يبخل بعض الآباء بأوقاتهم على ابنائهم ويقيمون بين أنفسهم وبينهم حاجزاً فلدينا الأب الذي لا وقت لديه لتفقد أحوال أولاده معتقداً أن عمله ومستقبله - إذا ظن أن له مستقبلاً أفضل منهم - أهم منهم. ولدينا الأب الذي يعتقد أن موجبات الاحترام والوقار أن يقيم بينه وبين أولاده مسافة تجعلهم لا يستطيعون التحدث معه أو حتى سؤاله. وهذا النوع من الآباء يعتقد أن التبسط والضحك والمزاح مع أولاده يقلل من هيبته في نظرهم فنراه معهم دائماً متجهماً لا يحنو عليهم أو يلاعبهم فيكون وجوده في البيت لهم ولأمهم مدعاة للخوف والرعب والكآبة والنكد.
وهذا النوع من الآباء هو أسوأ الأنواع وأكثرهم جهلاً بأصول التربية وأساليب التعامل مع الأبناء، فالأب الذي يحول البيت إلى سجن أو فصل في مدرسة يمنع فيه الكلام والضحك والمزاح والتبسط أثناء وجوده يحول بيته بعد خروجه إلى سوق يختلط فيه الحابل بالنابل وتعم فيه الفوضى. وهذا أمر طبيعي يحدث يومياً في البيوت التي يحكمها أصحابها بالحديد والنار. فالكبت يولد الانفجار، والهدوء الذي يملأ البيت أثناء وجود الأب ما هو إلا الهدوء الذي يسبق العاصفة والاحترام والأدب الجم الذي يحظى به الأب في حضوره يتحول إلى فوضى وخروج عن الأدب في غيابه انتقاماً من الأسلوب التعسفي الذي فرض به احترامه على أبنائه وتدفع الامهات ضريبة هذا الأسلوب الخاطئ في التعامل والتربية بداية ويدفعه الأب مضاعفاً نهاية.
عجيب أن يحدث هذا من آباء ينتمون إلى أمة نبيها صلى الله عليه وسلم أعظم أب سار على قدمين في هذا الكون، أمة نبيها أرأف الناس وأرحمهم وأحبهم للأطفال والأبناء فهو في تعامله مع أبناءه وأبناء صحابته قدوة لكل أب يتعلم كيف يسوس أبناءه. وتروي أم المؤمنين السيدة عائشة كيف كانت المحبة والحنان والاحترام المتبادل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنته فاطمة فتقول: «إن فاطمة كانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها، فرحب بها، وقبلها، وأجلسها في مجلسه. وكان إذا دخل عليها قامت إليه، فأخذت بيده، فرحبت به، وقبلته، وأجلسته مجلسها، وانها دخلت عليه في مرضه الذي توفي فيه، فرحب بها وقبلها » البخاري.
هذه أمثلة من كثير تصور كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أولاده حباً وحناناً ومودة وتقديراً، وهذه سنته في تربية أولاده، وهو الذي قال: «فمن رغب عن سنتي فليس مني».
وهذا أمر يؤكد أن لا خيار في حنان الأبوة وعطفها ومحبتها بعيداً عن الغلظة والقسوة والتجهم، وهي صفات أبعد ما تكون عن هذا الدين وعن خلق نبيه العظيم الرحيم صلى الله عليه وسلم. فهذا الدين لا يجتمع أهله إلا على الحب واللين وقد أوصى الله نبيه صلى الله عليه وسلم بهذه الحقيقة من فوق سبع سماوات حين قال: {وّلّوً كٍنتّ فّظَْا غّلٌيظّ القّلًبٌ لانفّضٍَوا مٌنً حّوًلٌكّ}، فكانت الرحمة أساس تعامله مع الكبار والصغار على السواء، وكان مؤمناً انه «ما دخل اللين في شيء إلا زانه» صلوات الله وسلامه عليه. فهل لنا أن نتعلم منه ونتعظ ليرحمنا الله برحمة فلذات أكبادنا؟!
ولكم في رسول الله اسوة حسنة. تحدث أنس بن مالك فقال: «ما رأيت أحداً أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ابنه إبراهيم مسترضعاً له في عوالي المدينة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت، فيأخذه فيقبله، ثم يرجع» رواه مسلم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم على كل من مر عليه، فعن أنس رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كلما مر بصبيان مشى لهم وسلم عليهم» متفق عليه، ومن أقواله التربوية الخالدة:« ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا» رواه أحمد والحاكم واسناده صحيح.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يداعب الأطفال ويلاعبهم ويقبلهم رحمة ومحبة، فقد قال كلمته الشهيرة «من لا يرحم لا يرحم» كما يروي أبو هريرة «أن رجلا رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن بن علي فقال: ان لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً» متفق عليه. «وجاءه يوماً اعرابي فقال: اتقبلون صبيانكم؟ فما نقبلهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟» البخاري.
|