Friday 30th January,200411446العددالجمعة 8 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إلى حجاج بيت الله 3-3 إلى حجاج بيت الله 3-3
د. محمد بن سعد الشويعر

في هذا اليوم، نستكمل مع الحاج الكريم: صفة حجة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكي يسترشد بها، ويتأدب بآدابه صلى الله عليه وسلم، ويأخذ من عمله عليه الصلاة والسلام الأسوة الحسنة.. وقد وصلنا في الحلقة السابقة إلى وصوله عليه الصلاة والسلام إلى مزدلفة، بعد انتهاء أعمال عرفة.. يقول جابر: ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر، وصلى الفجر حين تبيَّن له الصبح، بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه وكبّره وهلّله ووحَّده، فلم يزل واقفاً، حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس، وكان رجلاً حسن الشعر، أبيض وسيماً. فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرَّتْ به ظعن يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهنّ، فوضع رسول الله عليه الصلاة والسلام يده على وجه الفضل، فحوّل الفضل وجهه إلى الشقّ الآخر، ينظر فحوّل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر، على وجه الفضل، يصرف وجهه من الشق الآخر، ينظر حتى أتى بطن محسر، فحرَّك قليلاً، ثم سلك الطريق الوسطى، التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبِّر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخَذْف، رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثاً وستين بيده، ثم اعطى علياً، فنحر ما غير، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها. «الخذف: حصيات صغيرة بحجم حبة الحمّص». ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفاض إلى البيت، فصلَّى بمكة الظهر، فأتى بني عبدالمطلب يسقون على زمزم، فقال: انزعوا بني عبدالمطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلواً فشرب منه. وجاءت في رواية عمر بن حفص بن غياث جاءت زيادة قال: حدثني أبي عن جعفر قال: حدثني أبي عن جابر رضي الله عنه في حديثه ذلك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نحرت ههنا ومنى كلّها منحر، فانحروا في رحالكم، ووقفت ههنا وعرفة كلّها موقف، ووقفت ههنا وجمع - يعني مزدلفة - كلّها موقف «صحيح مسلم جـ3: 333-355». وإن من تيسير رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمة، أنه ما سُئل عن شيء من أعمال الحج قدَّم أو أخَّر في منى إلا قال: افعل ولا حرج. ومن هذا العمل الذي تأسّتْ الأمة به من قول وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمما يعطي المسلم فوائد كثيرة، خاصة وعامة، على كل مسلم أن يحرص عليها، ويؤصِّلها عند إخوانه المسلمين: خضوعاً لله سبحانه، وتأدُّباً بين الناس في تعاملهم، ورأفتهم بإخوانهم حتى لا يضرَّ بعضهم بعضاً، وعرفاناً للمحسن بإحسانه، وطاعة في الانقياد والتنظيم. فإن في منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج، ما يشعر بتقوية الصّلة بالله عزَّ وجلَّ، وتعظيم شعائره، وابتعاد الحج عن الشعارات والمظاهر، لأنه خضوع لله، وأدب في جميع المواقف، وإخلاص الوحدانية لله، وصرف جميع أعمال الحج بإخلاص وصدق نيّة له سبحانه. ونلمس من صفة حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه جعل من الحج: أحوالاً مع الله عبادةً وتوحيداً، وأحوالاً مع الأمة، تعليماً وإفتاءً، وقدوة تحتذى، وأحوالاً مع أهله: تواضعاً ورفقاً وصبراً وإحساناً.. وكل من درس صفة حج النبي الكريم، استظهر منها فوائد ومصالح، يستنير بها المسلم في عبادته وتعامله مع الآخرين، وقد كتب فيها من كتب، ونمرّ بما يتفق مع الحيِّز المتاح في هذه الكلمة، باختصار، فنقتصر على ما يلي: - لما كان الحج لله عبادة خالصة {وّأّّتٌمٍَوا الحّجَّ وّالًعٍمًرّةّ لٌلَّهٌ} [البقرة: 196] فإن بداية التلبية: لبيك اللهم لبيك: يعني جئت مستجيباً لله، مخلصاً الوحدانية في جميع أعمالى لله لا شريك له. وهذا معنى تحقيق التوحيد، الذي تدل عليه جميع الأعمال وعليه شعار الحج، فإذا كان هذا الشعار هو التوحيد، فإن جميع الأعمال التعبدية لا تصرف إلا لله لا شريك له. - تعظيم شعائر الله: دعاءً وعملاً، فلعلَّ الحاج الذي دخلت البدع والخرافات عليه: اعتقاداً ممن حوله أو تقليداً أن يدرك من تعظيم هذه الشعائر، وصيانة الحرمات في حجّه، ما يجعل ضميره يستيقظ ليبدأ الحاج بإزالة نقطة ضعف في إيمانه ليترك تلك البدع والخرافات، ويفتح صفحة جديدة، يمحو الله بها، ما سبق، وتجدد له أعمالاً صالحة تنفعه عند ربه. - الحج يفتح بأعماله أبواب الخير والمنافع: فهو يبدأ بالغسل الذي هو نظافة حسيَّة، والإحرام الذي يرمز للتواضع، وتذكّر حال الفقير الذي يتساوى فيه مع الغني: لباساً وعبادة، ومسارعة في الاستجابة وسيراً على الأقدام. - إبراز مكانة الإسلام وما يدعو إليه من تضامن وقوة ووحدة وتعاون ضد العدو وتنظيم صفوف، وسير خلف القيادة، وإرهاب العدو، الذي يتمثَّل في سرعة الاستعداد والاستجابة، لأن تحديد المواعيد في جميع المشاعر، وفي رمي الجمار، وفي الانتقال من مكان إلى مكان، يذكِّر بمهمة عظيمة انتشر بها الإسلام في أنحاء الأرض، وهي الجهاد وتوحيد الصفوف، وسرعة التعبئة ومباغتة العدو. - وإغاظة المشركين وأعداء دين الله، وفي مقدمتهم عدو الله إبليس، بكثرة العدد في التوافد، وبالانتظام في العمل: طوافاً وسعياً وتقيّداً بالأوقات دقَّة، واحتراماً لمشاعر الآخرين، إذ في رمي الجمار إحساس بالحماسة في محاصرة العدو، لإضعاف قوته، حتى يدخل في دين الله، أو يذل فلا يؤذي المسلمين. - ويأتي من مراغمة المشركين الحماسة لإظهار عظمة الإسلام، بإبراز الشعائر في الأماكن التي أظهروا فيها الكفر، حيث خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أعمال المشركين وما كانوا يعملونه ضد الإسلام وضد رسول الله، في أماكنهم التي تحولت من المعصية إلى الطاعة لله. - والحج من فوائده: العطف على الفقراء، بما يقدَّم لهم من أعمال خيرية ولحوم وصدقات وجزاءات هي لهم من الله حقاً مفروضاً، والجاهل في أمور دينه يتعلم، والعاصي يدرك ذنبه فيتوب إلى الله، والغافل ينتبه من سباته وتحركه الجماهير بأعمالها وعباداتها، ليعود إلى بلده بروح متفتحة، وتوبة صادقة وحماسة يستقبل بها ما بقي من أيامه. الفضيل بن عياض والرشيد: جاء في قصص العرب: أن هارون الرشيد حجّ، وبحث عمّن يسأله، فدلّ على الفضيل، فأتى إليه فلمّا سأله قال: يا أمير المؤمنين بلغني أن عاملاً لعمر بن عبدالعزيز شُكي إليه، فكتب إليه عمر: يا أخي أذكر طول سهر أهل النار في النار، مع خلود الأبد، وإياك أن يُنْصَرَفَ بك من عند الله، فيكون آخر العهد بك، وانقطاع الرجاء منك، فلما قرأ الكتاب طوى البلاد، حتى قدم على عمر، فقال له: ما أقدمك؟ قال: خلعت قلبي بكتابك، لا أعود إلى ولاية حتى ألقى الله عزَّ وجلَّ، فبكى هارون بكاءً شديداً، ثم قال له: زدني رحمك الله. فقال: يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عزَّ وجلَّ، عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن أردت أن تقي هذا الوجه من النار، فإياك أن تصبح وتمسى وفي قلبك غشّ على أحد من رعيتك، فإن النبي قال: من أصبح لهم غاشاً لم يرح رائحة الجنة، فبكى هارون، وقال له: عليك دين؟ قال دين الله لم يحاسبني عليه، فالويل لي إن ساءلني، والويل لي إن لم ألهم حُجَّتي، قال: إنما أعني من دين العباد؟ قال: إن ربي لم يأمرني بهذا، إنما أمرني بأن أُصدِّق وعده، وأطيع أمره. فقال هارون: هذه ألف دينار، خذها فأنفقها على عيالك، وتقوّ بها على عبادةربك، فقال: سبحان الله أنا أدلك على طريق النجاة، وأنت تكافئني بمثل هذا؟ سلَّمك الله ووفَّقك، ثم صمت ولم يكلمنا. قال الربيع وزير هارون: فخرجنا من عنده، فلما صرنا إلى الباب، قال هارون: إذا دللتني على رجل فدلَّني على مثل هذا، هذا سيد المسلمين. فدخلت امرأة من نساء الفضيل عليه، فقالت: يا هذا قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال، فلو قبلت هذا المال فتفرّجنا، به، فقال: مثلي ومثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه، فلما كبر نحروه فأكلوا لحمه. فلما سمع هارون هذا الكلام قال: ندخل فعسى أن يقبل المال، فلما علم الفضيل خرج فجلس في السطح على باب الغرفة، فجاء هارون وجلس إلى جنبه، فجعل يكلمه فلا يجيبه، قال الفضيل: فبينما نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء فقالت: يا هذا قد آذيت الشيخ منذ الليلة، فانصرف يرحمك الله، فانصرفنا. «1:279».


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved