أجرى تلفزيون الرياض مقابلة شاملة مع معالي السيد حسن كتبي وزير الحج والأوقاف في برنامج «حديث الأصدقاء» الذي يعده ويقدمه الأستاذ زهير الأيوبي..وقد تناول معاليه المسؤوليات والواجبات التي تضطلع بها الوزارة ومدى تعاون الجهات الأخرى خدمة للإسلام والمسلمين وفيما يلي نثبت النص الكامل للحديث..
* نرجو التفضل باعطائنا لمحة موجزة عن تاريخ حياتك..
سنة الميلاد.
مكان الولادة.
مراحل التحصيل العلمي.
أبرز الوظائف والأعمال التي سبقت تسلمكم لوزارة الحج والأوقاف...
- ولدت بمدينة الطائف في التاسع والعشرين من شهر شعبان عام 1329هـ ودرست بمدرسة الفلاح التي تخرج منها السادة (علوي مالكي والسيد أمين كتبي) وكثيرون آخرون.
ولقد كانت أبرز الوظائف التي قمت بها وأحبها إلى قلبي وأقربها من فطرتي هي وظيفة أستاذ لتدريس قسم التخصيص في القضاء الشرعي وتدريس الأدب العربي في المعهد العلمي السعودي، ثم تقلبت في وظائف عديدة بوزارة المالية ولكني أحسست أن المسؤوليات الملقاة على عاتقي لديني ووطني تتعارض مع القيود الوظيفية، وأنه لايمكن القيام بتلك المسؤوليات إلا في جو من الانطلاق الروحي والفكري والقدرة على التحكم في وقتي.
وان مصدر الايحاء إلي بهذه المسؤوليات هو مؤسس مدارس الفلاح الحاج محمد علي زينل رحمه الله الذي بذر في نفسي الشعور بتحمل مسؤولية (الكفاح عن العقيدة الإسلامية) التي كان يتنبأ دائماً بالمخاطر التي تهددها من غزو العقائد المادية والإلحادية وقد صدقت نبوءته.
* صاحب المعالي السيد حسن كتبي مفكر إسلامي تعتز به بلاده كما يعتز به وطنه الإسلامي الكبير.. ماهي الأسباب التي بوأتكم هذه السدة؟
- انني أشكركم على هذا التقديم الكريم- وأعتقد أن التفكير والتعبير في الشخص يكون وقعه في نفوس الآخرين بمقدار حظه من الصدق والإخلاص والعقيدة في نفس صاحبه، فأي فكر مهما كان مطابقا للحقيقة ومهما كان فيه من نفع ومصلحة وقوة ومهما جاء التعبير عنه واضحاً وقوياً ومختارا اذا لم يخالطه الصدق والاخلاص في نفس صاحبه فإن أثره لاينفذ إلى نفوس الآخرين إلا بالقدر الذي يكون سماعه مطربا - فاذا انتهت أصداؤه تلاشت آثاره في نفوس القارئين والسامعين.
فالاخلاص في الفكر والقول هو سر التفاعل والقبول لدى الآخرين وكلما كانت الفكرة متمكنة من نفس صاحبها إلى حد الاعتقاد بقدر ما يتحقق له الانسجام مع غيره.
والصدق والاخلاص في الفكر يشبه الحيوية والروح تحفظ للفكرة قدرتها على البقاء ونقل حيويتها وتأثيرها إلى الآخرين جيلا بعد جيل مهما كانت عادية وبسيطة.
فاذا كان لي حظ ممّا تفضلتم فنسبتموه إلي فإن مرد ذلك إلى الصدق والإخلاص والعقيدة.
* ماهي أبرز مشاريع الوزارة التي تنوي القيام بها في سبيل مزيد من التقدم والانطلاق في ميدانيها الواسعين الحج والأوقاف؟
- مشاريع الحج والأوقاف التطويرية المنوي تنفيذها:
ان أهم ما نقوم به الآن هو تحديد وتصحيح مفاهيم الحج والأوقاف ورسالتهما لأن أي عمل لايمكن أن يؤديه المسؤولون عنه مالم يتمكنوا من فهمه بدراية وعمق ووضوح- كما أن أداءه لايكون سليما ومرضياً ما لم يكن فهمه سليماً أيضاً.
والحج - هو عبادة شرعها الله لتحقيق أهداف سامية للأسرة الإسلامية- وأحب أن أوضح أن المجتمع الإسلامي ليس هو عبارة عن تجمع يشبه التجمعات التي تؤلف الشعوب والأمم كما هو متعارف عليه في التعريف العلمي للمجتمعات أي أنها تجمعات تربطها اللغة والمصالح المشتركة والأرض ونظام الحكم- ولكنه مجتمع يؤلف (أسرة) تقوم روابطها على عقيدة واحدة سامية جامعة لكل الخصائص التي تنظم من معتقداتها مجتمعا مثالياً يرقى في تطوره الروحي والأخلاقي حتى يكون أسرة -وقد وصف النبي عليه السلام هذا المجتمع بما معناه بأنه (كالجسد) إذا اشتكى منه عضو شاركته جميع الأعضاء في شكاته وتألمت لآلامه وبطبيعة الحال تعمل مشتركة معه على إزالة أسباب الشكوى.
ومن هنا يجب أن ننظر إلى أن تجمع الحج لم يشرع لالحاق المشقة بالمسلمين واختبار قدرتهم على بذل المال وتحمل مشقة السفر ومفارقة الأهل والوطن والارتماء في الصحاري وتسلق الجبال - فالدين الإسلامي أرفع من أن يقيم لهذه الطقوس أي قيمة لذاتها. ولكن الحج تربية روحية وأخلاقية واجتماعية ودينية تلتقي عند غاية واحدة هي:
التعرف على روح هذا الدين وأهدافه وتوثيق الترابط بين كيان هذه الأسرة المنتشرة في جميع أنحاء العالم والتي تخالط بحكم وجودها الطبيعي شعوباً لا تدين بهذا الدين بل إنها قد تقاومه وتحاول أن تحرفه عن وجهه الصحيح.
كما أن في مقدمة أهداف الحج تعريف الحجاج بتعاليم هذا الدين لمن كان يجهلها منهم وتصحيحها لمن كان يفهمها فهما خاطئاً ومدارستها واستنكاره أسرارها مع من يفهمها حق الفهم.
وحين يصدر الحاج من حجه ويعود إلى بلده- فإنه في هذه الحالة يشكل رسولاً ورسالة دينية صحيحة إلى مواطنيه وإخوانه في العقيدة.
والحج أيضاً تعارف بين وفود الحجاج لبناء قاعدة للتعامل وتحقيق المصالح المشتركة والمنافع التي يقوى ويدوم ويمتد بها الكيان الإسلامي.
إنه لقاء بين العلماء والتجار والصناع والأدباء وأصحاب الفنون والحرف المختلفة وفرصة تتعرف فيها كل جماعة أحوال الجماعات الأخرى التي يحيون عليها في بلادهم وتيسر لكل واحد ممن تعرف على أوضاع اخوانه المسلمين في بلادهم وتعارف بهم أن يزاورهم وينمي صداقاته بهم ويتعاون معهم إذا ما تيسر له ذلك.
هذه بعض مفاهيم الحج الصحيحة التي شرع من أجلها- فأين ذلك من المفاهيم الحاضرة- يأتي المسلمون ولا هم لهم إلا حركات معينة يؤدونها في أماكن معينة وأوقات محددة- ولا يُعْنى أي واحد منهم إلا بنفسه أو بخاصته وهو لايبالي أن يلحق الأذى بغيره في المشاعرالحرام، وبعد أن يفوق من نوبة هذا الصراع المرير يعود ليتحدث عن أرض وطئها وزحام قوي على مدافعته ووصف الأذى الذي لحقه فيه أو ألحقه بغيره.
إن الحج كما يؤدى اليوم من الحجاج هو صورة من الجهل والفوضى والتأخر الذي يعيش عليها العالم الإسلامي وهو أيضاً انعكاس للضياع الذي يعانيه المسلمون في طاقاتهم وامكانياتهم وقدراتهم.. وهو أولاً وآخراً خسارة لاتعد لها خسارة للفوائد الكبرى التي شرع الله الحج من أجل تحقيقها.
ولذا فإن أهم ما نعمل لتحقيقه بالنسبة لمسؤولية هذه الوزارة عن (الحج) هو تحديد وتصحيح مفاهيمه وتحقيق غاياته التي تتلخص في:
تعريف الحجاج بتعاليم هذا الدين لمن يجهلها.. وتصحيحها لمن يفهمها فهما خاطئاً ومدارستها مع من يفهمها حق فهمها.
ومن هنا ننطلق في تحقيق مشاريع الحج التطويرية ويأتي إلى جانب ماتقدم تيسير سبل ومرافق أداء هذه الشعيرة لنحو نصف مليون قادم من خارج المملكة ومليون آخر من داخلها.
وهنا تبدأ مشاركة جميع أجهزة الدولة تعمل كل منها في نطاق اختصاصها تمثلها لجنة تدعى لجنة الحج العليا ويرأسها أمير مكة، وهذه اللجنة تحتوي على ممثلين من جميع الوزارات والمصالح والدوائر الحكومية، ويأتي دور وزارة الحج ضمن أعمال هذه اللجنة.
وتقوم هذه اللجنة بدراسة أحوال نزول الحجاج في الموانئ الجوية والبحرية واقامتهم فيها، وانتقالهم منها إلى الأماكن المقدسة وتوفير أسباب الراحة والصحة لهم حيثما نزلوا أو ارتحلوا وتوفير وسائل النقل، وهذه خدمات لايتيسر احصاؤها -كما أن المشاريع التي يجري تحقيقها لتوفير وتسهيل هذه الخدمات مجددة باستمرار كتوسيع الطرقات وبناء المستشفيات وتطوير وسائل النقل وتنظيمها وتوفير المياه وكل ما يحتاج إليه الحجاج، وأضرب مثلا على ذلك ما تقوم الجهات المختصة بدراسته الآن وهو اقامة مبنى ضخم ليكون منزلا للحجاج في المطار بجدة وتوفير دورات مياه متنقلة في ساحات المطار وفي الأمكنة التي ينزل فيها حجاج البر وتوفير الماء والكهرباء في تلك الأماكن وتنظيم النقل والسكن في منى حيث أصبحت الأماكن التي تؤدى فيها الشعائر تضيق بأعداد الحجاج المتزايدة بسبب سهولة المواصلات وتعبيد الطرقات، ويقوم هذا التنظيم على مبدأ إعطاء أكبر رقعة من الأرض لاستقبال الحجاج وحصرالنقل مع تنظيمه في أضيق رقعة لئلا يسبب اقلاقا ومضايقة لتحركات الحجاج.
* ورسالة النبي عليه السلام هي دينية وهي الرحمة الحقيقية التي أهديت للعالمين.
وانطلاقاً من هذا الهدف فإننا نعمل جادين على حصر أعيان الأوقاف وتعميرها وتنمية غلالها واختيار وجوه البر التي تعود بالنفع على المجتمع نفعاً دينياً ودنيوياً لانفاقها فيها.
ومن أبرز مشاريع الأوقاف هو بناء مكتبة إسلامية عالمية- تفضل جلالة الملك المعظم فأمر برصد المبالغ اللازمة لبنائها في المدينة المنورة تحمل اسم مؤسس هذه الدولة المغفور له الملك عبدالعزيز، ونأمل أن تكون هذه المكتبة الأولى من نوعها في البلاد الإسلامية بحكم قدسية البلد الذي تقام فيه، وانجذاب قلوب علماء المسلمين إليه وتعاونهم وتعاطفهم مع مشروعها، وسيتم ايجادها على أسس علمية وتنظيمية على أكمل الوجوه- كما كان لسمو وزير الداخلية الأمير فهد فضل كبير حيث مهد لتحقيق هذا المشروع الخالد بمنح الأرض التي سيقام عليها المبنى وهي أرض نفيسة من أغلى الأراضي وأنفسها كما شارك سمو أمير المدينة في دعم هذا المشروع مساهمة فعلية نبيلة وتبذل جهوداً عظيمة بأوامر مشددة من جلالة الملك المعظم لاصلاح المساجد الخربة وانشاء المساجد حيث تكون الحاجة ماسة إليها وفرشها وتوفير جميع اللوازم التي تحتاج إليها لتؤدى فيها العبادة من غير مضايقة وقد ألفت لجان لدراسة هذه المهمة وسيجرى رصد الأموال وعلى العموم فإن العمل قائم بعناية واهتمام ولانريد أن نسبق الحوادث بالحديث عن شيء في طريق الانجاز حتى يتحقق انجازه ويصبح شيئاً موجوداً.
* ماتزال لحوم أضاحي الحجاج تسبب مشكلة مهمة تنتظر الحل المناسب الذي لاتضيع فيه أقيامها هباء منثوراً وانما تذهب إلى مواطن المنفعة.. هل في ذهنكم حل معين ستسعون إلى تحقيقه؟
- ان مشكلة لحوم الأضاحي ناشئة من الحجاج أنفسهم وترجع إلى الجهل بالتشريع الديني الذي شرعت الأضحية من أجله.
ان الاسلام يحرم تبذير الأموال وانفاقها في غير وجهها، كما يمنع قتل الحيوان لغير حاجة من الأكل والانتفاع أو التصدق حتى أنه يوصي بالرفق بالذبيحة عند ذبحها للحاجة.
والأضاحي شرعت ليستفيد كل مضح من أضحيته يأكلها أو التصدق بها {لّن يّنّالّ اللَّهّ لٍحٍومٍهّا ولا دٌمّاؤٍهّا ولّكٌن يّنّالٍهٍ التَّقًوّى" مٌنكٍمً } ومن المؤسف أن كل حاج يعتبر أنه ضحى بمجرد ذبحه الذبيحة والقائها في العراء، وفي هذا العمل اتلاف للمال واضرار بصحة الآخرين وراحتهم واشغال للجهات المختصة في الحكومة كالبلدية مثلا بمتاعب لا توصف وتكليف نفقات هائلة في القضاء على الجيف المتخلفة من هذه الأضاحي واضاعة للحكمة من الأضاحي بالتوسيع على الفقراء واشباعهم واغنائهم عن السؤال. وكان المفروض في كل حاج أن يذبح ذبيحته ويأخذ لحمها ليتصدق به على فقراء المسلمين ويأكل منها لأنها ذبيحة شكر لله على توفيقه لآداء الحج متمتعاً أو قارنا، ومع ذلك فإن وزارة الحج والأوقاف تدرس هذا الموضوع بتعاون مع سمو وزير الداخلية لاتخاذ اجراءات سريعة لعلها تكفل معالجة هذه المشكلة وسيظهر أثر ذلك في موسم هذا العام متى أمكن تحقيق تلك الاجراءات ولكنا مع ذلك نهيب بالمسلمين أن يتدبروا هذا الأمر ويخرجوه المخرج السليم المطابق لحكمة التشريع.
* ان مجيء كثير من الحجاج إلى الديار المقدسة في سبيل أداء شعيرة الحج وهم على جهل بالنسبة لأحكام الحج وآدابه يسبب كثيراً من النتائج السيئة لاتخفى.. هل فكرتم في برنامج معين يتم تنفيذه بالتعاون مع الدول الإسلامية في سبيل تنوير الشخص الذي ينوي الحج قبل مجيئه إلى الديار المقدسة؟
- لقد تفاهمت شخصياً مع معظم سفراء الدول الإسلامية حول العناية بشأن توعية الحجاج القادمين من بلادهم بآداب السلوك الديني في المشاعرالمقدسة وتفهم الأنظمة المحلية واحترامها واعطائهم المعلومات عما يجب ان يعلم من الدين بالضرورة ولا تستقيم العبادة للمسلم مع الجهل به. وقد وجدت ترحيباً من جميع من تحدثت معه من السفراء في ذلك وتجاوباً بالوعد على تحقيقه ومالم يستمر هذا التجاوب فإن الوضع سيبقى على حاله لأن عامة الحجاج من الأميين والعوام وسكان القرى النائية والجهلة بشعائر الدين وهم بذلك يعرقلون كل تنظيم ويخلقون أشكالاً من الفوضى.
إنني مازلت أؤكد أنه يجب على كل سفارة اسلامية أن تعمل على ايجاد مرشدين مهذبين مثقفين من بين حجاج بلادها ليفهموهم احترام النظام والحرص على النظافة -ويفقهوهم بأمور دينهم ويلاحظوا سلوكهم في المناسك ومتى تحقق ذلك فإن عملية الاصلاح ستنتشر تدريجيا ويتضاعف الأخذ بها وتتحقق الغاية من أداء المناسك على الوجه الإسلامي المقبول أو القريب من القبول.
* تحشد أجهزة الإعلام وبصورة خاصة الإذاعة والتلفزيون في موسم الحج كثيرا من البرامج والأحاديث والندوات والتمثيليات في سبيل بيان فضل الحج وأحكامه وخدمة ضيوف الرحمن.. ماهي ملاحظاتكم على ذلك؟
- إن معالي وزير الإعلام يبذل جهداً مشكوراً في هذا السبيل وأنه ما من شك أن النشاط الإسلامي الإعلامي في موسم حج العام الماضي كان موضع اغتباط وثناء من الحجاج وكل ما يمكن لي أن أقوله في هذا المقام هو أن برامج موسم الحج يجب اعداد موضوعاتها من قبل نخبة من العلماء والمفكرين المختصين في الفقه والسيرة والنبوية والتاريخ الاسلامي والوعظ والارشاد والفهم الشامل للشؤون الاجتماعية ليقدموا موضوعات مدروسة ومترجمة باللغات الإسلامية الحية- وأن تعالج الموضوعات المكتوبة من هذا القبيل بأساليب متنوعة كالمقالة والقصة والحديث العامي والحوار لتنتقل إلى الأذهان حسب استعدادها على حد خاطبوا الناس على قدر عقولهم لأن مهمة الإعلام هي تقرير المعنى والصورة والحقيقة في الأذهان حسب استعدادها للتلقي.
* الحج تجمع اسلامي كبير بل هو أكبر تجمع اسلامي ما هي مقترحات معاليكم التي ترونها ضرورية ليستفاد من هذا التجمع على النطاق الإسلامي العام إلى أبعد الدرجات بما يعود على المسلمين بالخير والمنفعة والعزة والكرامة؟
- ان مهمة الاستفادة من اجتماع الحج مهمة جوهرية وخطيرة وواسعة الآفاق- ويضاعف من أهميتها الوضع الذي تعانيه الشعوب الإسلامية في بلادها- وأنني أرى أن تؤلف هيئة من مستوى عال تخطط لطريقة الاستفادة من اجتماع الحج على الصعيد العلمي والديني والاقتصادي وأن تعقد ندوات مقفولة من الزعماء المسلمين ليتدارسوا فيها القضايا الكبرى التي يعاني المسلمون متاعب منها وينظروا في ملابساتها ويقترحوا طرق معالجتها شريطة أن تسود روح الإيمان والإخلاص والنزاهة على هذه الاجتماعات والمشاورات والبعد عن التحديات وترجيح المصالح الخاصة على المصلحة العامة، وان المنطلق في هذا الأمر هو قول الله تعالى { وّأّمًرٍهٍمً شٍورّى" بّيًنّهٍمً}.
* المسجد كما لا يخفى بيت المسلم العلمي والروحي والاجتماعي ماهي المواصفات التي ترون وجودها عوامل أساسية في خطبة الجمعة وفي خطيبها؟
المسجد في رسالته هو القوة والمنعة والقلعة الإسلامية الحصينة وكل ضعف طرأ على المسلمين انما وقع منذ أن سلب المسجد قوته وتعطل دوره وتوقفت رسالته.
لم يكن المسجد منذ أن وجد محلا للصلاة فقط - ولكنه محل ارشاد وهداية وتعليم- وهو المدرسة الإسلامية الأولى للمسلمين وان الحقائق التي يتلقاها المسلمون في المسجد تطهر أرواحهم وتخالط قلوبهم بفعل المكان الذي يخلق قابلية خاصة- ولذا فان كل حقيقة تنمو بذورها في المسجد تؤتي ثمارها مضاعفة مباركة قوية - وتقوم سوقها على أصول ثابتة في الأرض وفروع ممتدة إلى السماء. ولذا فاننا ننادي باحياء رسالة المسجد- كل مسجد في كل بلد اسلامي وخاصة المسجدين الشريفين. أما خطبة الجمعة التي ذكرتم فيكفي أن نعرف أهميتها في التخطيط والتنظيم الاسلامي من تشديد الدين على حضور صلاة الجمعة. وترغيب الحضور اليها في وقت مبكر لتهيئة النفوس لتلقيها. والخطبة في الجمعة هي العمل الرئيسي الملاحظ في أهميةحضور الجماعة لما فيها من ارشاد شامل ومعالجة روحية وفكرية وصقل للعقول وتطهير للقلوب.
ولكن خطبة الجمعة لن تكون ذات أثر ما لم تتوفر فيها روح قوية خلابة جذابة ومنطق مؤثر ولفتات بيانية تأخذ بمجامع القلوب وما لم تناقش موضوعات ذات علاقة بحياة الناس وتصبغها بالصبغة الدينية التي تمكن الأواصر بين حياة الناس العامة والمفاهيم الدينية التي شرعت الخطبة من أجلها.
ان الدين الإسلامي يجعل كل أعمال المسلم عبادة بالنية الصالحة كما يجعل الاحسان في تلك الأعمال أداءها تحت مراقبة الله- «فان لم تكن تراه فإنه يراك»
ومن هنا نشأت العلاقة الوطيدة بين تصرفات المسلم العامة والخاصة وبين الدين وإنني أتمنى لو أن خطبة الجمعة توضع من قبل هيئة عالية واعية مدركة لحقائق الدين وحقائق الحياة وأن توضع على درجات بحسب مجتمعات المساجد، فمسجد القرية تكون خطبته بحسبه ومسجد المدينة كل مسجد بحسب المجتمع الذي يجتمع للصلاة فيه، أما المسجد النبوي والمسجد الحرام فيجب أن تكون خطب الجمع فيهما على أعلى مستويات الفكر والرأي العام الإسلامي وأن تلقى أضواء على القضايا التي تهم المسلمين وأن يجعل من خطب الجمع في المسجد الحرام والمسجد النبوي وسيلة لتوحيد الرأي العام الإسلامي في العالم حيث تجري ترجمتها إلى جميع اللغات وتعميمها بين الشعوب الإسلامية.
* ماهو الرأي في تكليف وعاظ ومرشدين على مستوى طيب من الثقافة والوعي والإدراك والإيمان بعمل حلقات أسبوعية ثابتة في أبرز المساجد وفي كل المدن والحواضر لتعليم الناس أمور دينهم. وبيان محاسن الإسلام وفضح زيف المبادئ والأفكار الأخرى؟
- إن تكليف العلماء بالتفرغ لتعليم الناس أمور دينهم وتثقيفهم ثقافة إسلامية واعية في المساجد أمر يجري ترتيبه الآن وإننا نوليه عناية فائقة وهنا يجب أن أشيد بالتعاون الذي يقدمه معالي الشيخ حسن آل الشيخ وزير المعارف في هذا الحقل تعاونا صادقاً يقوم على روح الإيمان والشعور بالمسؤولية ولست بحاجة إلى الإعراب هنا بأننا نعمل في هذا الشأن بتكليف وتوجيه من صاحب الجلالة الملك المعظم الذي يولي هذا الجانب من شؤون أمته أعظم العناية والرعاية.
|