Saturday 24th January,200411440العددالسبت 2 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ظلَّ في البَيْداءِ يسعى ظلَّ في البَيْداءِ يسعى
شعر عبدالرحمن صالح العشماوي

ظلَّ في البَيْداءِ يسعى
لم يكنْ يبصر في الدَّرْبِ..
سوى آثارِ أفعى
وإذا ما رفع الرأسَ رأى بَرْقاً ولَمْعَا
ظلَّ في البيداءِ يسعى
لم يكنْ يعلم أنَّ الغابةَ السوداءَ..
لاتعرف شَرْعا
لم يكن يبصر إلا السيف مسلولاً..
وتمزيقاً وقطعا
أين عيناهُ..
لماذا كلَّما أرسلَ عينيهِ..
رأى سيفاً ونِطْعَا؟
وإذا ما أغمض اليُسرى..
رأتْ يُمناه صَدْعا؟
وإذا ما أغمض اليُمْنَى..
رأتْ يُسْراهُ صَرْعَى..؟
وإذا ما قَلَبَ الوجهَ إلى الخَلْفِ..
رأى السبعين سَبْعا؟
ورأى الأَصْلَ من الأشجار فَرْعَا؟
ظلَّ في البَيْداءِ يسعى
أبصر الخيل التي تجري..
وما أبصر نَقْعَا
ورأى ما ترسِلُ السُّحْبُ من الأمطارِ دَمْعا
ورأى الوَصْلَ لمن يهواه قَطْعَا
ورأى النَّجْمَ كَقُطعانٍ..
على الآكامِ ترعى
ورأى حبَّاتِ رمل البيد شَفْعََا
وإذا ما طَأْطَأ الرَّأْسَ..
رأى في الخَفْض رَفْعا
ورأى في الوَتْرِ شَفْعَا
ظَلَّ في البَيْداءِ يسعى
كلَّما أَصْعَدَ من مُنْحدَرٍ في الدَّرْبِ، أَقْعَى
لم يكنْ يَقْدِرُ للإعصار دَفْعا
حدَّث الراوي الذي كان مطلاً من جَبَلْ
أنَّه أبصر إنساناً من التَّلِّ نَزَلْ
وإلى أسفل وادي الوَهْم والهَمِّ وَصَلْ
ورأى في الجانب الأقصى من الوادي..
بقايا من طَلَلْ
ورأى في المستوى الأَدْنَى من الوادي..
بقايا من بَلَلْ
سكتَ الرَّاوي سكوتاً..
مَلأَ الوادي بأشباحِ وَجَلْ
ثم غابتْ صورةُ الإنسانِ مِن خَلْفِ التِّلالْ
واختفتْ في ظُلْمَةِ الوادي..
إشاراتُ السُّؤالْ
فإلى أَيِّ المتاهاتِ مضى ذاك الخيالْ؟؟
خَرَجَ الرَّاوي من الصَّمْتِ ونادى:
لستُ أدري
كلَّما أذكره أَنَّ خيالاً كان يَجْري
ثم أخفاه الدُّجَى عنِّي ووارتْه الشِّعابْ
كان موجوداً فغابْ
ظلَّ في البَيْداءِ يسعى
يُبْصِرُ المُفْرَدَ جَمْعا
ويرى ساقَ غُرابِ البَيْنِ جِذْعَا
كلَّما أَدْرَكَه الإِعياءُ أَقْعَى
ما الذي يطلب من فَكّ بلا نابٍ..
ومن نَابٍ بلا فكَّي أَسَدْ؟
ما الذي يطلب من جسمٍ بلا روحٍ..
ومن روحٍ تناءَتْ عن جَسَدْ؟
ظَلَّ يَسْتَنْبِتُ في أَرضِ هواه الأَسئلَهْ
والإِجاباتُ تَزيدُ المُعْضِلَهْ
ياتُرىَ..
هل يسمع الغيمُ تقاسيم البَرَدْ؟
ياتُرى..
هل يشعر السَّيْلُ بآهاتِ الزَّبَدْ؟
ظلَّ في البيداءِ يَسْعَى
رُبَّما كان يرى في غُبْرَةِ الصَّحراء مَرْعى
ويرى في لغةِ التَّفريقِ جمعا
ويرى في ذِلَّةِ استسلامه للخصم رَدْعَا
أَين يغدو؟
ذلك اللاَّهثُ في البَيْداءِ يعدو
مالَه يبدو، ولكنْ ليس يبدو؟
أبصرتْ عيناه «أمريكا» فطارْ
سابقَ الرِّيح إِليها..
هشَّم القُفْلَ الذي يُغلِقُ بابَ الإنتظار
لم يَدَعْ صورتَه الأُولى كما كانت..
ولم يُبْقِ الإطارْ
ظلَّ يستوقدُ للسَّعْي إلى المجهولِ..
ناراً أيَّ نارْ
أبصرتْ عيناه أمريكا..
فلا عاشتْ ترانيمُ الهِزَارْ
عندها الليلُ ولكنْ..
ليلُها في عينه مثلُ النَّهار
عندها الخندقُ، لكنَّ الفتى يُبصر في خندقها..
رَمْزَ انتصار
لم يزلْ يبحث عن أحلامِه في كلِّ حانوتٍ وبارْ
في العيونِ الزُّرْقِ..
في لونِ بياضٍ شابَهُ لونُ احمرارْ
في التقارير التي ترعى حقوقَ الكلبِ..
والقطَّةِ والخنزيرِ..
تستثمر أحلامَ الصِّغارْ
في القوانين التي تدعو إلى حرِّيةِ النَّاس..
وتجتاح الدِّيارْ
ظلَّ في البيداءِ يسعى
نَحْوَها يَدْفَع رَكْبَ الحُلُمِ الواهمِ دَفْعَا
يَنْزِعُ الإحساسَ من جنبيه نَزْعَا
أبصرتْ عيناه للحرّية الرَّعْناءِ تمثالاً..
فأَلْقَى الرَّحْلَ مبهوراً، ودارْ
وعلى التِّمثال دارْ
مرَّ عامٌ بعدَه عامٌ وفي الرأسِ دُوَارْ
وابنُ امريكا الذي يعشقها..
يبحث عن شيءٍ.. تسمّيه القوانينُ «قرارْ»
مَرَّ عامٌ بعدَه عامٌ، وفي الرَّأْسِ دُوَارْ
والفَتى يطلبُ تحديدَ المسَارْ
لم يزلْ يعشق أمريكا وفي أَهدابها..
يبحث عن عَطْف الكبارْ
ظلَّ في البَيْداءِ يَسْعَى
كلَّما أَبْصَرَ بُنْيَاناً رأى في أُسُسِ البُنيانِ صَدْعَا
لم يَزَلْ يطلبُ في الدَّائرةِ الحمراءِ رَبْعا
دخل الواحةَ ليلاً..
لم يجدْ فيها سوى بعضِ الأَباريقِ تُدَارْ
ورأى المسرحَ، والمُخرجَ، والفاتنةَ الشَّقراءَ..
من غير عِذارْ
ورأى الحُرِّيةَ الرَّعناءَ تمثالاً قبيحاً..
خبَّأتْ أحشاؤه جَمْراً..
وفي عينيه نارْ
ورأى من خَلْفِه بئراً بلا ماءٍ..
وجَرَّافاً، وآلاتِ دَمَارْ
وبياناً يُنكر الإرهابَ، والقَتْلَ وترويعَ الدِّيارْ
لم يزلْ يعشق أمريكا، ويَستمنحها حُسْنَ الجوارْ
لم يجدْ فيها سوى دفترِ تحقيقٍ، وقُفلٍ وحصارْ
ظَلَّ في البيداءِ يسعى
يسأل الرَّمضاءَ أن تمنحه في القيظ نَبْعا
طالت الرِّحلةُ في بَيْدائه..
شطَّ المَزارْ
وسؤالٌ جارحٌ يَهْتِكُ ظَلْماءَ السِّتارْ
أين أمريكا؟..
سؤالٌ لم يُعِرْه الغافلُ الحيرانُ سَمْعا
وجوابٌ يَصْفَع الواهمَ صَفْعا
إنَّها صاحبة الحقل التي تَمْنَعُ عنه النَّاسَ مَنْعَا
وهيَ في كلِّ حقولِ الناسِ تَرْعَى
أغلق المسكينُ جَفْنيهِ..
وأَقْعَى..


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved