تعد الحمى الشوكية من أخطر الأمراض التي قد يتعرض لها الإنسان، نظراً لأنها تصيب الدماغ، وهو المسيطر على كل حواس الجسم وأعضائه، وليس أدل على خطورة هذا المرض من وفاة 10% من الأطفال الذين يصابون بهذه الحمى، بالإضافة إلى إصابة نسبة مماثلة من المرضى بعاهات مستديمة، ناتجة عن المضاعفات المصاحبة له.
. كما أن هناك 80% من حالات الإصابة به تحدث بين الأطفال.
فما هي الحمى الشوكية؟ وما هي أعراضها ومضاعفاتها ووسائل علاجها؟ هذا ما يحدثنا عنه د. سامي نوح استشاري طب الأطفال بمستشفى الحمادي بالرياض وعضو الكلية الملكية لطب الأطفال بلندن وعضو الكلية الملكية للأطباء بدبلن والباحث بطب الأطفال في المستشفى الملكي لأمراض الأطفال في كلاسكو.. من خلال هذا الحوار:
******
* بداية نسأل عن ماهية الحمى الشوكية وكيف تحدث؟
-لابد أن نعرف أن هناك ثلاثة أغشية تسمى السحايا تغلف الدماغ والنخاع الشوكي، ويجري في داخلها سائل شفاف ولزج لكي يحافظ على الدماغ من الصدمات ويوفر بيئة نموذجية لفعاليات الدماغ، كما أنه يجعل الدماغ طافياً على سطحه بحيث يصبح وزنه على الرقبة بضعة ملغرامات فقط عوضاً عن الوزن الفعلي للدماغ والذي يزيد عن كيلو ونصف.
ولولا هذا السائل (CSF) الذي يعمل كالسترة المائية المعومة للتخفيف من وزن الدماغ لما استطاع الإنسان بهذه الرقبة الرقيقة أن يتحمل وزن الدماغ. فحجم الدماغ الفعلي لو فرشت تلافيفه يبلغ بحجم وسادة وهو أضخم وأعقد كمبيوتر ولكنه يستقر على رقبة متحركة إلى كل الاتجاهات تمتد خلالها كيبلات وأسلاك عصبية لنقل المعلومات من وإلى الدماغ الذي يسيطر على كل شاردة وواردة في الجسم. وهذا الكمبيوتر المفكر العظيم يشكل الماء فيه نسبة 60% إلى 80% وتغلفه السحايا الثلاث وهي الأم الجافية والأم الحنون والأم العنكبوتية التي قد تلتهب وتسبب التهابا في الدماغ وأمورا لا تحمد عقباها.
ويحدث التهاب السحايا أو الحمى الشوكية أما بواسطة البكتريا أو الفيروسات أو الطفيليات أو الفطريات. وعادة ما تكون الالتهابات الفيروسية غير خطرة على العكس من الالتهابات الجرثومية. ويشكل الأطفال حوالي 80% من حالات الإصابة بالتهاب السحايا وحوالي 10% منهم يموتون بسبب المرض و10% من المصابين تحدث لهم عاهات مستديمة. وعليه فإن الإسراع بعلاج المرض ومعرفة أعراضه لأخذ الطفل بسرعة إلى المستشفى تعتبر من الأمور المهمة جداً في تفادي تلك المضاعفات.
*وما هي أبرز أعراض هذا المرض؟
-لا توجد أعراض خاصة بالمرض ولكن يمكن للأهل ملاحظة بعض الأعراض منها: حمى عالية تصل إلى 39 درجة، حدوث تصلب الرقبة وعدم إمكانية ثنيها نحو الصدر ويمكن للأهل اختبار ذلك بحني رقبة الطفل برفق بحيث يلامس الحنك الصدر للتحري عن أي تصلب أو ألم، يصاحب ذلك خمول عام ونعاس مع فقدان الشهية أو الرضاعة، أو صداع، ومن الأعراض أيضاً الخوف من الضوء أو عدم تحمل الضوء خاصة دون عمر السنتين، كذلك انتفاخ اليافوخ بالنسبة للأطفال الصغار ويمكن تحسس ذلك من قبل الأهل برفق بالمسح على منطقة اليافوخ في مقدمة الرأس ولكن مع عدم البكاء لأن البكاء يجعلها تنتعض.. وفي بعض الحالات يحدث التقيؤ مع التشوش الذهني والنعاس، وظهور طفح لا يختفي عند ضغطه ويمكن للأهل التأكد من ذلك بضغط الطفح بواسطة قدح شفاف والنظر لو اختفى أم لا، وقد يحدث التشنج العصبي أو الصرع وفقدان الوعي، إلا أن جميع هذه الأعراض يمكن أن تحصل مع أي التهاب آخر وهنا يأتي دور الطبيب المعالج للتحري عن المرض بواسطة فحص سريري خاص ولو اقتضى الأمر فحوصا أخرى
*وماذا على الأهل فعله لو شكوا بالمرض؟
-نظراً لخطورة المرض لا يجب تأخر علاجه أو تركه دون علاج لذا يجب أن يؤخذ الطفل إلى المستشفى فوراً.
*وكيف تحدث الإصابة بالمرض؟
-يتم انتقال الميكروب غالباً من الجهاز التنفسي العلوي كالأنف أو الحنجرة والبلعوم وأحياناً الأذن إلى الدم من خلال الغشاء المخاطي خاصة بعد حدوث خدوش والتهاب فيه من جراء البرد أو الزكام في الشتاء وبعد أن تنفذ البكتيريا إلى الدم تتكاثر وقد تصل إلى السحايا فتصيبها بالالتهاب. وقد تعيش هذه الجراثيم في المجاري التنفسية دون أذى عند بعض الأشخاص ولكنهم يصبحون ناقلين لها لغيرهم أو لأبنائهم عند العطاس أو السعال أو التقبيل أو الحديث عن قرب وما شابه.. وان فترة حضانة المرض من 1 إلى 10 أيام، وهي الفترة من دخول البكتريا إلى ظهور الأعراض.
*وماذا عن مضاعفات المرض؟
-من المضاعفات في حالة تأخر العلاج: فقدان السمع، والصرع، وكذلك قيلة الدماغ المائية، وفقدان البصر، والحول، والتخلف العقلي والشلل الدماغي، بالإضافة إلى مضاعفات أخرى كعجز الكلى وغانغرينا الأطراف وغير ذلك.
*وكيف يعالج هذا المرض؟
-يجب أولاً أن تتم المعالجة بأسرع وقت لتلافي المضاعفات بواسطة المضادات الحيوية الخاصة حسب العمر ونوع الجرثومة والحالة وعليه يجب أن يرقد المريض لإجراء التحريات اللازمة. ومن هذه التحريات التي قد يجريها الطبيب المعالج هو أخذ نموذج من السائل الشوكي من ظهر المريض للتحري عن نوع الجرثومة. وهذا الاختبار خلاف ما يعتقد الكثير من الأهل بسيط ولا خطورة منه بل العكس هو الصحيح، ولا شك أن التعاون بين الأهل والطبيب واستجابة الأهل لما ينصح به الطبيب مهم جداً لأن أي تأخير بالفحوص والعلاج ينعكس سلباً على المريض، وإضافة إلى المضادات الحيوية هناك أدوية أخرى وقسم من الحالات تحتاج إلى عناية مركزة. وبعد شفاء الحالة يجب إجراء متابعة شاملة لمدة طويلة مع التأكد من فحص السمع بعد فترة، مرة واحدة على الأقل وعليه فإن الأهل يجب أن لا يهملوا المتابعة المستمرة والتقيد بالمواعيد.
*وهل ثمة وسائل للوقاية من هذا المرض؟
-وسائل الوقاية تبدأ باللقاحات: وهناك عدة أنواع من البكتريا يمكن أن تؤدي لالتهاب السحايا ولكن أخطر وأشهر الأنواع هي المننكوكوكس والستربتوكوكس والهيموفيلس.
وبالنسبة للأخير الهيموفيلس (ب) فإن نسبة الإصابات قد انخفضت بشكل كبير بعد إدخال اللقاح الخاص بها ضمن اللقاحات الروتينية للأطفال الرضع منذ عام 1995م، أما المننكوكوكس فإن هناك 3 أنواع وهي (A) و(B) و(C). النوع (B) منتشر في بريطانيا والغرب وقد أدخلت السلطات الصحية البريطانية لقاحا منذ سنتين ضد هذا النوع مما أعطى نتائج مذهلة حيث قلت الإصابات بحوالي (90%). أما النوع (A) و(C) فإنهما يكثران في المنطقة العربية ويوجد لقاح ضدهما ينصح بإعطائه خاصة في موسم الحج للحجاج والمعتمرين في المملكة. وقد يدخل هذا اللقاح ضمن اللقاحات الروتينية في المستقبل القريب. وفي مستشفى الحمادي فإن اللقاح متوفر للراغبين أو حسب توصية الطبيب إلا أنه قد يدخل بشكل روتيني بعد توصيات وزارة الصحة في المستقبل. وهناك لقاحات خاصة بالمرضى ذوي المناعة المنخفضة.
ومن وسائل الوقاية أيضاً عند اكتشاف حالة مرضية يجب إبلاغ السلطات الصحية من قبل الطبيب المعالج لاتخاذ تدابير وقائية للذين يلازمون المريض أو يعيشون معه كالأهل أو المدرسة أو الجامعة وهكذا. ويتمثل ذلك بإعطائهم مضادات حيوية مناسبة للوقاية.
وهناك إجراءات وقائية عامة كالتغذية الصحيحة والنظافة العامة وعدم العطاس أو السعال بوجوه الآخرين خاصة الأطفال. وعدم استخدام أدوات الأكل أو المناشف للآخرين وغسل الأيدي جيداً خاصة قبل الأكل مع الاعتناء بنظافة الفم والأنف والحنجرة بشكل مستمر. ومن المهم كذلك الحفاظ على بيئة نظيفة مع أداء التمارين الرياضية بانتظام.
|