ربَّما نحتاج لأن نضع جميع «الملفّات» أمامنا مفتوحة، ونفصل بينها... بكلِّ تأكيد فإنّ لكلِّ ملف قضية، وهناك من يعبث بقضايانا عبثاً غير لائق بنا أن نتقبَّله أو حتى نصمت عنه، أو نتجاهله، أو نخضع له...
فالدين الإسلامي أقر كما أقرَّت جميع الأديان «عمل الخير» وتكافل الإنسان مع الإنسان، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يختم برسالته جميع الأديان السماوية وتأتي أحاديثه القول الفصل في جميع الشؤون والأمور المتعلقة بالحياة الدنيا والآخرة ومن خلق كي يتمثَّل توجيهاته ويسير على أوامره، ويقف عند نواهيه ملتزماً راضياً مستسلماً قانعاً، مؤدياً فاعلاً. وهو خير من قال إنَّ المسلم للمسلم كالجسد الواحد...، وهو من قال: إنَّه وكافل اليتيم في الجنة مثل الإصبعين المتجاورين المتلاحمين في كفِّ اليد الواحدة. ولقد دأبنا نعمل بما أوصى ووجَّه فكانت ولا تزال لجان الخير والكفالة لليتيم، والأرملة، والمعوز من الفقراء والمعسرين وذوي الحاجة، وامتدت المعونات ليس على المستوى المادي بل النّصح والارشاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر...، ويكون التطلُّع لها أن تقتدي في كلّ أعمالها وأقوالها بما كان عليه توجيهه وتربيته وتعليمه صلى الله عليه وسلم.
وفُجاءة، وجدنا الأمور تتبدّل في ظاهرها، ويمتدُّ التبدُّل إلى دواخلها شيئاً فشيئاً، إذ هناك مَنْ تسلَّط على هذا المجتمع المسلم المتضافر المتكاتف في مجالات عمل الخير والتكافل والمعروف سلطة تحريضٍ بهدف نقض ركن هام من أركان علاقات الإنسان بالإنسان هذه العلاقات التي بُنيت في مفهوم الثقافة المجتمعية في المجتمع المسلم على فكرة «الجسد الواحد»، وكان لابد من الانتباه إلى أنَّ هذا التحريض في الحملات الشرسة على المسلمين إنما هي تهدف بالدرجة الأولى نقض هذا الجسد وتصدعه بهدف نقض أساسه وجذره وهو الإسلام.
ولذلك اختفت الأركان التي كانت تستقبل التبرعات والكفالات والأضاحي من الأسواق العامة بعد أن كانت تقوم بدور «المعونة» لكلِّ من لا يملك عربة، أو لا يعرف الوجهة أو الجهة التي يقدم بها تبرعاته ومساعداته كما كانت تعين الفقير الراغب في التكافل والمساعدة بقليل ما عنده كي يدس يده في الوقت الذي تفيض معه دريهمات قليلات في صناديق التبرعات، ويخرج سعيداً مطمئناً إلى أن أحداً لم يره وأن الله وحده تعالى من سيقبل قليله، ويكون بذلك طامعاً في ثوابه تعالى المضاعف. وامتد الأمر إلى «الإجراءات» جميعها سواء في البنوك أو الجهات المسؤولة مثل الرابطة، أو الندوة العالمية، أو... أو امتد الأمر إلى التعامل مع «الأموال» المكدَّسة الموسومة للفئات المختلفة من الأسر البديلة، والفقراء المساكين، والمشردين، وأبناء المجاهدين في فلسطين والأيتام في جميع أنحاء العالم...
وتعطَّل الفعل التكافلي، وجرح الجسد الواحد...
فما يكون موقف المسلمين من هذا سوى القوة ورفض أي تسلُّط من رأي، أو موقف، أو تدخُّل بالعبث في الملفات الخاصة بمجتمع المسلمين جميعهم سواء داخل بلادنا أو غيرها.
إنني أقترح أن يتم عمل جمعي يبدأ بمجتمعنا وهو قدوة المسلمين ومأوى الحرمين وموطن خير المرسلين ومرجع خاتم الرسالات أن يفسح بما كان عليه أمر التعامل مع الملف الإسلامي في علاقات الجسد الواحد... كي تصل النِّعمة لكل فم جائع، والكساء لكل جسد عار، والمأوى لكل متشرد فقير، والسَّداد لكلِّ معوز محتاج، وألاّ يتدخل كائن من كان في خصوصية هذا الملف، لإناطته بالدين ولأنّ رضاء الله وحده المقصد.
مع إمكانية إيجاد دراسة لما كانت عليه مرجعيات العمل التطوعي والفصل بين النوايا الحسنة فيه وما تداخل من أمور أوجبت العناية به وبتوجيهاته وتنظيمها بحيث لا تتوقف يد الخير عمن يحتاج إليه.
|