تناقلت الصحف أن وزارة الصحة أحالت ملف تسعيرات المستشفيات الخاصة إلى مجلس الشورى. ربما إيماناً من الوزارة بخبرة مجلس الشورى بنظام التسعير. المعروف أن مجلس الشورى هو أول جهاز نظامي في العالم وفي التاريخ بحث في غلاء المهور. هو أول من طرح مشروع عالمي يهدف إلى تخفيض أسعار المرأة.
لم يشر الخبر بوضوح إلى التعقيدات التي دفعت الوزارة إلى نقل الملف. لكن أسعار المستشفيات تستحق إعادة نظر. لا أعني أن نعود إلى نظام فرض الأسعار الاشتراكي ولكن إلى وضع إطار عام يمكن أن يفهمه الناس. الجميع يؤمن أن هناك فروقاً في المستويات بين الأطباء من جهة وبين المستشفيات من جهة أخرى. لكن كيف يعرف المريض هذه الفروق ويقدرها لا من الناحية السعرية ولكن من الناحية الطبية، فالمريض في حاجة أولاً إلى طبيب جيد يساعده على التخلص من آلامه ثم يأتي بعد ذلك عامل السعر.
من الواضح أننا الآن نتحول من نظام الأطباء إلى نظام المستشفيات. كما نتحول من نظام البقالات الفردية إلى الأسواق الكبيرة العامة. فالعيادات بدأت تتحول تدريجياً إلى مستشفيات أو مراكز طبية. لا أعرف هل هذا أفضل للمريض أم أسوأ ولكن أظن أن هذا واحد من عوامل رفع الأسعار. فالمريض بدأ يدفع تكاليف الأناقة والديكورات والتسهيلات الجانبية، مضافاً إلى ذلك أن هذا التوجه يقود إلى أن يصبح صاحب المستشفى هو صاحب الصيدلية وهو صاحب المختبر وهو صاحب مركز الأشعة وهو صاحب مركز الطوارئ وهو صاحب البوفيه. وكل قسم من هذه الأقسام استثمار يجب أن يحقق أرباحاً.
عندما يدخل المريض على الطبيب حتى ولو كانت علته واضحة فالطبيب ملزم أن يمرر المريض على كل الأقسام بما فيها البوفيه. يأخذ له أشعة ثم يأخذ له تحليل دم وفي النهاية يحمله كيساً مملوءاً بكل أشكال الأدوية.
في كل بلد في العالم لا يصرف للمريض إلا أقل الأدوية. فالاتجاه العام هو التقليل من الأدوية ما أمكن. أما في المملكة وبسبب نظام المستشفيات بدأنا نشهد صرفا في الأدوية بشكل غير معقول. وإذا كان المريض يحتاج إلى الدواء مدة ثلاثة أيام فهو ملزم أن يدفع قيمة العلبة كلها حتى لو كانت تحتوي على ما يكفي شهراً كاملاً. لا أظن أنا أن تسعيرة الأطباء هي كل المشكلة بل أظن أن نظام المستشفيات هو العلة.
يقال إن الطبيب يأخذ نسبة على كل فاتورة تصدر من عيادته. إذا كان هذا صحيحاً فلن يتردد حتى ولو لا شعوريا في تخطي حاجة المريض ليحقق لنفسه أكبر قدر من الربح، مما يؤدي بطبيعة الحال إلى الإضرار بالمريض وإرهابه وتحميله تكاليف إضافية.
يتخيل لي أن المملكة هي أكثر دول العالم صرفاً للأدوية وخاصة المضادات الحيوية للأطفال. من النادر أن آخذ أياً من أطفالي إلى مستشفى دون أن أعود محملاً بالأدوية وأهمها المضاد الحيوي حتى أصبح حضور الأوجمنتين في منزلنا مثل حضور الفواكه. رغم أني أعرف مدى الضرر الذي قد يصيب الطفل من كثرة تناول المضادات الحيوية إلا أني لا أستطيع أن أتحمل مسؤولية إهمال تعليمات الطبيب. فالمسألة تداخلت. فلم تعد مشكلة تسعيرة فقط. فنحن الآن نخسر فلوساً أكثر مع تهديد صريح بالتدمير الصحي على المدى الطويل. نأخذ أدوية أكثر مما نحتاج. نمرر على أشعات لسنا في حاجة لها ندخل في مخاوف لا مبرر لها. أعتقد أن المشكلة لا تكمن في الأسعار وحدها ولكن في استدراج المريض ليدفع ما لا حاجة له به. أظن أن نظام المستشفيات هو مشكلة أساسية في تفاقم تكاليف العلاج في المملكة.
فاكس 4702164
|