خرج الحوار الوطني السعودي الذي نظمه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بتوصية، وكانت التوصية واضحة جلية نصّت على أهمية تطوير المناهج بطريقة عاجلة.
وقد أصاب القرار بهذه الدعوة من منطلق أن المملكة ليست منعزلة عن العالمية، وتتبع كل ما هو جديد في خضم الحياة المعاصرة وما يخرج عنها من إشكالات وتحديات وخبرات ونماء جميعها مطروحة في الواقع.
والجدير بالذكر أن هذا الواقع ليس فرضياً ولكنه جلي بالمعارف والاتجاهات والمعلومات والبيانات والخبرات المتراكمة، وإزاء ذلك لم يعد المفهوم التقليدي للمنهج - باعتباره مجموعة المواد الدراسية أو المقررات التي يدرسها التلاميذ - يفيد الآن، نظراً لأن هذا يعني النظرة الضيقة للمنهج وتعامله مع الطبيعة الإنسانية التي تنظر للفرد نظرة ثنائية جسم + عقل دون النظر إلى الفرد نظرة تكاملية ويتضمن الآن كل ما يقدم للتلميذ من خبرات ثقافية وفنية واجتماعية ورياضية سواء كان ذلك صفياً أو لا صفياً ويتم تحت إشراف وتوجيه معلم يحتاج لإعداد جيد يتوافق مع المستحدث في المنهج ومع قدرات مهارية تعتمد على التعامل مع كم من الأنشطة الجيدة التخطيط ذات القيم التربوية المكونة لمخزون الخبرة تلك التي يتعامل بها ومعها بما يعني الاحتكاك والتفاعل.
إذاً تطور المنهج يبدأ من مفهوم متطور يؤكد بالضرورة على النظرة التكاملية التي تنظر للتلميذ باعتباره كائناً حياً اجتماعياً يؤدي أنشطة مختلفة منها الأنشطة العقلية والأنشطة الأدائية والحركية ويتوجب على المعلم من خلال الإعداد الجيد ألا يفصل بين مجموع الأنشطة بعضها عن بعض لأنه هو المسؤول عن إدارة الخبرات التي يحتويها المنهاج لأن فقد أي من هذه الخبرات سوف يؤدي إلى إهمال نمو التلميذ والتقوقع في نواحي التحصيل المعرفي.
إذن تطوير المناهج يشمل تطوير المعلم لأن فاقد الشيء لا يعطيه وإزاء ذلك مطلوب من هذا المعلم الحديث أن يدرك بأن المنهج المتطور يؤكد على النظرة التكاملية كما أسلفنا القول، فالمعلم لم يعد مجرد موصل جيد للمعلومات أي أنه مجرد حلقة وصل بين الكتاب وذهن التلميذ، ولكن عليه الآن بما يتفق مع التطوير المنشود، ومع اتساع دائرة العمل فالمعلم المتطور هو بمثابة مرشد وموجه ومساعد للتلميذ كي تنمو قدراته واستعداداته المتباينة وأيضا المختلفة.
وعليه أن يدرك كذلك أن المنهج المتطور لم يكن غاية بل هو وسيلة نمو سلوكي ومعرفي، وهذا النمو يجب أن يكون شاملاً لتقديم الحقائق والمفاهيم وتعديل السلوك وتقويمه واكتساب المهارات المطلوبة حسب المستوى التعليمي ومطالب المرحلة السنية.
وأيضاً وفقاً للمنهج المتطور والدفع بامكانات تطوير المعلم وهو أمر حتمي الآن حيث تطورت المدرسة أيضاً وأصبحت مؤسسة تربوية تقدم المنهج بصورته المتطورة وتشرف على تنفيذه.
وعلى المعلم المتطور حينئذ أن يدرك ان ثمة وسائط تعليمية أخرى مثل التلفاز والمذياع والفضائيات والمسجد والنادي فضلاً عن الرفاق داخل وخارج المدرسة وفي الجيرة وفي محيط العائلة المركبة.
وكل هذه الوسائط يمر بها التلميذ وذات أثر فاعل في تكوين الرأي والاتجاه وإكساب القيم وباتت المدرسة لا تستطيع مراقبة التلميذ داخل وخارج المدرسة مما يجعلها فاقدة لامكانات الضبط والمتابعة والتقويم، ويستلزم الأمر مشاركة أولياء الأمور والذين شغلهم تماما سعيهم لكسب وسائل العيش ولهم هم الآخرون مشكلاتهم وصراعاتهم في معترك الحياة مما يجعلها ذات أثر بالغ في محتوى المنهج.
وعلى المعلم المتطور وهيئات إعداده إدراك أن الخبرة هي أساس في بناء المنهج، ولذا فهي تتطلب من المعلم مزيداً من النشاط والتفتح والوعي والإدراك لأبعاد الموقف وما يحيط به من نشاط وانفعال، مع الوضع في الاعتبار أن المنهج المتطور وهو منهج تعليمي وسلوكي وحريص على أن يبلغ التلميذ غاية اجتماعية محددة ويتكون من جميع المقررات الدراسية، ومجمل الخبرات الإيجابية التي يمر بها التلميذ حسبما يكون عليه مستوى الصف الدراسي أو على مستوى المادة الدراسية.
ولما كان المنهج المتطور يدعو المعلم إلى اختيار تفاصيل المادة تحت إشراف وتوجيه القيادات العليا المسؤولة عن إعداد هذا المعلم وتزويده بكل ما هو جديد في مجال التربية وبالامكانيات المادية والمهارية اللازمة لإعداد المعلم المتطور والتي تعينه في مجال عمله وفي حدود تخصصه، ويعقب ذلك وضع وسائل مستحدثة لتقويم المعلم وربط ذلك بمدى تنفيذ المنهج المطور.
ويمكننا الآن القول إن التطوير لا يعني المنهج الدراسي وحده بل يشمل التلميذ والمعلم لبلوغ الأهداف التربوية ومن أجل تحسين عملية التعليم والتعلم.
|