Saturday 24th January,200411440العددالسبت 2 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

في خاطري شيء «الإرهاب والديمقراطية» في خاطري شيء «الإرهاب والديمقراطية»
مالك ناصر ضرار/كاتب صحافي

يعتقد كثير من المهتمين أن عمليات الإرهاب التي جرت خلال الشهور والأسابيع والأيام المنصرمة في السعودية والمغرب وتركيا هي نتاج تراكم الإحباط والغبن المتأني من غياب الديمقراطية وتردي الأوضاع المعيشية لكن أي نظرة متفحصة تؤكد بأن أجندة الإرهابيين لا علاقة لها بالإصلاح الديمقراطي وهذا الإصلاح قد يكون متعارضاً مع أهدافهم لإقامة الدولة المستبدة حسب أيديولوجيتهم.. ليس هناك من شك أن الديمقراطية ليست في أحلى صورها في البلدان العربية والإسلامية كما أن هناك صعوبات معيشية في مختلف البلدان التي تعاني من الإرهاب وربما نجد عدداً من البلهاء في صفوف الإرهابيين نتيجة لمعاناتهم لكن كل هذه العوامل لا تتعلق بقضية الإصلاح الديمقراطي.
هذه القضية تتطلب زخماً وطنياً يدفع السلطات السياسية لإنجاز تعديلات على هيكل الحكم ويعزز إمكانات الإصلاح الاقتصادي وتبني قيم العدالة والتسامح لكن الإرهاب يدفع إلى عكس ما هو منشود حيث تتعزز القضية الأمنية وتعلن حال الطوارئ وتعطل الحريات كما جرى في عدد من البلدان العربية مثل مصر والجزائر وربما المغرب خلال الفترة التي تلت تفجيرات مايو الماضي ولا يمكن تبرير أي من هذه الأنشطة الإرهابية بناء على تبريرات لا صلة لها بجدول أعمال مخططي هذه الأعمال.
إن الديمقراطية تعني احترام حقوق البشر وقيمهم واختياراتهم الاجتماعية والسياسية وتؤكد حقهم في الاختلاف مع مختلف الطروحات السائدة كذلك تعني الديمقراطية حق تأسيس الأحزاب والمنظمات المجتمعية دون قيود ومن دون تقييد العضوية في أي من هذه التنظيمات على أسس طائفية أو عرقية أو قبلية، هل يقبل اطراف التنظيمات الإرهابية أن يكون الناس أحراراً ويختلفون معهم حول الأساليب أو الفكر السياسي والعقائدي والثقافي أيضا تؤكد الديمقراطية على حرية الاختيارات الثقافية، وحق النشر والتأليف والإبداع في الفنون والشعر والسينما والمسرح وغيرها من أعمال، فكيف يمكن أن تتوافق هذه المتطلبات الديمقراطية مع أجندة المنظمات التي تقوم بأعمال الإرهاب؟ وإذا كنا نعتب على بعض البلدان الأوروبية منع الطالبات من ممارسة حقوقهن بلبس الحجاب فكيف يمكن أن نقبل إلزام الفتيات لدينا بالحجاب وهذا ما حدث أخيراً في الكويت في إحدى المدارس الثانوية للبنات من قبل إحدى المسؤولات التربويات؟ أهم عناصر الديمقراطية هي حرية الاختيار لدى الفرد دون أن يلحق الضرر بمصالح المجتمع أو يتعدى على حقوق الآخرين، ولا يبدو أن هذا المنهج مقبول لدى أطراف كثيرة لدينا حيث تنتشر قوانين الحسبة وتتخذ إجراءات قانونية دون وجه حق ضد المفكرين والمبدعين في أكثر من بلد عربي وإسلامي.
لقد تأكد الآن أن البلدان العربية والإسلامية بشكل عام هي التي تعاني من تقهقر الحريات وانعدام فرص انتشار الوعي الديمقراطي وإذا كان الإرهاب هو وسيلة الاطراف المتأسلمة في إمكانات الصراع ستكون واسعة مما يعطل التحول نحو الإصلاح الديمقراطي وإذا كانت المنظمات ذات الصلة بالإرهاب قد ادعت في الماضي القريب بأنها تريد استئصال التواجد الأجنبي بكل صوره من البلدان الإسلامية والعربية فإن الإرهاب لم يرحم المواطنين والمقيمين كما نرى في الأحداث التي جرت في السعودية وتركيا والجزائر والمغرب.. بطبيعة الحال لا يمكن تبرير أي إرهاب ضد الأجانب في بلداننا فهم جاؤوا بمعرفتنا وهم يقومون بأعمال من أجل تطوير بلداننا أو حمايتنا من إرهاب المستبدين من حولنا كما أن التفاعل معهم أوجد مصالح مشتركة في عالم يتجه بسرعة نحو التواصل والتفاعل هل يمكن أن نعوّل على قوى إسلامية متنورة للوقوف ضد الإرهاب على أسس واضحة من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف؟ لا يستطيع المرء أن يكون متفائلاً حيث ان الكثير من هذه القوى قد ساهمت في إيجاد الأرضية العقائدية المبررة للإرهاب وكان خطابها دائماً معادياً للفكر الديمقراطي والقيم الإنسانية المعاصرة وإذا كان هناك عدد من العناصر الواعية في صفوف قادة الفكر الإسلامي فإنهم لا يزالون يمثلون أقلية لا تملك التأثير الواسع.
بات واضحاً أن على الأنظمة السياسية أن تتفاعل مع الأحداث على أسس واضحة ومن أهم هذه الأسس العمل السريع من أجل انجاز الإصلاح الديمقراطي وتفعيل دور القوى الواعية في المجتمعات العربية والتحرر من الالتزامات تجاه قوى الإسلام السياسي.. كذلك لابد من تعزيز الجرأة والشجاعة لدى العناصر الواعية من قادة الفكر الإسلامي ودفعهم لتأكيد روح الإسلام المتسامحة وهذا يعني الكثير فمثلاً يمكن للحكومة المصرية أن ترخّص لحزب الوسط الذي جاء الكثير من أعضائه من رحم حركة الإخوان المسلمين وكان يمكن أن يتحول إلى حزب ديمقراطي يحمل قيم الدين الإسلامي دون قهر وإجبار للآخرين ويمكن الاستفادة من التجربة التركية حيث تمكَّن حزب العدالة والتنمية ذو النزعة الإسلامية من الفوز بالانتخابات الأخيرة في ظل حكم علماني ويجب أن تؤكد هذه الحقيقة للكثير من الإسلاميين بأن العلمانية نظام لا يعادي المتدينين لكنه يرفض وصياتهم على المجتمع بالعسف والقهر وهناك أحزاب ديمقراطية مسيحية في أكثر من دولة في أوروبا تحمل قيماً دينية لكنها تعمل على أسس ديمقراطية وعلمانية.
هذه الحقائق تؤكد بأن الديمقراطية تتطلب وجود قوى تؤمن بالديمقراطية وتقبل بوجود الآخرين وتؤمن بإمكانات الفوز والخسارة في العمل السياسي، وترضى بالاختلاف الثقافي والفكري لذا لا يمكن أن نبرر للإرهاب المبني على إلغاء الآخر بغياب الديمقراطية، تبقى بعد ذلك قضية مهمة في طبيعة الصراع الدائر في هذه المنطقة من العالم:
هناك أنظمة لا تزال ترعى الإرهاب وهي تفعل ذلك على الرغم من اختلاف توجهاتها مع قوى الإرهاب الديني وذلك من أجل حمايتها من التمدد الديمقراطي ولا يمكن الدفاع عن هذه الأنظمة التي تطرح مسوغات كثيرة أو أنها تدّعي بُعدها عن منظمات الإرهاب لا يمكن أيضا تصديقها وإذا كانت هناك قوى داخل تلك الأنظمة تريد أن تتوصل إلى سياسات واقعية نظراً للمخاطر الجسيمة الناجمة عن تلك السياسات المتهورة فإنها يجب أن تتفاعل مع شعوبها وتمنحها حرية الرأي وحق تقرير الأنظمة السياسية التي تريدها من خلال آليات ديمقراطية ومما لا شك فيه أن تمدد الإرهاب إلى أكثر من بلد سيدفع إلى صراع إقليمي ودولي ربما يعطل فعاليات الإصلاح في المنطقة وليس هناك من وسيلة لتفادي هذا الصراع الدامي دون إنجاز التحول نحو الديمقراطية ومحاربة الإرهاب بفاعلية.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved