Thursday 29th January,200411445العددالخميس 7 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الأمن مطلب .. وطاعة أولي الأمر واجبة الأمن مطلب .. وطاعة أولي الأمر واجبة
عبدالرحمن بن عبدالله بن سليمان الجميعة - محكمة ثادق

لا يخفى على من نوّر الله قلبه وألهمه رشده ما منَّ الله به علينا في هذه البلاد من نعم عظيمة لا تعد ولا تحصى، وإننا ولله الحمد والمنّة نتقلب بين نعمتين عظيمتين هما: نعمة الأمن ونعمة الإيمان هاتان النِعمتان اللتان حرمهما كثير من الناس من الدول القريبة أو البعيدة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. إن الأمن مطلب عظيم ونبيل كلٌ يسعى لتحصيله، فالأمن ضد الخوف، وهو سكون القلب وذهاب الروع والرعب، ولهذا لما دعا خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام لمكة المشرفة قال (رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات) وقال تعالى {وإذً قّالّ إبًرّاهٌيمٍ رّبٌَ اجًعّلً هّذّا البّلّدّ آمٌنْا واجًنٍبًنٌي وبّنٌيَّ أّن نَّعًبٍدّ الأّصًنّامّ )(ر35ر)} [إبراهيم: 35] {رّبٌَ إنَّهٍنَّ أّضًلّلًنّ كّثٌيرْا مٌَنّ النَّاسٌ فّمّن تّبٌعّنٌي فّإنَّهٍ مٌنٌَي ومّنً عّصّانٌي فّإنَّكّ غّفٍورِ رَّحٌيمِ) (ر36ر)} [إبراهيم: 36] ففي هذه الآية الكريمة دعا ابراهيم عليه الصلاة والسلام ربه ان يجعل مكة بلداً آمناً أي ذات أمن، وقدم الأمن على سائر المطالب لأنه إذا انتفى الأمن لم يفرغ الإنسان لشيء آخر من أمور الدين والدنيا. لقد كانت بلادنا من قبل مكاناً للفتن والحروب والنهب والسلب والقتل حتى منَ الله على أهل هذه البلاد بظهور دعوة التوحيد على يد الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله رحمة واسعة - وبقيام الحكم بشريعة الله ومناصرة الإمام محمد بن سعود - رحمه الله- حتى نشر التوحيد الخالص والسنَّة المحضة بين العباد وقمع الشرك ووسائله والبدع والفساد فخلصت الجزيرة ولله الحمد وانصبغت بالسنَّة والتوحيد. إننا ننعم في هذه البلاد بنعمة الأمن والرزق والراحة وسهولة الأسفار وتقارب الأقطار إننا في نعمة من الله تامة. أمن في أوطاننا وصحة في أبداننا ووفرة في أموالنا وبصيرة في ديننا. فلننظر ونفكر في الأمم التي حولنا وما يحل بها من النكبات والكوارث والفقر والجوع والتشريد والقتل وتيتم الأطفال وترمل النساء وافتقار الأغنياء وهلاك الأنفس وتلف الأموال والترويع والتخريب فكل ذلك يجري حولنا ونحن في أمن واستقرار وسعة في الأرزاق تحت ظل الإسلام وعقيدة التوحيد. إننا لم نحصل على هذه النعم بحولنا وقوتنا وإنما حصلنا على هذه النعم بفضل الله وحده ثم بالتمسك بدين الإسلام وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له قال الله جل وعلا {وعّدّ اللَّهٍ الذٌينّ آمّنٍوا مٌنكٍمً وعّمٌلٍوا الصَّالٌحّاتٌ لّيّسًتّخًلٌفّنَّهٍمً فٌي الأّرًضٌ كّمّا اسًتّخًلّفّ الذٌينّ مٌن قّبًلٌهٌمً ولّيٍمّكٌَنّنَّ لّهٍمً دٌينّهٍمٍ الذٌي ارًتّضّى" لّهٍمً ولّيٍبّدٌَلّنَّهٍم مٌَنً بّعًدٌ خّوًفٌهٌمً أّمًنْا يّعًبٍدٍونّنٌي لا يٍشًرٌكٍونّ بٌي شّيًئْا ومّن كّفّرّ بّعًدّ ذّلٌكّ فّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ الفّاسٌقٍونّ ) (ر55ر)} [النور: 55] وأسوق هنا كلاماً طيباً للإمام بن القيم عليه رحمة الله حيث قال: (من الآفات الخفية العامة أن يكون العبد في نعمة أنعم الله بها عليه واختارها له فيملها العبد ويطلب الانتقال منها إلى ما يزعم لجهله انه خير له منها. وليس على العبد أضر من ملله لنعم الله فإنه لا يراها نعمة ولا يشكره عليها ولا يفرح بها، بل يسخطها ويشكوها ويعدها مصيبة، هذا وهي من أعظم نعم الله عليه. فأكثر الناس أعداء نعم الله عليهم ولا يشعرون بفتح الله عليهم نعمه وهم مجتهدون في دفعها وردها جهلاً وظلماً فكم سعت إلى أحدهم من نعمة وهو ساع في ردها بجهده وكم وصلت إليه وهو ساع في دفعها وزوالها بظلمه وجهله). انتهى كلامه رحمه الله. وفي الحديث عن سلمة بن عبيدالله عن محصن الأنصاري عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من أصبح منكم معافى في جسده آمناً في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا) رواه بن ماجه في سننه.إن من مقومات الأمن في الإسلام اجتماع الكلمة وطاعة ولي الأمر ما لم يأمر بمعصية والتحاكم إلى شرع الله قال الله تبارك وتعالى:{يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا أّطٌيعٍوا اللَّهّ وأّطٌيعٍوا الرَّسٍولّ وأٍوًلٌي الأّمًرٌ مٌنكٍمً فّإن تّنّازّعًتٍمً فٌي شّيًءُ فّرٍدٍَوهٍ إلّى اللَّهٌ والرَّسٍولٌ إن كٍنتٍمً تٍؤًمٌنٍونّ بٌاللَّهٌ والًيّوًمٌ الآخٌرٌ ذّلٌكّ خّيًرِ وأّحًسّنٍ تّأًوٌيلاْ ) (ر59ر)} [النساء: 59] قال النووي رحمه الله تعالى - المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم.وفي الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: «قلت يا رسول الله إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير من شر؟ قال: نعم, قلت: هل وراء ذلك الشر خير ؟ قال: نعم. قلت: فهل وراء الخير شر؟ قال :نعم, قلت :كيف؟ قال يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس, قال قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال تسمع وتطيع للأمير وإن ضُرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع». إن أكثر بني آدم طبعوا على عدم الإنصاف وحبُ الانتصاف فلو لم يكن عليهم سلطان يسوس أمورهم لكانوا كوحوش الغابة وكحيتان البحر يأكل القوي الضعيف. كان المجتمع الجاهلي الذي بعث النبي صلى الله عليه وسلم لتطهيره من الشرك مجتمعا فوضويا لا قائد له, ولا يؤمن أحد من أفراده بمبدأ السمع والطاعة لولاة الأمر فكان نتيجة ذلك انتشار القتل والسلب وذيوع الخوف والحروب الطاحنة على أتفه الأسباب وضياع الحقوق. لهذه المفاسد العظام شدد النبي صلى الله عليه وسلم على أمر البيعة للإمام المسلم القائم وجعل من مات من المسلمين وليس في عنقه بيعة للإمام مات ميتة جاهلية كما في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) وكما في حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلى أن يرجع) أخرجه الإمام أحمد في مسنده. إن الله جل وعلا قد فرض على كل مؤمن بالله واليوم الآخر ان يلزم الجماعة وينتظم في سلكها ويستظل بظلها لانها هي رابطة المسلمين وفيها يعبد المسلم ربه آمنا قال الله جل وعلا {واعًتّصٌمٍوا بٌحّبًلٌ اللَّهٌ جّمٌيعْا ولا تّفّرَّقٍوا واذًكٍرٍوا نٌعًمّتّ اللَّهٌ عّلّيًكٍمً إذً كٍنتٍمً أّعًدّاءْ فّأّلَّفّ بّيًنّ قٍلٍوبٌكٍمً فّأّصًبّحًتٍم بٌنٌعًمّتٌهٌ إخًوّانْا وكٍنتٍمً عّلّى" شّفّا حٍفًرّةُ مٌَنّ النَّارٌ فّأّنقّذّكٍم مٌَنًهّا كّذّلٌكّ يٍبّيٌَنٍ اللَّهٍ لّكٍمً آيّاتٌهٌ لّعّلَّكٍمً تّهًتّدٍونّ ) (103)} [آل عمران: 103] قال إدريس الخولاني رحمه الله (إياكم والطعن على الأئمة فان الطعن عليهم هي الحالقة. حالقة الدين وليس حالقة الشعر ألا ان الطعانين هم الخائبون وشرار الأشرار). ففي هذا الأثر دليل جلي وحجة قوية على المنع الشديد والنهي الأكيد عن سب الأمراء وذكر معايبهم.فليقف المسلم الخائف من ربه جل وعلا حيث وقف القوم فهم خير الناس بشهادة سيد الناس محمد صلى الله عليه وسلم إن السباب والشتام ينافي النصح لولاة المسلمين وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر ولزوم جماعة المسلمين). ومن ظن ان الوقوع في ولاة الأمر بسبهم وانتقاصهم من شرع الله أو من إنكار المنكر فقد ضل ضلالاً بعيداً وقال على الله وعلى شرعه غير الحق بل هو مخالف لكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وما نطقت به آثار سلف هذه الأمور، فالواجب علينا أن نزجر كل من نسمعه يقع في ولاة أمورنا وعلمائنا وهذا هو فعل أهل العلم والدين وإن أكثر الناس يقعون في ولاة أمورهم بالسب ويعصونهم بسبب الدنيا إن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون. ومن هذه الحالة فان جرمه أشد ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ومنهم رجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنيا فان أعطاه منها وفَّى وإن لم يعطه منها لم يفِ).


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved