات بسعة (724) سريراً اضافة الى (46) مركزاً صحياً، هذا الى جانب (6) مراكز صحية في مزدلفة.
مستشفيات ومراكز صحية تنشئها الوزارة كل عام بكافة أجهزتها ومعداتها وأدويتها وكوادرها البشرية لأيام معدودة خدمة للحجاج.
وعلى مدار العام تتواصل الاستعدادات في وزارة الصحة من خلال لجان الحج المختلفة استعداداً للحج.
إن وزارة الصحة تضطلع بأعمال تندرج في الأمن الصحي، ولكن قد يتطلب الأمر تنسيق الجهود وفق استراتيجية علمية وشمولية تحقق الأمن الصحي المنشود.
والواقع إن جميع العاملين في خدمة الحجاج صحياً من أبسط موظف الى قمة هرم الوزارة، يستحقون كل الشكر والتقدير على الجهود الكبيرة التي بذلوها خدمة لضيوف الرحمن الكرام، فالشكر لولاة الأمر ولوزير الصحة الدكتور حمد المانع ورئيس لجان الحج الصحية الدكتور منصور الحواسي ولكافة العاملين في خدمة الحجيج، جعل الله ذلك في موازين حسناتهم.
|