منذ أيام مضت بدت نواجز صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد الأمين مقرونة بابتسامة عريضة تعلوها جبهة مشرقة وضيئة مستبشرة ومبشِّرة بمستقبل محفوف بالخير العميم والرزق الوفير لأمته وشعبه غداة توسطه لجموع غفيرة تحت خيمة شاهقة في بادية قبيلة بني هلال سابقاً وآل مرة حالياً مستمعاً لأبنائه النوابغ من رجالات أرامكو السعودية يحدثونه عما في باطن الأرض في (حرض)، وحرض للذين لا يعلمون سبق أن دخلت منظومة الإنتاج العالمي للنفط في العام 1949م وهي تحتضن أكبر حقل نفطي في العالم وهو حقل (غوار) وتضم كذلك بين حناياها أكبر مخزون للطاقة، ولم يكن لها أن تلاقي كل هذا الاهتمام في عالم اليوم لولا اتكاءتها الوثيرة على بحيرة من النفط والغاز قلَّ أن تجد لها مثيلاً في العالم، حيث كانت حرض هجرة صغيرة مدفونة في غياهب النسيان ومغمورة برياح الخماسين الراحلة ولم يكن لها لتصبح أغنى قطعة أرض في العالم لولا أن توسدت على كنز ثمين من الذهب الأسود. فقد جاء عام 1949م استثنائياً ل(حرض) الحديثة ففارقتها تلال الرمال ووحشة الصحارى الموغلة في عالم الخوف والمجهول وغادرتها الرياح العاتية وودعتها العزلة القاتلة وأضحت (حرض) استراحة مورقة مؤنقة بعد أن وضعت أرامكو الحبيبة كل عتادها وخبراتها وأبنائها الأذكياء بدعم وتوجيه من القيادة الرشيدة، وبفضل ما وفَّرته حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين من عوامل الاستقرار والبهاء للبلدة الصحراوية، فدور التعليم والصحة ومياه الشرب والطرق المعبدة والإنارة وسقيا المزارع حوَّلت المنطقة إلى نقطة جاذبة للسكان الذين ما زالوا يأملون في مزيد من الاهتمام الذي يواكب السمعة العالية التي تتمتع بها (حرض) بين دول العالم.
وبمجيء سمو ولي العهد الأمين إلى (حرض) ووقوفه على (نبع الخير) تكون قد ذهبت الأيام الخوالي التي اشتكى فيها أهل المنطقة كثيراً من النمط التقليدي في نظام حياة المعيشة وافتقاد البلدة إلى المشفى الذي يغنيهم عن شد الرحال إلى مدن بعيدة طلباً للعلاج، وستذهب أيضا إلى غير رجعة مآسي الموت وطرق جهنم التي أودت بحياة شباب (حرض) بسبب الحوادث المرورية المؤلمة الناتجة عن رداءة الطريق السابق ذي المسار الواحد المدلهم الظلام في سكون الليل البهيم.
ويذكر العارفون أن حرض ستصبح بحلول عام 2006م مصدراً يمد العالم بنحو مليون برميل من الزيت الخام يوميا،ً وهو رقم يفوق إنتاج عدد من الدول البترولية، إضافة لكونها مصدرا حيويا للغاز الطبيعي. وكان لنا متابعة ما ذكره معالي وزير البترول والثروة المعدنية بوصفه افتتاح مشروع تطوير الغاز الطبيعي والزيت في حرض التابع لشركة أرامكو السعودية بأنه (ميلاد عملاق صناعي جديد يقف شاهد صدق على مسيرة النجاح المتميزة التي حققتها وما زالت تحققها الصناعة البترولية السعودية). وأرى أن هذا الأمر بات يؤكد استطاعة صانعة الغاز في المملكة تحقيق النجاحات المتتالية معتمدة على الله تعالى ثم على دعم قيادتنا أعزها الله، حيث نذكر جميعاً مبادرة سمو ولي العهد التي حددت ملامح إستراتيجية المملكة في مجال الصناعة النفطية، فقد أكد سموه سعي البلاد للتوسع في عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي وإنتاجه في المملكة وإتاحة المجال للشركات العالمية للاستثمار في هذه الصناعة الحيوية، وها هم الناس اليوم يتطلعون إلى الغاز الطبيعي على انه فارس صناعة النفط الآتي على جواد اخضر وذلك بسبب جاذبيته القائمة على الزيادة المطردة في الطلب عليه في العالم وعلى رفقه بالبيئة ووفرة عرضه، والحمد لله انه قد أمسى اليوم نجماً ساطعاً في فضاء النهضة الصناعية للمملكة العربية السعودية، إذ تؤكد الإحصائيات الحديثة ان المملكة أصبحت تحتل المركز الرابع في احتياطيات الغاز على مستوى العالم وتعد اليوم من الدول العشر الأولى في إنتاجه.
ومما يدعو للفخر والاعتزاز حرص أرامكو على التعاون مع القطاع الخاص الوطني كلما كان ذلك ممكنا وحسبما تتيح إمكاناته حيث أبرزت الأرقام حجم الدور البارز للقطاع الخاص السعودي بإنجاز ذاك المشروع العملاق، فقد قام بأعمال تزيد قيمتها الإجمالية على 2 ،5 مليار ريال اشتملت على أعمال هندسية وإنشائية وتصنيع وتوريد مواد للمشروع الذي اعتمد بدرجة كبيرة على المقاولين والموردين السعوديين كما كانت حوالي 40% من المواد المستخدمة في إنشاء المشروع من المواد المصنعة في المملكة، وقد برز حرص أرامكو السعودية على تطوير كفاءات مهنية وطنية ستحتاجها لتشغيل مرافق هذا المشروع العملاق وصيانتها وذلك بما يتوافق مع السعي الحثيث للدولة الرشيدة لاستقطاب القوى العاملة الوطنية تدريباً وتأهيلاً وتوظيفاً للعمل في مشروعات الغاز العملاقة وقد ذكر العارفون أن فريق تشغيل مشروع حرض هو فريق سعودي بنسبة تزيد على 92% كما أثبتت فترة التشغيل التجريبي أن من تم اختيارهم من أبناء الوطن كانوا جميعاً على قدر المسؤولية المنوطة بهم.
ومما أثار شجوني ما لمسته في حفل افتتاح مشروع تطوير الغاز الطبيعي والزيت في (حرض) من سير صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز لذاك الطريق المعبد السالك إلى مواقع المجتمع وشؤونه وشجونه وآماله وأحلامه العراض المعلقة بحبال الود والإخلاص والعلاقات المتينة بين الراعي والرعية، حيث شهدنا جميعاً كيف شرّف سمو سيدي ولي العهد الأمين الحفل الذي أقامه مواطنوه المخلصون من أبناء قبيلة آل مرة بولاء محفور في ثنايا الضلوع ترحيباً بمقدمه الميمون، فقد تشرَّف مشائخ القبيلة بالسلام على سموه الذي خاطبهم بقوله (إخواني وأبنائي قبيلة آل مرة التي يذكرها والدي الله يغفر له الملك عبدالعزيز بالوفاء والإخلاص لخدمة دينكم ووطنكم ومليككم.. وهذا لا يستغرب عليكم لأن هذه صفات آبائكم وأجدادكم وأنتم إن شاء الله تسيرون في الطريق الذي ساروا عليه وشكراً لكم وأتمنى لكم التوفيق والنجاح).
هنيئاً ل(حرض) اللؤلؤة المضيئة في قلب الصحراء، وهنيئاً لأرامكو (بنت البلد) الأصيلة التي ما حطت رحالها في منطقة إلا وكفكفت عنها دموع الحزن ومسحت عن جسدها أدران السنين وقد استطاعت بإخلاصها وبحنكة قادتها أن تحول تلك الهجرة النائية إلى مدينة تنبض بالحيوية وتشع بالفرح وتنهض بدور اجتماعي وثقافي وتنموي كبير مترجمة بذلك شعار الدولة الرشيدة المتمثل في النهوض بالمجتمع السعودي أينما وجد وحيثما حلَّ، وإليك سيدي ولي العهد أتوجه بخالص شكرنا وثنائنا السرمدي على مشاركتك لأبنائك في الصناعة البترولية السعودية بجميع مناسباتهم السعيدة رغم بعد الشقة وطول الطريق لتفتتح ذاك المشروع العظيم وتدير مقبض التشغيل إيذاناً ببدء الإنتاج لتكشف بكبرياء وعظمة ما ينتظر المملكة من مستقبل مزهر، فما سعيك الحثيث لبلوغ المرام إلا أمر محتوم يغمر البلاد وأهلها بالسعادة الدائمة، فها أنت سيدي ولي العهد تفتش عن خبايا الرخاء لشعبك في طيات المجهول وتنزع غلالات شفيفة عن مستقبل مشرق لهم وتطيرها مثل فراشات ملونة فزعت عن شجرة مثمرة لتغيب البلاد في سحر الرفاه وتعانق سحب التقدم والتطور.
|