تابعنا - كما تابع غيرنا - التقرير الإيضاحي الصادر من وزارة الداخلية مساء الاثنين 20/11/1424هـ، وفيه اعترافات جملة من الشباب، ممن كانوا على طريق فاسد، ومنهج منحرف، فهداهم الله وبصرهم فيما كانوا فيه، فرجعوا عن الباطل إلى الحق، وعن الغي إلى الرشد.
وقد كانت اعترافاتهم تلك، جزءاً من أفكار وتوجهات جملتهم الباقية الآن، التي قامت بالأعمال الإجرامية المشينة في بلادنا في الأشهر الخالية، من تفجير وتدمير وقتل لمسلمين ومعاهدين ومستأمنين وأطفال ونساء. فكان لزاماً على العلماء وطلاب العلم والمثقفين ومحبي الخير لهذه البلاد. أن يدرسوا تلك الاعترافات، وما فيها من توجهات، لنعرف من أين أُتِيَ شبابنا وأبناؤنا، فنسد الثغرات، ونعرف العثرات، قبل سكب العبرات والحسرات.
وقد ظهر لي من اعترافاتهم أمور عدة، أجملها في خمس وقفات:
1- إحداها: أن رؤوس منظريهم ودعاتهم، يستغلون جهل أحداث الأسنان في مسائل الإيمان والتكفير، ونواقض الإسلام، والجهاد، وحقوق أهل الذمة، من مستأمنين ومعاهدين وغيرها.
ويستغلون جهلهم في فهم كثير من النصوص الشرعية في ذلك، فيلبسون عليهم الحق بالباطل، ويلوون أعناق الأدلة، لتستقيم لهم استدلالاتهم، وأخوف ما يخاف منه هؤلاء الرؤوس الضُلاَّل: العلماء الربانيون، وطلاب العلم المهتدون المنصفون، أن يكشفوا عوارهم، ويبينوا فسادهم، بالأدلة الشرعية. لهذا تجدهم يحذرون منهم، ويحاولون إبعاد الناشئة والناس عنهم، ولا يوصون إلا بأنفسهم وأشباههم!
لهذا الأمر: يجب على ولاة أمرنا وعلمائنا وكل مسؤول بما في يده ويستطيعه: بيان الحق في هذه المسائل، ونشر العلم الذي به يرفع الجهل، وعقد الدروس والمحاضرات، وتأليف المؤلفات، واستثمار وسائل الإعلام كافة في نشر ذلك.
كما أن هذا الأمر، يدلنا على خطأ من يرى وجوب حذف مسائل الإيمان، والتكفير، ونواقض الإسلام من مناهجنا الدراسية! وأنها - بزعمه - تسببت في هذه الانحرافات الفكرية! مع أن أولئك المنحرفين قد ذكروا أنهم يحرمون الدراسة في المدارس! فكيف أثرت عليهم مناهج لم يدرسوها، ولم يعرفوا ما فيها؟!
وحذف هذه الأبواب: سيكون له تبعات سيئة كثيرة، وسيكون بابا كبيراً لشر كثير، ومتى كان الداء دواء! والمرضُ شفاءٌ!
وهذا بعينه ما يريده أصحابُ الأفكار الهدامة: أن تخلو مناهجنا مما يُقاومُ فكرهم المنحرف، ويبقي لهم الميدان خالياً دون علم صحيح، ورأي رشيد. فيقررون ما يريدون، ويضعون ما يشاؤون ويُحبون!
وقد ذكر المعترفون في اعترافاتهم المذكورة: أن دعاة الضلالة الذين أضلوهم، استغلوا جَهلهم، فأدخلوا عليهم أموراً فاسدة باسم الدين والشرع. وخافوا على أولئك الشباب أن يُبصروا الحقَّ، لو جلسوا إلى أحد المشايخ والعلماء: فحذروهم منهم!
لهذا فإني أكرر نصحي ودعوتي إلى المسؤولين في «وزارة التربية والتعليم» كافة، أن يكثفوا تدريس هذه الأبواب بكلام أهل العلم الربانيين، فبالعلم يرفع الجهل، وبالحق يظهر الباطل، ولا يرفع الجهل بالجهل، ولا يتضح الباطل بالباطل.
2- الوقفة الثانية: أنَّ الكتب والأشرطة التي أضلت هؤلاء الشباب، كتبُ وأشرطة معاصرين منحرفين من خارج البلاد، قد ذكر المعترفون أسماءهم. فالواجب حينئذ منعها - وقد منعت - ومحاسبة مروجيها وناشريها والمثنين عليها، وتحذير العلماء منها، ومن مؤلفيها، وتعين الرد عليها وعلى أصحابها، وتفنيد شبهاتهم، ليبطل أثرها، ويقطع ودجها.
وعلى هذا: فما يزعمه ويقوله المرجفون وغيرهم، من طعنهم في جملة من أئمة الإسلام، وعلمائه الأعلام، كشيخي الإسلام ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب، وأئمة الدعوة رحمهم الله: باطل، ولا صلة لهم بضلال هؤلاء.
حتى على تقدير أن أحداً من هؤلاء المنحرفين استدل بشيء من كلامهم رحمهم الله على أفعاله الفاسدة: فإن ذلك لا يدل على قولهم بها، وإقرارهم لها، فهم قد استدلوا على أفعالهم القبيحة بآيات وأحاديث! لم يكن استدلالهم بها في محله ولا في موضعه، كما هو حال استدلالهم بكلام أولئك الأئمة والعلماء، ليس في مكانه ولا محله.
لهذا قال الإمام العلامة ابن قيم الجوزية في «نونيته» الشهيرة في الخوارج لما استدلوا بالكتاب والسنة على جرائمهم ومعتقداتهم الفاسدة:
ولهم نصوص قصروا في فهمها
فأُتُوا مِنَ التقصير في العرفَانِ |
أي: أنَّ لهم نصوصاً من الكتاب والسنة، استدلوا بها على استباحة قتل المؤمنين، وأخذ أموالهم، وسبي نسائهم، لكن استدلالهم بها باطل، لتقصيرهم وجهلهم في فهمها، فكان تقصيرهم ذلك وجهلهم لمعانيها والمراد بها، سببا لضلالهم وبغيهم.
3- الوقفة الثالثة: تدينهم بسبب ولاة الأمر والعلماء في بلادنا المباركة خاصة، يدل على أمور فاسدة عدة، منها:
- مخالفتهم للأدلة الصحيحة، في وجوب النصح لولاة الأمر، وستر عيوبهم، وجمع شمل الناس عليهم، ليستقيم أمر الدنيا والدين، وأن يُدعى لهم بالتوفيق والسداد والرشاد، فاستقامة ولاة الأمر استقامة لأمور الناس عامة في دينهم ودنياهم.
- أنَّ مشايخنا وعلماءَنا مُباينون مُخالفون لأصحاب هذه الأفكار والانحرافات، غير موافقين لهم. لذلك يشتمهم هؤلاء المنحرفون، ويتدينون بانتقاصهم، ويتقربون إلى الله بسبهم، بل قد بلغت الحالُ بجملةٍ منهم إلى تكفيرهم!
وعلى هذا: فمحاولة بعض أهل الأهواء الآخرين والمغرضين، ربط علمائنا واعتقاداتهم بأرباب هذه الأفكارك مُحاولةٌ فاشلة، وربط فاسد باطل، دافعة أمران خبيثان:
أحدهما: إرادتُهم الطعن في الدين وحملته، شفاء لنفوسهم المريضة.
والثاني: تشريعُ أعمال أولئك المجرمين، بربطها بالعلماء، وزعمهم أن العلماء يقولون بها، ويعتقدونها، ويدرسونها! وهذا باطل، وهو نتيجة لمزاعمهم الفاسدة.
وقد علمنا جميعا، مخالفة علمائنا ومشايخنا لأصحاب هذه الأفكار مخالفة تامة، من بياناتهم الكثيرة الصادرة بحق هؤلاء، ومن دروسهم ومحاضراتهم. وعلمناه من بغض المنحرفين لهم، وشتمهم إياهم، وكفى بذلك شهيداً.
4- الوقفة الرابعة: أن رؤوس منظريهم ودعاتهم، يستهدفون أحداث الأسنان، لجهلهم، وقلة تجربتهم، وضعفهم الفطري. وهذا كما تقدم يوجب تعليمهم وتحصينهم من ذلك بالعلم الشرعي الصحيح من أهله.
كما يوجب أمرا آخر، وهو حرص أوليائهم وآبائهم عليهم، ووجوب متابعتهم لهم، ومعرفة توجهاتهم، وتوجهات أصحابهم وجلسائهم، وإلى أين تكون أسفارهم؟ ومع منْ تكون؟ واختبارُ الآباء والمعلمين ومنْ في حكمهم لهم، ليتنبهوا إلى كل فكرٍ طارئ خبيث، ليئدوه في مهدِهِ، قبل اشتداد عوده.
ولا شك أن ربطَ الناشئة بالعلماء المعتبرين، ولزومهم مجالسهم ودروسَهم، فيه خير كبير للأمة، وعصمةٌ لهم، ولجلسائِهم ومجتمعهم والناس كافة. وقد اعترف أولئك المتراجعون أنهم كانوا ينفرون ممن لديه شيء من العلم الشرعي من الأحداث، لئلا يفسد عليهم البقية!
وتعميمُ وسائل الإعلام في بلادنا لدروس العلماء وتكثيفها، سيكون له بمشيئة الله أثرٌ نافع كبير، وأجرٌ كثير، ليصلَ العلمُ الصحيح لكلِّ حاضر وباد. وهذا هو الواجب من حيث الأصل في هذه الأحوال وفي غيرها، فلا استقامة للناس بغير استقامتهم على الشرع.
5- الوقفة الخامسة: أنَّ هؤلاء الشباب، قد تدينوا بأعمالهم الفاسدة، وتدينوا بسبب ولاة الأمر والعلماء! والواجبُ في هذا أمور ثلاثة:
أحدها: بيانُ حق وليّ الأمر بالدليل الشرعي، وأن له بيعةً، وسمعاً وطاعة في غير معصية الله عزّ وجلّ، وبيانُ لوازم بيعتهم.
الثاني: بيان مكانة أهل العلمِ، وحرمةِ الخوض في أعراضهم، وتبجيلهم، والرفع من شأنهم الرفيع، لئلا يستهانَ بما حَملوهُ من العلمِ، وبأحكام الشرعِ والدين، فيفسد بسب الولادة أمر الدنيا، ويفسد بسب العلماء أمرُ الآخرة.
وما نراهُ من ردود بعض المنحرفين فكرياً، من تيارات فكرية منحرفة أخرى على بعض علمائنا الربانيين في بعض الصحف هذه الأيام وقبلها، ونزاعُ أولئك المنحرفين لهم في أحكام شرعية! علماؤنا أعرف وأعلم بها وبأدلتها، ومراد الشارع فيها: لهوَ شر كبير، وفتح باب لشر كثير، وتجرئٌ للناشئة وغيرهم على الردّ على العلماء، وانتقاصهم ونزاعهم. وان أحكام الدين - التي لم يأذن الله لأحد أن يتلكم فيها إلا العالمون - أصبحت نهبا لكل أحد ملك قلما وعرف أن يكتب حرفاً! وإنْ كنا نعيبُ على أصحاب التفجير والتدمير: رجوعهم إلى رؤوس جُهال، يفتون بغير علمٍ، ومخالفتهم لأهل العلم: فما لنا لا نعيب على أولئك المنحرفين إفتاءهم بغير علم! ومخالفتهم لأهل العلم والفتوى؟!
ومعالمُ الدين، وأحكامُ الشريعة: منوطةٌ بسلامةِ الولاة والعلماء، ليستقيم أمرُ الدين والدنيا، وتقامَ الشعائرُ والحدود، وتأمن السبل، وكما قال الأول:
لولا الأئمة لم تأمنْ لنا سُبُلٌ
وكانَ أضعفُنا نَهْباً لأقوانا
هذا بعضُ ما أردت إيقافَ إخواني عليه، وتذكيرهم به، نسألُ الله عزّ وجلّ أن يهدي ضالَّ المسلمين، ويرد من ضلَّ من شبابنا إليه، وأن يراجعوا أنفسهم فيما جنوا به عليها، وعلى أهاليهم، ومجتمعهم والمسلمين، وأن يوفق ولاة أمرنا، وعلماءنا للخير والرشاد {وّاللَّهٍ غّالٌبِ عّلّى" أّمًرٌهٌ وّلّكٌنَّ أّكًثّرّ النَّاسٌ لا يّعًلّمٍونّ}.
|