تواجه المملكة حكومة وشعباً وثقافة حملات إعلامية شرسة خاصة منذ اندلاع أحداث 11 سبتمبر وأشد تلك الحملات ما تقوم به أجهزة الإعلام الأمريكية ومن يسير في ركابها من أجهزة الإعلام الغربية.
ويحاول هذا الإعلام أن يحمّل المملكة مسؤولية الأعمال الإرهابية دون التفات إلى أن المملكة نفسها كانت تتعرض لأعمال إرهابية منذ سنوات سابقة لأحداث 11 سبتمبر وكانت المملكة تقوم وحدها بمواجهة تلك الأعمال، مع محاولاتها المتكررة لإقناع أمريكا خاصة، وبعض الدول الأوروبية الأخرى بخطورة الأعمال الإرهابية، وما يجد بعض رموز المنظمات الإرهابية وقياداتها من إيواء لهم في أمريكا وبعض الدول الأوروبية، ولم يقتصر الأمر فقط على إيواء أو إيجاد أماكن آمنة لأولئك، بل فتحت الأبواب لهم لشن حملاتهم الإعلامية، ونشر ثقافة الإرهاب عبر منشوراتهم ومجلاتهم، وعقد ندواتهم ومؤتمراتهم واستثمار أموالهم من أجل الأعمال الإرهابية، خاصة ما كان منها موجهاً ضد المملكة، بل ومنحت بعضهم ألقاباً مثل «المحاربين من أجل الحرية».
لقد شن الإعلام الأمريكي بعد أحداث سبتمبر حملات قاسية ضد المملكة تفوق في ضراوتها الحملات الإعلامية الأمريكية التي كانت تشنها ضد المعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي «السابق» إبان فترة الحرب الباردة.
للأسف لم يكن إعلامنا بالمستوى الذي يمكنه من القيام بدوره لمواجهة الحملات ضد المملكة من بعض الجهات الأقل خطورة قبل أحداث 11 سبتمبر، فما بالك بمواجهة حملات إعلام متمرس وخطير وشرس مثل الإعلام الأمريكي الذي وظف كل إمكاناته لمواجهة المملكة، مدعوماً بمراكز بحوث ومعلومات متقدمة تقوم عليها كفاءات مدربة تستخدم أحدث الوسائل التقنية وتسيرها مؤسسات تدار جلها بعقول صهيونية أو متصهينة كانت تترقب هذه الفرصة - أي فرصة 11 سبتمبر للنيل من المملكة من أجل إضعاف مواقفها المبدئية المعروفة بمناصرتها للقضية الفلسطينية.
وبما أن إعلامنا كان هزيلاً - ولا يزال - وغير قادر على المواجهة وما زال تقليدياً في أدائه، ضعيفاً في إمكاناته البشرية والفنية، اضافة إلى ضعف أدائنا الدبلوماسي الممثل في سفاراتنا وملحقياتها الثقافية والإعلامية في الخارج، ومحدودية علاقاتنا بالمؤسسات البحثية والجامعات والمراكز الأكاديمية وقوى الضغط في أمريكا خاصة، وأوروبا بشكل عام، وقصور نشاطنا خلال العقود الثلاثة الماضية في التواصل مع الآخر من خلال نشاط ديني دعوي، ومراكز إسلامية هزيلة منعزلة على نفسها، محدودة في نشاط واحد لا يكاد يتجاوز تأثيره الطلاب السعوديين أنفسهم، أو بعضاً من الجاليات العربية، أو أقليات ضعيفة غير مؤثرة في المجتمع الأمريكي والأوروبي ومع ذلك فقد كان الصرف على هذا النشاط كبيراً، بل كبيراً جداً، ولم تكن هناك محاسبة ولا مراقبة على ما يصرف على هذا النشاط الذي كان محصوراً في فئة واحدة ذات تفكير واحد غير قادر على التأثير فيمن كان يوجه له خطاب، دعك أن يكون مؤثراً في غيره.
فأمريكا لا تكاد تعرف عن ثقافتنا ولا حضارتنا ولا فكر مفكرينا من شعراء وأدباء وفنانين ومبدعين شيئاً، ومن كان يقوم بالعمل الدعوي كانوا إقصائيين في فكرهم، أي لا يمنحون فرصة لمن يريد أن يعرف بالمملكة بطريقة غير طريقتهم، ومن حاول أن يقوم بشيء من ذلك فإنه يوصم من قبل هؤلاء الإقصائيين بأشد أنواع التهم والتصنيف حتى أن الدبلوماسيين والملحقين الثقافيين والإعلاميين أصبحوا من فئة هؤلاء أو تحولوا في أداء رسالتهم الى السلبية، خوفاً أو ممالأه للقائمين على النشاط الدعوي.
وبعد وقوع أحداث 11 سبتمبر وجدنا أنفسنا في مأزق، لأننا لم نكن قد كونّا علاقات وصداقات ولا جسوراً ثقافية مع مراكز التأثير الثقافي والحضاري في المجتمع الأمريكي إضافة إلى ذلك فقد كنا خلال هذه ثلاثة العقود الأخيرة قد بالغنا في إغلاق تواصلنا مع الآخر، فلا يدعى لبلادنا إلا قلة من أصحاب الفكر ورجال الصحافة والإعلام ولكي يدعى هؤلاء فقد كانوا يمرون بمراحل من الإجراء الروتيني للحصول على التأشيرة، حتى وإن كانوا من الأصدقاء المخلصين للمملكة وبعضهم يمكث أسابيع وشهوراً في انتظار تلك التأشيرة ثم إذا جاءوا إلى المملكة وضعت لهم برامج محددة وضيقة يعودون بعدها إلى بلادهم وهم لا يكادون يعرفون شيئاً عن المملكة.
ومن المؤسف أن القيود تقع على هؤلاء المقيدين لكسبهم كأصدقاء بينما لدينا ملايين من الأجانب ومن كل الجنسيات لا يجدون عنتاً في الحصول على تأشيرة للدخول ورخصة للعمل، والحصول على مكاسب بعضها خيالية، ولكنهم غير مؤثرين في مجتمعاتهم، بل قد يكون تأثيرهم سلبياً.
ولكي نقوم بحملة علاقات عامة من أجل تحسين صورة المملكة التي شوهها الإعلام الأمريكي والغربي بشكل عام، وساهم في تشويهها من كنا نطمئن إليهم خلال ثلاثة العقود من الدعويين وغيرهم من السلبيين من دبلوماسين وملحقين وغيرهم، لأنهم لم يعدوا إعداداً سليماً لبناء جسور ثقافية وحضارية مع عالم متقدم، بل كانوا يعملون على قطع بناء تلك الجسور، لأنهم لا يريدون إلا جسوراً لا تتسع إلا لخطواتهم فقط فكانت جنايتهم على المملكة كبيرة، مما سيضطرنا للانتظار طويلاً لبناء جسور مع أصدقاء لنا في كثير من أنحاء العالم، مع الأخذ في الاعتبار اننا لم نحسن استثمار تلك الصداقات والمؤسف ان الدولة بعد أحداث 11 سبتمبر قد أدركت أنها فعلاً بحاجة الى حملة لتحسين صورتها وإجلاء ما يعمل الإعلام الأمريكي والصهيوني على تشويه صورة بلادنا لدى المجتمع الأمريكي، خاصة ذلك المجتمع الطيب الذي لم يكن يعرف الشيء الكثير عن المملكة إلا ما تحاول الدعاية الإعلامية الأمريكية الصهيونية أن تطبعه في أذهانهم عن بلادنا وحكوماتنا وثقافتنا بأنها الثقافة التي أفرزت من قام بمهاجمة نيويورك وواشنطن.
والمستهدف من حملات العلاقات العامة السعودية هي الجامعات، ومراكز البحوث، ووسائل الإعلام، وفعاليات المجتمع المدني، والمؤسف ان بعض من يختارون من السعوديين للقيام بمثل هذه الحملات بعضهم وجوه مستهلكة لدى البعض في المجتمع الأمريكي، لأنهم نفس الوجوه التي كانوا يعرفونها قبل أحداث 11 سبتمبر وخطاب بعضهم هو نفس الخطاب الذي كانوا يروجون له قبل سبتمبر، أي خطاب دعائي أقرب ما يكون إلى الخطاب الوعظي الإرشادي، وليس خطاباً موضوعياً يعرف كيف يخاطب عقولاً مختلفة تربت على ثقافة مختلفة.
ومن المؤسف أيضاً أن اختيارهم يتم من خلال ما يشبه الشللية أي أنهم مجموعة من الأصدقاء منسوبي المراكز الإسلامية، أو مجموعة الكشافة، أو منسوبي الندوة العالمية للشباب المسلم، أو أصدقاء مراكز الطلاب السعودية المشهود لهم بأحادية الفكر والتوجه ونحن نرى أن تشكيلة هذه صفتها لا تستطيع أن تحسن صورة الإنسان السعودي الذي وقع ضحية إعلام أمريكي صهيوني مغرض، وعقلية سعودية منغلقة رسمت لها ولمجتمعها صورة ذهنية غير سليمة في مخيلة المجتمع الأمريكي والغربي.
من أجل هذا كله فإننا بحاجة إلى القيام بالآتي:
1- حملة علاقة عامة تقوم على أسس مدروسة، يشترك في وضعها وتنفيذها علماء في السياسة والتاريخ، وعلم الاجتماع والنفس والعلاقات الدولية، والثقافة والفن والأدب المعروفين بتميزهم في حقول تخصصاتهم وصدقهم وأمانتهم، وإيمانهم برسالتهم الوطنية: وتوسيع قاعدة الاختيار، لاسيما وبلادنا - ولله الحمد - مليئة بالكفاءات بشرط ألا يكون بينهم أصحاب الوجوه المستهلكة التي لا تكاد تعرف في بلادها فما بالك بالتعريف بها خارج حدودها.
2- إعادة النظر في طريقة تعيين سفراء بلادنا والملحقين التعليميين والإعلاميين، واختيار أصحاب الثقافة الواسعة، وتغيير نهجهم التقليدي في أداء مهماتهم، ومنحهم الإمكانيات والصلاحيات للقيام بمهامهم من أجل خلق صورة مشرفة للإنسان السعودي، والتواصل مع الجامعات والمؤسسات الثقافية والمفكرين في البلدان التي يعينون فيها ويجب عليهم الخروج من التقوقع الذي عرف عن الكثير منهم.
3- تنظيم دعوات للأكاديميين السعوديين لإلقاء المحاضرات في الجامعات الأمريكية والأوروبية، بل حتى العربية والإسلامية وليس في محاضرات في مجال الدعوة أو الدعاية المكشوفة ولكن من خلال أن يكون المحاضر هو النموذج الحي للدعاية للإنسان السعودي فالآخر لا يكاد يعرفنا.
4- بعث النابهين والمبدعين من طلابنا في مجالات الآداب والفنون والإبداع في وفود إلى البلدان الأمريكية والأوروبية ليعرفوا ببلادهم وثقافتهم وحضارتهم، ورقي بلادهم وتقدمها من خلال حضورهم ومشاركاتهم في النشاطات الدولية المختلفة على المستوى الفكري والثقافي والفني.
5- تنظيم دعوات للأكاديميين والمفكرين والمبدعين الأمريكيين والأوروبيين والعرب والمسلمين لإلقاء محاضرات في جامعاتنا ومراكزنا الثقافية والحضارية دون قيود أو شروط مسبقة.
6- فتح أبواب بلادنا للراغبين في زيارتها من المواطنين الأمريكيين والأوروبيين واليابانيين وغيرهم من سائحين ورجال أعمال وفن وثقافة للتعرف على بلادنا والعودة بانطباعات ينقلونها لبلادهم عن تاريخنا وثقافتنا وحضارتنا.
7- عقد ندوات ومؤتمرات للحوار بيننا وبين شعوب الأمم الأخرى لتقريب وجهات النظر وإزالة الانطباعات والصورة النمطية المرسومة لبلادنا ولمجتمعنا وثقافتنا.
8- فتح مراكز ثقافية لمن أراد من البلدان الأوروبية وأمريكا في بلادنا للتبادل المعرفي والتعاون في مجالات الثقافة والعلوم والفنون والآثار والدراسات المختلفة، لإنهاء عقدة الخوف من الآخر حيث يجب أن تكون ثقتنا كبيرة في ثقافتنا وحضارتنا في مواجهة الثقافات الأخرى على مستوى من الندية، وبالمقابل فتح مراكز ثقافية سعودية في البلدان الأخرى، مثل أمريكا وأوروبا ولا يقتصر نشاطنا على نشاط واحد، بل تكون مراكز للتعريف بثقافتنا وتاريخنا وفنوننا وآثار بلادنا ومنجزاتها الحضارية.
|