حوار: سلطان المهوس
التاريخ لا يكذب أبداً، والذكريات تحتاج إلى تمحيص وتدوين لكيلا تترهل وتضعف ويسهل تحريفها وازالة مصداقيتها حسب الأمزجة والأهواء.. في هذا اللقاء الأول من نوعه من أحد رواد الحركة الرياضية بمنطقة القصيم ومن الذين ساهموا في بدايات الكرة في القصيم يمضي بنا الأستاذ صالح بن إبراهيم العبودي مسترجعاً ذكريات بداياته مع الكرة في عام 1374هـ مع شقيقه مؤسس النادي الأهلي «الرائد حالياً» عبدالعزيز العبودي وأبناء الوابلي والقوسي والرشودي والغنام والقليش وغيرهم. يضع العبودي الحقيقة التاريخية كاملة بدون تزييف وفق معايشته لواقع مضى عليه أكثر من خمسين عاماً، يقول الصدق ويؤكد القصة الكاملة لتأسيس الغريم التقليدي لناديه «الشباب السعودي» التعاون حالياً.
يتذكر أحداثاً مهمة ويضحك مع المواقف الظريفة ويرفض قول غير الحقيقة.. فإلى حوارنا الشيق مع صالح العبودي:
****
بدايتي مع الرياض
بدأت علاقتي بالرياضة وعمري تقريباً كان في الخامسة عشرة، حيث كنت مع زملائي نلعب في الشوارع الضيقة والحارات ثم انضممنا إلى النادي الأهلي «الرائد حالياً» لأنه الوحيد في المنطقة آنذاك وكان معي عبدالله السويل وأولاد الوابلي «محمد وحمد وعبدالله» وحمود الرشودي وكان كابتن الفريق الأهلي عبدالعزيز العبودي «شقيقي» أضف إلى ذلك عبدالله المحيسن وعبدالعزيز الغنام ومفرح القوسي ومحمد الفايز القليش «رئيس اتحاد الكاراتيه والجودو حالياً». منهم من توفي إلى رحمة الله ومنهم من ما زال حياً يرزق، وطبعاً كان هناك مشقة في اللعب حيث لا موارد مادية ولا مواصلات والمجتمع كان ينظر إلى الرياضة بأنها ترف ومضيعة للوقت ومن غير المستحب مزاولتها، بل إن البعض منهم يحرمها!! وكان ذلك في بداية السبعينيات الهجرية وتحديداً عام 1374هـ.
شقيقي أول من أدخل الرياضة في القصيم
كان شقيقي عبدالعزيز هو مدرب الفريق ورئيسه والمسؤول عنه، حيث كان يفهم كثيراً بكرة القدم لأنه قدم من المنطقة الشرقية وتحديداً من شركة «أرامكو» حيث احتك بالأجانب وعرف الكثير من المهارات الكروية وعندما جاء لبريدة أسس فريق الأهلي.. ونظمه بمساعدة من العديد من زملائه ولكن هو الأساس لبداية الكرة في المنطقة وكان ملعب الفريق يقع في حي «العكيرشة» شرق مستشفى بريدة المركزي وكان ممن ساعد في بدايات الرياضة فهد المبارك وعلي المضيان وعبدالعزيز العمار.
رياضة بدائية!!
لم يكن هناك أي أنظمة رياضية ولا أي جهة مسؤولة عن الرياضة في المنطقة، وكنا نأخذ ملابس التمرين ونذهب لملعب «الأهلي» بالعكيرشة سيراً على الأقدام وعندما نصل إلى «النفود» نبدأ بالنزول حيث كان الملعب يقع تحت «تل رملي» وبعد نهاية التمرين نرجع لصعود هذا «النفود» للرجوع للمنازل ولم يكن هناك أنوار أو طرق معبدة، والطريف في الأمر أن هناك رسوماً على كل لاعب ينضم للفريق حيث لا بد أن يدفع شهرياً مبلغ «خمسة ريالات» إذا أراد مواصلة التمرين مع الفريق!! وتستخدم مبالغ الرسوم لشراء «كورة» للتمرين و«فانيلات» للمباريات!!
وكان عدد من يتابع التمرين من الجمهور قليلاً جداً حيث كانوا يجلسون على أطراف الملعب «الحبس» ولم يزد عددهم إلا بعد فترة طويلة.
بداية ظهور فريق الشباب «التعاون»
في العام 1376هـ تقريباً وبعد حوالي سنتين من تأسيس فريق الأهلي حدث أن انفصل مجموعة من أفراد الفريق وتركوه ليأسسوا فريقاً آخر أسموه «الشباب» ولصغر سني آنذاك لم أكن أعرف السبب الحقيقي للانفصال ويمكن أن يكون الحماس بالتمرين أو ما شابه سبباً لذلك ولكن السبب الحقيقي لا أعرفه بالتحديد، وكان أبرز الأفراد الذين انفصلوا أبناء الوابلي «حمد ومحمد وعبدالله» وحمود البراهيم الرشودي «رحمه الله» وصالح الهذال «رحمه الله» .
وانضم إليهم عبدالله الجمحان وقد كان مقر ملعبهم بجانب ملعبنا، وأتذكر أنهم إذا لم يكتمل عددهم بالتمرين جاءوا إلينا والعكس صحيح وكان قائد «الشباب» محمد الوابلي ومنذ ذلك الحين انطلق التنافس الكروي بين الأهلي «الرائد» والشباب «التعاون» وبدأت الجماهير تتحمس لمباريات الفريقين.
بداية التجديدات!!
أول إدارة رسمية للأهلي ترأسها المرحوم غانم العبدالله الغانم في عام 1382هـ، حيث سجل النادي رسمياً وقد ترك شقيقي عبدالعزيز الفريق وذهب للرياض وكان مقر إدارة الفريق الأول في الجردة وتحديداً في السد الصغير المجاور لمحلات صنع الخيام «حالياً»، ثم انتقل المقر إلى جنوب محطة الراشد على شارع الخبيب أمام المقبرة وبعدها انتقل المقر إلى أول شارع الخبيب وتحديداً أمام البنك العربي «حالياً»، ثم إلى مقره الحالي بعد اكتمال بناء السور الطيني في عهد إدارة العضاض.
وكان ايجار المقر الأول حوالي ثلاثة آلاف ريال، وكان أبرز الزملاء في تلك الفترة عبدالمحسن الضويان وأحمد العيد والمرحوم عبدالله السلمي وإبراهيم الراشد وناصر الصلال وموسى الراشد وقبلهم كان الفنان المعروف «حجاب بن نحيت» ومحمد الهذلول وأخوه فيصل أبناء أمير بريدة وعلي الغماس وعبدالله الحواس وعلي الفايز وقد لعبنا مع فرق الرس والمجمعة وحائل.
أبرز الحكام
من أبرز الحكام آنذاك الجمل ومحمد رمضان وعبدالرحمن الدهام والنفيسة وعبدالرحمن الموزان، حيث كانوا يحضرون من الرياض مكلفين لإدارة المباريات نظراً لقلة الحكام بالمنطقة.
التنافس مع «الشباب»
كان التنافس مع الشباب «التعاون» كبيراً وله طعم خاص. وللتاريخ فقد كانت النتائج متبادلة بيننا وبينهم إلا أن عام 1385هـ شهد أكبر انتصار لنا عليهم عندما هزمناهم بخمسة أهداف مقابل هدف وقد سجلت هدفاً واحداً في تلك المباراة وكان الحكم هو عبدالرحمن الموزان وساعده جوهر والمكاوري. وقد مثَّل فريق الأهلي آنذاك عبدالله السلمي ومرزوق السالم وعلي الفايز وأحمد العيد وعلي الغماس وعبدالمحسن الضويان وإبراهيم الراشد والحواس وعبدالله الفريج «توكا» ونجيب وصالح العبودي. وقد مثَّل الشباب الجمحان والقصير والربيش والفضل والفدا وجار الله والوابلي وصقعوب وصالح الهذال ومحمد الحسون وصالح السديري. وقد كان الشباب متقدماً علينا بهدف للحسون وقد انتهى الشوط الأول بذلك وقد سجل للأهلي «الرائد» نجيب هدفين وتوكا والحواس وأطلق على هدفي الذي سجلته «بالمباركية» نظراً لقوة تسديدي وتشبيهاً بتسديدات اللاعب الشهير مبارك عبدالكريم وهذا لا يمنع من قوة فريق الشباب ولكن هذا حال الكرة والتاريخ لا يكذب أبداً
وكان يدربنا في تلك المباراة السوداني الأمين قرندة، وقد عسكرنا في شقته بشركة الكهرباء حيث كان يعمل هناك!! ومن أبرز المواقف الطريفة التي أتذكرها أنه في إحدى المباريات مع الشباب السعودي وقبل نهاية المباراة بعشر دقائق جاء «النواب» - مجموعة من رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - على سيارة دوج حمراء وكان عددهم أربعة وأخرجونا من الملعب لقرب الأذان وقد أختبأنا ب«الأثل» حتى ذهبوا ثم عاودنا اكمال المباراة!!
أبرز الأجانب
كان أبرز من درب فريقي الأهلي المدرب المصري محمد عطا والسوداني الأمين قرندة، وبالمناسبة كان لاعباً في الفريق قبل أن يدربه. أما أبرز اللاعبين من غير السعوديين فهم السوداني «الدبلي» وكان يشتغل في سوق الذهب والحضرمي عبدالكريم مسعود والحضرمي المرحوم عون الزبيدي كانا يشتغلان في البنك الأهلى.
المعسكرات!!
كنا نعسكر قبل المباراة بثلاثة أيام أحياناً في شقة الأمين في شركة الكهرباء وأحياناً في قصر أمير بريدة ابن هذلول، حيث كان يشجعنا ويدعمنا رحمه الله.
عدة مراكز!!
لعبت حارساً للمرمى ومدافعاً ولاعب وسط وتسلمت شارة الكابتنية بتكليف من إدارة الغانم وعملت جابياً للفلوس حيث كان - كما قلت سابقاً - يفرض على اللاعبين رسوماً قدرها خمسة ريالات في الشهر وكنت مسؤولاً عن تحصيلها، واستغرب من شباب اليوم حيث تعطيهم الأندية الملايين ولا يشبعون!! ولدي بيانات تثبت الرسوم على اللاعبين.
النهاية
تركت الكرة عام 1385هـ ولم أعمل إدارياً، بل بقيت مشجعاً للفريق ورويداً رويداً انتهت علاقتي بالرياضة والآن أتابع التلفزيون فقط وقد تحول اسم الفريق من الأهلي إلى الرائد عام 1388هـ.
الإساءة للتاريخ!!
يجب على من يريد التحدث عن تاريخ الأهلي «الرائد» والشباب السعودي «التعاون» أن يسأل الكبار ممن عاصروا بدايات الكرة ببريدة وألا يستكين لعواطفه وأهوائه؛ لأن في ذلك إساءة للتاريخ الرياضي، فما الذي يمنع انفصال الشباب عن الأهلي؟!!
فكل الأندية تنفصل حتى الدول تنفصل والعوائل كذلك فلماذا يستغرب البعض من أن يكون التعاون خرج من رحم الرائد الذي هو أساس الرياضة القصيمية. وهل نبت «الشباب السعودي» من الأرض..
انظر إلى أندية المملكة وستجد أنها كانت قليلة جداً وبعد فترة انفصل أفرادها وكونوا فرقاً أخرى وهكذا.. ولا يعيب التعاونيين ذلك لأنهم كونوا نادياً محترماً وأوصلوه للأضواء وأصبح مشهوراً وهكذا الحياة.
والأهم أن لا يكتب ولا يتكلم بالتاريخ إلا من عاش تلك الفترات أو كان قريباً منها لأن البعض يتكلم عن جهل بأمور واضحة وضوح الشمس، وللأسف أصبح الصغار يتلاعبون بتاريخ رياضتنا، وشكراً للعلولا الذي خطا خطوة جبارة للحفاظ على تاريخ الرياضة القصيمية.
وقفة..
لا أستطيع الحديث إلا عن الأشياء التي عايشتها وعرفتها ومتأكد منها، وما قلته في هذا اللقاء هو ما عرفته ومتأكد منه والتاريخ لا يمكن أن يطمس وفق أهواء أو تعصب غير منطقي أبداً.
العبدي نموذج
قبل أن نختم اللقاء آمل أن تبعث سلامي الحار وشكري وتقديري وكافة زملائي للأخ الأستاذ محمد العبدي مدير التحرير للشؤون الرياضية بالجريدة لأنه بالفعل أعطى صورة ناصعة البياض للشخص العملي.
ونحن نفتخر أنه من القصيم وهو نموذج للابن البار لعمله ولوطنه ودعائي الصادق له باستمرار التفوق والنجاح المبهر دائماً.
لقطات من الحوار
* أشاد العبودي بكتاب الزميل أحمد العلولا «الحركة الرياضية والشبابية بمنطقة القصيم» ووصف الكتاب بالمميز ونوه إلى مصداقيته الجريئة.
* أبدى الضيف استغرابه ممن يحاول طمس التاريخ وهو لم يعايشه!!
* مدير مكتب رعاية الشباب بالقصيم سابقاً الأستاذ محمد العمار حضر في ختام اللقاء وعندما شاهد الكاميرا وآلة التسجيل قال مازحاً صحافة.. فكونا!!
* قال الضيف إن امكانيات الملاعب ضعيفة والدليل أن شبكة المرمى كانت توجد في مرمى بينما المرمى الثاني خال!!
* أثنى الضيف على داعمي الفريق من القدامى خارج المنطقة علي المقيطيب ومحمد علي الصانع وصالح السفيّر وصالح البراك وعبدالعزيز التويجري وعبدالكريم المشيقح.
* قال إن داعمي الفريق من المنطقة قديماً عبدالله العويّد وعلي الخليفة وعبدالله النصير وفهد الذايدي وعلي السويد وسليمان الراشد وسليمان الدريبي.
* الضيف كان خفيف الظل ويحب إلقاء النكتة والتعليق بشكل ساخر!!
* علّق على من يكذِّب انفصال الشباب «التعاون» عن الأهلي «الرائد» بقوله هل هم مستوردون أم جاءوا من كوكب آخر؟!!
* نصح كل من لا يعرف التاريخ أن يسأل اللي أكبر منه سناً حتى يفهم التاريخ من رجاله!!
* الضيف هو شقيق المهندس أحمد العبودي رئيس الرائد السابق.
* ردد كثيراً وطلب مني بإلحاح إيصال الشكر والتقدير للزميل محمد العبدي حيث يرى أنه أفاد الرياضة وساعد على دعمها إعلامياً بكل قوة ويعد من أبرز داعمي الحركة الرياضية..
ويستحق الشكر.
بطاقة الضيف الشخصية
الاسم: صالح بن إبراهيم العبودي.
العمر: واحد وستون عاماً.
العمل: متقاعد من شركة الاتصالات السعودية.
الهواية: قراءة الكتب التاريخية.
|