نحمد الله على نعمة الغيث والسقيا وهذه بشرى افرحت الجميع فقد عم الخير ارجاء الوطن مما يتطلب شكر النعمة على هذا العطاء العيمم.
وهذا الغيث صيباً نافعاً بمشيئة الله لانه جاء في موسم الوسمي وليس الأول من نوعه فقد كنا وآباؤنا واجدادنا في السابق يعتمدون عليه بعد الله سبحانه وذلك في السقيا والزراعة والرعي ويعانون الويلات والغلاء بسبب القحط ولقد تعرضت نجد خلال الفترة من عام 1047هـ 1290هـ الى جفاف وغلاء وقحط على مدى 243 سنة بلغت 35 سنة تقريباً تخللها غيث عظيم غير السيول المعتادة ولست بصدد ذكر ايام الشدة وانما احب ان اذكر بسنوات الخير والغيث لان هذا ما يفرح ويبهج ففي عام 1086هـ سنة «ربيع الصحن» او «جردان» كثر الغيث فيها وفي عام 1098هـ سنة «ديدبا» كثرت الكماه والجراد والعشب وفي عام 1100 هـ جاء مطر دقيق وبرد جمد المطر فوق النخيل والاشجار وسميت سنة «سليسل»» وفي عام 1122هـ انزل الله بردا أذهب الزروع وهبت ريح شديدة كسرت النخيل وهدمت البنيان وسيلاً اغرق البلاد واهلك الزرع في سنبله وفي عام 1125هـ حصل برد أضرَّ بالنخيل وكسر الصهاريج وجمدت المياه وعام السحى 1137هـ الذي مات فيه كثير من الناس واكلت فيه جيف الحمير من الجوع والفقر انزل الله الغيث وكثرت السيول والخصب ولقد ماتت الزروع بسبب مرض الصغار لكثرة الامطار وكثرة الدبا والخيفان فسميت السنة التي بعدها «سنة الذرة» و «رجعان السحى» الذي هو الخصب بعد الجدب وذلك عام 1239هـ وفي عام 1155هـ صار نجد خصب وجاء الخرج سيل أضر به وسميت سنة «خيران» لكثرة سيولها وامطارها حيث دام الشمس قرابة الشهر لم تطلع.
وفي عام 1175هـ وقع وباء شديد مات منه خلق كثير سمي ابو دمغة «حمى الواحات» ثم جاءت سنة جزام وهو وباء اصاب الابل يسمونه «الغدة» عام 1199هـ وفي عام 1200هـ سنة رجعان انزل الله غيثاً عظيماً والتي جاءت بعد سنة القحط المسماة «دالوب» وفي عام 1211هـ جاء سيلاً عظيماً اغرق حلة الدلم محاها ولم يبق منها الا القليل عبر وادي دبيان.
وفي عام 1223هـ وقع على نجد قحط وفي العام الذي يليه وقع جوع ووباء حتى اتى عليهم ايام يموت في اليوم 43 نفساً تقريباً ثم رحم الله العباد فأنزل الله الغيث ووقع هذا السيل في جمرة القيظ عند ظهور الهقعة مع الفجر زابن الجوزاء الشمالي الذي نوؤها المرزم في حساب اهل الحرث وقت حلول الشمس برج السرطان وسميت هذه السنة «سنة جبار» فأرخص الله الاسعار حتى اصبحت 37 وزنة تمر بريال واحد و 13 صاع بر بريال.
وفي عام 1243هـ كثرت الامطار وفاضت الآبار واستمر الى عام 1245هـ بعده جاء مرض ابو زويعة عام 1246هـ الذي مات فيه كثير من الحجاج حيث مات اكثر من نصف حجاج الخرج وغيره من البلدان ومات من اهل مكة 16 الف نفس. وفي عام 1269هـ انزل الله الغيث في اول الوسمي فبيعت الحنطة 50 صاعاً بريال فرنسي و 30 صاع اقط بريال و 50 صاع كمأة بريال و 60 وزنة تمر بريال و 11 وزنة سمن بريال وفي عام 1272هـ انزل الله الغيث ايضاً في الوسمي وفي عام 1278هـ انزل الله الغيث في الخريف وفي عام 1287هـ وقع الغلاء الشديد والقحط في نجد واستمر حتى نهاية عام 1289هـ حتى اكلت الجيف وكثر الموت واكل الناس الجلود البالية بعد حرقها بالنار وكانوا يدقون العظام ويأكلونها ويأكلون نبات البرسيم «القت» وفي عام 1301هـ كثرت الامطار وعم الحيا وكثر الخصب والكمأة ورخصت الاسعار.
واذكر انه مر زمان يسمى بالساحوت، مجاعة شديدة جعلت الكثير يسافرون بحثاً عن الرزق في الخليج وامتدت المجاعة من عام 1288هـ - 1295هـ واضطر الناس الى اكل ورق الشجر والجراد والعظام.
ولن ننسى «سنة الرحمة» والتي جاءت عام 1337هـ وسميت بذلك بسبب كثرة المتوفين حيث يموت في اليوم الواحد ما بين 10-15 شخصاً وهي اشد من سنة ساحوت حيث اصاب الناس وباء انتشر بصورة كبيرة فأطلق عليها «سنة الرحمة» تلطفاً وطلباً للرحمة من الله سبحانه ومات اخي الاكبر زيد الوحيد فيها.
وفي عام 1361هـ جاء برد شديد عصر جريد النخيل وأيبسه وعام 1364هـ سنة الدباء الذي اكل الثمار والعشب وسنة الثلج التي اصابت الدلم. والمواسم كثيرة يضيق المقام بها او حصرها ولكن لعل ما ذكرنا فيه الكفاية ان شاء الله.
هذا ما جاء في السابق اما ما جاء في الحاضر فأعرض له بالتفصيل قليلاً لكي اطرح المعاناة فحول كارثة السيول عام 1403هـ فعند الساعة الرابعة عصر يوم الثلاثاء 1/6/1403هـ اجتاحت السيول كافة المدن والقرى والمزارع واستمر تدفقها حتى التاسعة من صباح اليوم التالي. فأدت غزارة الامطار الى تدفق السيول التي جرفت الطرق وعزلت الاحياء ولحقها الاضرار وتهدمت المباني الطينية القديمة وتم وضع لجنة اغاثة من 16 فرقة طوارئ فأنقذ العديد من الاسر المحاصرة وتم توزيع العديد من الخيام بالاضافة الى مستشفى متنقل مكون من خمس طائرات عامودية وفتحت المدارس للايواء وعطلت المدارس وتحولت الدلم الى بحيرة مائية لا تكاد تعرف من اعلى الا بالنخيل الذي ارتفعت رؤوسه فوق الطوفان.
اذا رأيت نخيلاً والسيول بها ابصرتها لجة في وسطها شجر وكانت قادمة من الركن الغربي الجنوبي للدلم وقد وصلت السيح واليمامة والسليمة وصبت في السهباء شرق الخرج وسالت العين متجهة لنعجان وسال بلجان متجهاً للضبيعة ووقت خسائر في المزارع والبيوت المحمية والثروة الحيوانية ثم جاء سيل عام 1408هـ شهر رجب مشابه لسابقه وجاء هذا العام 1424هـ يوم الاربعاء 9/10 اشد اندفاعاً فاتجه الى غير طرقه المعتادة بسبب اغلاقها سواء من اودية او عبارات فأفسدت الطرق واخربت المحاصيل ودمرت المزارع.
جاءت قوية مندفعة تدرك عظمتها من آثارها وما جلبت من اشياء فتجمعت بعض تلك السيول واغلقت امامها المعابر من جراء الغثاء والاعشاب والاخشاب. وهذا شاهدناه في وادي تركي الذي اخذ كفايته وزاد على معتاده وقد زاد مشكلة تدفقه اقفال المعابر «العبارات» التي على طريق العذار فنجد عندما انطلق كوبري وادي تركي الذي تحت طريق العذار وازداد تدفق السيول لم تجد مخارج تساعد في تصريفه رغم قطع سد «رص» وادي ام الحصاني فنجد عشرات العبَّارات مغلقة اما بالمخططات او المزارع فأين عبارات وادي العيساوي والوادي الاوسط وسيل الخشرة ومسناة آل جريد ومسناة آل ناصر ومسناة الطويلة ومسناة المزورية ومسناة القصور وباطن العذار ومسناة آل سعيد و مسناة العويمرية كل هذه شبه مقفلة فزاد طوفان السيول واضرت بالمزارع والطرق واتجهت الى طرق اخرى لم تكن في الحسبان حيث اضطر الى قطع طريق زميقة وتعطلت الحركة على طريق الامير سلمان التي تحتم الامر الى زيادة رفعه حتى لا تتعطل الطرق والخدمات وقت الحاجة ثم اين الحماية للطرق العامة والدولية فطريق الجنوب يقفل لاول مرة حيث سيول العين المتجهة الى نعجان وكذلك سيول بلجان وابا الناس مما اضطر الامر الى رفع الفاصل بين المسارين واصبحت وادياً متجها ناحية الشرق الى الرويضة ثم مدينة السيح حيث طمر البرج والجامع الكبير والمنطقة الصناعية وطريق القاعدة وقطع المدخل.
ان هذه الاخطاء تتكرر كل موسم غيث ولكن سوء التخطيط وسوء التنفيذ ساهما في تكرار الكارثة.
ولقد زاد من المعاناة ضعف امكانيات البلدية في الدلم وكذلك الدفاع المدني ورغم المناشدة والمطالبات المتكررة لم نجد الداعم لهذين الجاهزين فالدلم واسعة ومترامية الاطراف مما يتطلب زيادة امكانيات الدوائر الخدمية عموماً كما لا يفوتني التنويه بمعالجة مواقع فيضان السيول على الطرق واتلافها يتطلب وضع خرسانة مسلحة حتى لا تتكرر المعاناة كل مرة وليس علاجاً اعادة رصفها بتراب ينزاح بسرعة مما يضر الطريق والمكان الذي امامه، ثم اين مشروع كبرى ام الحصاني الذي طال امده وتسبب في تعطيل الحركة المرورية اثناء السيول كما ان كوبري وادي تركي بحاجة الى توسعة تتناسب مع حجم السيول الجارفة واخيراً تنظيف الاودية امر ضروري ومهم وهذا خطأ وقعت فيه البلدية وتهاونت في متابعته ومنع التعدي على الأودية والعبَّارات. والله الموفق
|