Monday 26th January,200411442العددالأثنين 4 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
إشاعة الحقيقة.. الحق المشاع!!
د.عبدالله بن ناصر الحمود*

هناك اتجاهات ثلاثة رئيسة جرّبتها المجتمعات الإنسانية على مر العصور في رحلتها للبحث عن الحقيقة، سواء كانت تلك الحقيقة تعبر عن الحقيقة المهتدية بالوحي الإلهي، أم المتمردة على كل قوانين الحياة البشرية. ومن أجل التعرف على الحقيقة وإشاعتها في إدارة شؤون الناس ذهب الناس كل مذهب، بين موغل في أقصى اليمين ومنطلق دون كوابح نحو اليسار. ولأن كلا من هذين الاتجاهين ينطلق من رفض مُضمر وآخر معلن لندّه في البحث عن الحقيقة، فقد انبرى كل طرف للتشهير بالآخر منهجا وغاية، في محاولة واضحة للنيل منه موضوعا وشخوصا. وكان من لوازم هذه البيئة التنافسية في الوصول إلى المعرفة أو في تحقيق مكاسب متعددة المشارب!!، أن يتدرب أقطاب الطرفين على منازلة الآخر وتقوية الحجة بالدليل والبرهان. وذلك من أجل إفحام الآخر والنيل منه ومصادرة آرائه وتصوراته للكون والحياة، ليحل محلها شيء آخر مغاير تماما ومختلف في الأصول والجزئيات. وفي معرض الخصومات المتطرفة تلك، بقيت كيانات أخرى في المجتمعات الإنسانية تمارس ردحا من الزمن دور المتفرج. وهي كيانات تحمل بالتأكيد آراء أخرى مغايرة لكل ما لدى الطرفين من مخزون فكري وسلوكي، لكن تلك الكيانات المتفرجة باعتبارها قلب الرهان بين المتراهنين على كشف الحقيقة لم تر مكانا لها مستساغا في وهج الصراعات المجتمعية والاختلافات الفكرية والسلوكية، فهي تحمل آراء وسطية لا إلى هؤلاء ولا إلى أولئك. ولأنها آراء وسطية فربما ألقت وسطيتها تلك بثقل الوسطية على التوجه نحو الطرح والمبارزة أيضا، ومن هنا خبا بريقها، وقل مناصروها القادرون على إعلان مناصرتهم والتصدي لها في مواجهة التطرفين الخطيرين.
وباستقراء واقع مجتمعنا السعودي خلال العقود القليلة المنصرمة ندرك أن الصوتين الأكثر بروزا في الساحة كانا في أطراف فكر المجتمع وغاياته. وليس إلا بضعة شهور مضت حين بدأ الوسط المجتمعي ينتفض عن مخزون فكري كبير وعظيم، ويرفع صوته مناديا بضرورة التقارب المجتمعي ليس نحو الطرفية البغيضة ولكن نحو وسطية الإسلام الكفيلة بتشييع وسطية الفكر، ووسطية الغاية، ووسطية السلوك.
حاجة مجتمعنا اليوم ظاهرة لمزيد من الطرح الوسطي، وهو أشد حاجة لفتح المجالات النظرية والعملية من أجل إشاعة (الحقيقة) كما يراها الوسطيون لا كما يتصورها (الإفراطيون) ولا (التفريطيون). ولأن الوسطيين سيدخلون حلبة البحث من أجل الحقيقة، فإنهم من غير شك سيحتاجون دعم المجتمع لهم بكل كياناته ومؤسساته الخيّرة المتفائلة بأن (الحقيقة) دائما وسط بين تشددين، سيما وهذا هو الهدي لنا من وحي رب العالمين. ربما أُتينا من أن منهجنا الوسطي كان خافت الصوت في حين أتيح لآخرين أو أن آخرين أتاحوا لأنفسهم أن يشيعوا رؤيتهم للحقيقة.

*عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved