وكأن العراقيين قد تخلصوا عن كل همومهم، وعالجوا كل المشاكل التي ورثوها من النظام السابق، وما أفرزه الاحتلال الأجنبي لأراضيهم، ليساهم «أشقاؤهم» العرب في صنع وتدبير مشاكل جديدة لهم، فضمن موجة المضاربة على العملة العراقية والتي تجد رواجاً في الأقطار العربية المجاورة للعراق إضافة إلى مصر ولبنان بعد أن وجدت لها سوقاً رائجة في الكويت والمملكة وبالذات في حفر الباطن وسوريا والأردن فقد كُشف النقاب في الأسبوع الماضي عن جريمة اخلاقية سياسية اقتصادية تمثلت في تهريب أكثر من تسعة عشر مليار دينار أمريكي الطبع.
هذه الجريمة أثارت استنكار الرأي العام اللبناني وأصحاب الضمائر الحية من ابناء الدول العربية، وكانت المبادرة من المنتدى الاقتصادي الاجتماعي اللبناني الذي أصدر بياناً حذَّر فيه من مغبة هذا العمل الإجرامي الذي يضر بالعراقيين واللبنانيين.
وبغض النظر عن الأسماء اللبنانية المتورطة والتي نشرها الإعلام، لم تكن هذه الحادثة معزولة، حيث ان مبالغ من هذه العملية المطبوعة في مطابع الاحتلال قد تم ضبطها كذلك في مطار القاهرة بالاضافة إلى ضبط مبالغ اخرى في بلدان اخرى مجاورة للعراق أكثر من مرة وبالتزامن مع اكتشافها في مطار بيروت.
ويبدو من ظاهر الأمور ان تهريب هذه العملة يتم بتوجيه وتنسيق مع سلطة الاحتلال الأمريكي وذلك بهدف تمويل بضائع وخدمات لمصلحة الاحتلال.
وبالعلم بأن هذه العملة العراقية الحديثة تطبع الآن بدون أي مرجعية أو تغطية أو سند أو رقابة مالية حقيقية وبالتالي لا تساوي قيمة الدينار السابق وهي لا تساوي فعلاً أكثر من قيمة الورق والحبر المستخدم في انتاجها.
ويتساءل المراقبون عن توقيت ظهور كميات من هذه العملات خارج العراق مع التلاعب المقصود بقيمتها الاسمية مقابل الدولار الأمريكي والذي توفره بدورها كذلك سلطة الاحتلال لسوق التداول العراقي.
فتأرجح سعر الصرف بين 2000 و1000 ثم 1300 دينار للدولار في اقل من أسبوع لا شك يحفّز البعض على المضاربة بهذا الدينار فيكون اداة لجمع الدولارات من أيدي المواطنين العراقيين والامعان بافقارهم.
وما يهمنا التنبيه عليه هو خطورة عدم شرعية وجود مثل هذه العملة والاتجار بها خصوصا وانها عديمة القيمة الفعلية، مما سيؤدي لافراغ السوق وبخاصة جيوب صغار المضاربين من مدخراتهم بالعملة الصعبة كالدولار بعد استبدالها لأوراق ملونة لا تساوي شيئاً تحت عناوين المضاربة، وفي الوقت ذاته تقوم سلطة الاحتلال بتمويل ثمن وجودها بالمدخرات والرساميل العربية مقابل طبع وتوزيع هذه الأوراق النقدية الزائفة التي لن يكون لها أي قيمة بعد رحيل الاحتلال عن العراق خصوصا ان اتفاقيات جنيف لا تمنح قوات الاحتلال حق أي تغيير دستوري أو قانوني أو مالي في البلاد التي تحتلها.
وتذكرنا هذه المسألة بالمضاربات المفتعلة والمنظمة والتي أدت لسحب مليارات الدولارات والقضاء على مدخرات المواطنين في دول الكتلة الاشتراكية بعد انهيارها في اوائل التسعينيات.
ونحن هنا ونظراً لحصول مضاربات وتغير لهذه العملة في أراضي المملكة وبالذات في حفر الباطن فنحن ننبه إلى ان أكثر المتضررين بهذا العمل بالاضافة إلى الشعب العراقي هم الذين يتكالبون على شراء الدينار العراقي الجديد الذي لا قيمة فعلية له فهو حتى الآن بدون أي غطاء سواء من الذهب أو السندات، والاتجار به بقدر ما يضر الاقتصاد العراقي الهش يضر من يمتلكه لأنه لا يساوي ما يدفع بدله ويسبب عبئاً اقتصادياً ونفسياً على من يشتريه.
|