شهد التاريخ البشري على مر العصور والأزمان أزمات وقضايا شكلت معاناة وهماً لبني البشر الذين ما كانوا يجدون لها حلاً إلا بتدخل أهل الحكمة والعقل لإصلاحها.
ولقد كان الحوار ومازال الطريقة السليمة المثلى لفض الاشتباكات والنزاعات، فهو يؤلف بين القلوب ويقرب وجهات النظر ويجلب الأمان للأوطان ويصلح ما أفسده العابثين بالإضافة إلى كونه أسلوباً إسلامياً متحضراً أزال العديد من الخلافات، ولنا في التاريخ الإسلامي على ذلك أمثلة كثيرة فحوار الرسول صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش وتحاوره مع اليهود والنصارى وحواراته مع الصحابة رضوان الله عليهم، كل ذلك يؤكد أهمية الحوار كأداة من أدوات الرسالة المحمدية وأسلوب لفهم الآخرين وكيفية الوصول إليهم.
أما عن سمات هذه الحوارات النبوية فبالتأكيد كان الأدب هو السمة البارزة وذلك لكون سيد الخلق طرفاً فيها فهو عليه الصلاة والسلام يجادل بالتي هي أحسن ويحترم الشخص المقابل مهما كان دينه أو ملته، كما أنه لا يستأثر بالحديث لنفسه العظيمة فقط بل يعطي الطرف الثاني حرية الكلام مع حسن الإنصات له، ولقد استمر الحوار من بعد الرسول صلى الله عليه وسلم نهجاً إسلامياً استعان به الصحابة والتابعون والمسلمون أجمعون، ولنا في حوار عبدالله بن عباس رضي الله عنه مع الخوارج مثال على ذلك فهو بعلمه وحجته أقنع عشرين ألفاً من الخوارج أن يعودوا إلى حظيرة الدين.
وحيث إن المملكة العربية السعودية امتداد للدولة الإسلامية التقليدية فهي لم تحد عن هذا الطريق القويم. والحوار في المملكة بدأه جلالة المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل - رحمه الله - عندما حاور زعماء القبائل لإقناعهم بمنهجه وفكره، ولقد أتى ذلك الحوار أكله بدليل أننا ننعم بوطنا تلاحمت فيه القيادة والشعب في مشهد قلما يتكرر. وفي عهد مولاي خادم الحرمين الشريفين أولى - حفظه الله - حوار الحضارات اهتماماً ملحوظاً تجلى من خلال إنشائه لمراكز إسلامية عدة حول العالم.
أما فيما يتعلق بالحوارات الداخلية أقف قليلاً عن الحوار الوطني الذي دعا إليه سمو سيدي ولي العهد الأمين بعدما رأى - حفظه الله - ما تجنت به فئة ضالة على هذا البلد الأمين فبادر إلى تأسيس مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني وذلك لإعطاء مساحة من الحرية للمواطنين للتحاور بين أنفسهم دونما تدخل من أي جهة رسمية وذلك بغية محاربة التطرف والفكر الإرهابي,
وقد أكد سموه في لقائه الأخير مع أعضاء الحوار الوطني على أنه يجب على المواطن أن يضع نصب عينيه هذه الاركانات الأربعة (العقيدة والوطن والصبر والعمل) ومن وجهة نظر شخصية أرى أن الحوار سيجد الأسباب التي أدت إلى انحراف بعض شباب هذا الوطن عن جادة الصواب، كما أنه سيجد الحلول الشافية لمشكلة الغلو والتطرف بشرط أن يلتزم الأعضاء بأخلاقيات الحوار البناء وان يتناولوا القضايا محل النقاش بموضوعية بعيداً عن العاطفة والمصلحة الشخصية.
وأخيراً فإنه ينبغي علينا كأفراد في هذا المجتمع ألا نكون سلبيين فالقيادة ومجلس الحوار الوطني ونحن وكل مؤسسات وقطاعات الدولة مكملين لبعضنا. لذا - يجب علينا ألا نغفل عن الرسالة المنوطة بنا كمربين للجيل القادم فالأسرة هي اللبنة الأولى، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). لذا علينا أن نربي أبناءنا تربية إسلامية صحيحة مبنية على الكتاب والسنة وطاعة ولي الأمر حتى نهنأ بالعيش الكريم في هذا الوطن العظيم.
|