Wednesday 28th January,200411444العددالاربعاء 6 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
خصوصيَّتنا المضيئة
عبدالرحمن صالح العشماوي

حينما نقلِّب صفحات الصحف والجرائد والمجلاّت، ونتابع بعض ما يُنشر من الكتب والتقارير، ونشاهد بعض المتحدِّثين عبر القنوات، نشعر أنّ هنالك حملة شرسة على ديننا وثوابتنا، وتنسيقاً واضحاً بين أصحاب الاتجاه المعادي لثوابت الأمة الإسلامية وخصوصيتها التي لا يشكُّ فيها إلا من انصهر في بوتقة ثقافة الأعداء. تُطرح قضية حجاب المرأة المسلمة فنجذ أصداء تأييد قرارات الأعداء فيها تتجاوب في بلادنا الإسلامية بصورة توحي بمؤامرة خطيرة، وتؤكد لنا حقيقة المرحلة البعيدة التي وصلت إليها عقول بعض أبناء المسلمين في طريق موالاة كل رأي أو فكرة تنال من تعاليم ديننا الحنيف، وتطرح قضية الحرية الشخصية وحقوق الإنسان فنرى من مثقفي المسلمين وكتَّابهم مَنْ يجعلون المثل الأعلى في تحقيق الحرية، ورعاية حقوق الإنسان للغرب وأنظمته بصرف النظر عن العَسْف والظُّلم الذي يرتكب من بعض أحزابه ودوله، وحينما نتحدّث عن خصوصية بلادنا الإسلامية بصفة عامة، وخصوصية مكانة المملكة العربية السعودية بصفة خاصة، ونحدّد ملامح هذه الخصوصية القائمة على تعاليم رسالة الإسلام التي ختم الله بها رسالات السّماء، والقائمة على وجود مواقع هذه الرسالة في بلاد المقدس المباركة، وفي مهبط الوحي في مكة المكرمة، وفي مساجدنا الثلاثة التي لا تشدّ الرّحال إلا إليها، والقائمة على منهج القرآن الكريم والسنة المطهرة، والمحجَّة البيضاء التي تركها لنا خاتم الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام.
حينما نتحدّث عن هذه الخصوصيّة نجد أقلاماً تتجاوب، وأصواتاً تنادي من هنا، وهناك، بتنسيق خطير، ترفض هذه الخصوصية، وتحاربها بشراسة، وتقابلها بسخرية واستهزاء، وتتعامل معها كما تتعامل مع المخدرات، أو أسلحة الدَّمار الشامل التي تحذّر منها قوانين هيئة الأمم، ومجلس الأمن.
هنالك حملة مسعورة هذه الأيام أخرجت لنا وجوهاً تحمل ملامحها رسائل تشعرنا بأنّ زلزلة ثوابت أمتنا أصبحت هدفاً واضحاً لمن يريدون أن يحطِّموا ما بقي من شخصيَّتها وكيانها.
إننا نلاحظ أن طلائع هذه الحملة الشرسة التي تستخدم فيها عبارات المصادرة، والاتهام، والتحامُل، والسخرية تدل على أنّ المسلم يجب ان يكون حذراً في هذه المرحلة، لأن هذه الحملات توحي بأنها طلائع المحتلّ الأجنبي الذي يمهِّد عادة لأغراضه وأهدافه الاستخرابية بحملات إعلامية غاشمة، وهزَّات ثقافية وأدبية وفكرية عنيفة، يهدف من ورائها إلى تحطيم جبهاتنا الدّاخلية المتماسكة التي تقوم على أسسٍ من منهج الإسلام الخالد بخصوصيته المضيئة.
ولا بد أن نكون جميعا في عالمنا الإسلامي، وفي بلادنا خاصة على قلب رجل واحد في مواجهة هذه الهجمات التغريبية المؤذية التي أصبحت واقعاً معاشاً في حملة الطلائع الثقافية والفكرية والإعلامية للمستخرب الذي يطلق على نفسه «مستعمراً» من باب تحسين غير الحسن.
خصوصيتنا، تعني: الشخصية المسلمة القائمة على منهج الله في قيمها وأخلاقها وحياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، فلماذا نرى هذه المواجهة العنيفة من بعض كتّابنا ومثقفينا لهذه الخصوصية، وكيف يرفض عاقل على وجه الأرض الملامح الخاصة التي تميِّز شخصيته عن غيره؟
إن الخصوصية لا تعني التقوقع أبداً، ولا الانزواء ولا الانهزام أمام الآخر أبداً، كما أنها لا تعني الانغلاق في التعامل مع الآخر، وإنما تعني استقلالاً يحفظ لنا كيان مجتمعنا وأمتنا. عجيب هذا الأمر كلَّ العجب، اليابانيون يفتخرون بخصوصيتهم «الخاصة جداً» والصينيون يفتخرون بخصوصيتهم، والألمان، والفرنسيون، والبريطانيون، واليهود، والأمريكان، وكل دول العالم تفتخر بخصوصيّاتها المنبثقة من أديانها وأفكارها، والمبادئ التي تؤمن بها، وهذا أمر معروف لدى كل مثقف في عصرٍ سهلت فيه وسائل الاتصال.
الجميع يفتخرون بخصوصيتهم، ويحرصون عليها، ولا يسمحون لأحد ان يعبث بها، وما هذا الخلاف والاختلاف في وجهات النظر بين أمريكا وفرنسا مثلاً إلا نتيجة للحرص على الخصوصيّة التي تميِّز كلاًّ منهما عن الآخر، ومع هذا فما وقفت تلك الخصوصية دونما يريدون، بل إنها تمثِّل إحدى الدعائم القوية للوصول إلى ما يريدون.
أقول: العجب والله كلَّ العجب لبعض كتاب ومفكري المسلمين الذين ينادون بالانسلاخ من خصوصية مجتمعنا وأمتنا في مقالاتٍ صريحة بحجة التعامل مع الآخر، مع أنهم يعلمون علم اليقين ان مواقفهم السلبية من خصوصيتنا إنما تعني الدعوة المعلنة إلى الذَّوبان في فكر الآخر وثقافته وسياسته، والفرق كبير جداً بين الدعوة إلى التعامل والدعوة إلى الذَّوبان.
إنَّ هذه المرحلة الحرجة تدعونا جميعا إلى التماسك، ومراقبة الله سبحانه وتعالى في شؤون بلادنا وأمتنا، وتدعونا إلى أن نرشد أبناء جلدتنا الذين يتهافتون في هذا الوقت على التبعية للغرب بصورة توحي بأمرٍ خطيرٍ، نرشدهم إلى الحق، وننبِّههم إلى خطورة ما يطرحون من آراءٍ يمكن ان تُصنَّف في جانب «الخيانة للدين والأمة والوطن» وهم لا يشعرون.
إشارة:


يكذِّب دعوى المرجفين انحرافُهم
عن الحق واستحسانُهم كلَّ باطلِ


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved